السبت , 9 نوفمبر 2024

ضرب السفينة الاسرائيلية في بحر العرب….الرسائل والعبر…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

ضرب السفينة الاسرائيلية التجارية في بحر العرب ومقتل إثنين من طاقمها لم يأتي من فراغ بل أتى على خلفية الاعتداءات التي تقوم بها أجهزة المخابرات للكيان الصهيوني وعلى رأسها الموساد في الداخل الايراني بين الحين والاخر ويأتي ايضا على اعقاب الكشف عن شبكة إرهابية في الداخل الايراني التي كان بحوزة أفرادها أسلحة وقنابل يدوية وكانت تخطط لعمليات داخل المدن الايرانية. ولا شك ان للموساد يد في هذا الامر فالكيان الصهيوني سواء في فترة نتنياهو أو في الحكومة الجديدة لبينت لا يكفان عن الاعلان والتصريح أن الكيان الغاصب لن يسمح لإيران بتطوير برنامجها النووي او برنامج الصواريخ الباليستية وأن جيش الكيان سيقوم بإتخاذ الاجراءات والخطوات لتحقيق ذلك حتى لو أضطرت “اسرائيل” بالقيام بذلك لوحدها. ومن المفيد التنويه هنا ان جيش الكيان الصهيوني لا يقوى على توجيه ضربة للمنشآت النووية الايرانية لانه يدرك ان حجم الرد الايراني على هكذا خطوة سيكون مزلزلا بالفعل. وفي نفس الوقت فإن الولايات المتحدة ليس في وارد ان تنجر الى عملية مواجهة عسكرية مع إيران نتيجة أي تهور اسرائيلي يؤدي الى تدهور الاوضاع ونشوء حرب لإقليمية إن بدأت لا يمكن التكهن بنتائجها ومتى تنتهي.
وربما لهذا الاسباب تقوم أجهزة المخابرات الاسرائيلية بين الحين والاخر بعملية محدودة وترد إيران على هذه العملية بما يتناسب مع الضربة التي تلقتها في المكان والزمان بعد تحديد الهدف وليس اكثر من ذلك. وضربة السفينة مؤخرا لم تكن الاولى من نوعها فقد سبق وأن ضربت ثلاثة سفن اسرائيلية في البحار. ولكن ما يميز هذه الضربة هو التوقيت وحجم الاضرار التي تسببت عن ضرب السفينة والتي ادت الى مقتل إثنين من طاقمها. وكالعادة لم يصدر اي تصريح من إيران بشأن الضربة عدا عن انها ليست مسؤولة عن العمليةبينما تتهم “اسرائيل” ايران بالقيام بهذه العملية وترجح الولايات المتحدة ان إيران هي من قام بهذه الضربة بطائرة مسيرة تبعا لما تناقلته وسائل الاعلام الامريكية. اما الاحتمال الاخر هو ان تكون اجهزة المخابرات الاسرائيلية قد قامت بضرب السفينة لعلمها انها كانت بدون حمولة وذلك لتأليب الراي العام العالمي على إيران وخاصة اثناء المباحثات الجارية في فينا حول برنامجها النووي.
ردود الفعل الاسرائيلية على هذه الحادثة كانت متوقعة وتدخل ضمن التحريض المستمر ضد إيران ومحاولة لجر ما يسمى “بالمجتمع الدولي” اي الولايات المتحدة والدول الغربية وخاصة دول الاتحاد الاوروبي للموقف الاسرائيلي بشأن الاتفاق النووي مع إيران وضرورة إعادة المفاوضات وإدخال برنامج الصواريخ الباليستية الايراني وكذلك الدور الايراني المتعاظم في المنطقة ضمن الاتفاق. وهذا ما ترفضه إيران رفضا قطعيا حتى لو أدى ذلك الى توقف لا بل وفشل المباحثات الغير مباشرة بينها وبين الولايات المتحدة في فينا. هذا بالاضافة الى أن الكيان الصهيوني يسعى الى إبقاء العقوبات التي فرضت على إيران من قبل إدارة ترامب. وبحسب المصادر الاسرائيلية فقد قام وزير خارجية العدو الصهيوني بتوجيه الطواقم الدبلوماسية في لندن وواشنطن والامم المتحدة العمل على طرح قضية ضرب السفينة على مجلس الامن الدولي متهما إيران بالقيام بها, الى جانب ذلك صرح قائلا” “إيران ليست مجرد مشكلة إسرائيلية ، بل هي مصدر للإرهاب والدمار وعدم الاستقرار الذي يؤذينا جميعا” وجميعا هنا استخدمت طبعا للتأكيد انهت مشكلة الغرب والولايات المتحدة على وجه التحديد. والغرض من هذا التصريح الى جانب ما ذكرنه سابقا ربما يكون طرح قضية تدويل أمن البحار في منطقة الخليج وبأبعاد ومساحات تعطي الكيان الصهيوني حرية التحرك في هذه المنطقة الاستراتيجية والحساسة لكي يقوم بعمليات الرصد والتجسس وإدخال عناصر تخريبية وأمنية الى الداخل الايراني.وهذا ربما يتضح من تصريحات من قبل وزير الحرب للكيان الصهيوني ان مثل هذا الحادث يؤثر على حرية الملاحة في تلك المنطقة.
الى جانب محاولة التحريض الدولي على إيران فإن الكيان الصهيوني يستخدم هذا الحدث لمزيد من حلب الخزينة الامريكية ودافع الضرائب الامريكي بطلب مزيد من المساعدات العسكرية والمالية من الادارة الامريكية كما حصل في العدوان الاجرامي على غزة قبل اشهر عندما قامت الادارة الامريكية بالموافقة الفورية على تزويد الجيش الاسرائيلي بمزيد من الاسلحة والصواريخ الدقيقة “الذكية” بيقمة 750 مليون دولار التي استنفذها في عدوانها على قطاع غزة. فحكومة بينت التي خلفت نتنياهو وفي خضم المزايدات السياسية والظهور بمظهر انها اكثر دموية واكثر عدوانية تجاه إيران إتهمت حكومة نتنياهو انها لم تأخذ الخطر الايراني على محمل الجد ولم تتخذ الخطوات اللازمة لمجابهة هذا الخطر.وبهذا الصدد أوردت الصحف الاسرائيلية ان قادة “جيش الدفاع الاسرائيلي” ووزير الحرب غانتس طالبا بزيادة كبيرة في الميزانية بقيمة مليارات الشيكل حتى يتمكن من الاستعداد بشكل صحيح لهجوم محتمل ضد المنشآت النووية الايرانية في حالة فشل المباحثات في فينا. وفي الزيارة الاخيرة التي قام بها وزير الحرب الاسرائيلي للولايات المتحدة كان الخطر الايراني النووي والصواريخ الباليستية من أهم النقاط التي تم نقاشها وقد صرحت الولايات المتحدة أنها ستزود الكيان الصهيوني بما يلزمه من معدات وأسلحة متطورة لضمان ” أمنه “. ويبقى السؤال المطروح حاليا الى اي مدى ممكن للولايات المتحدة ان تذهب فيما إذا ما إرتكب الجيش الاسرائيلي حماقة القيام بضرب منشآت نووية إيرانية هذا من جانب. ومن الجانب الاخر فإن كل التحاليل تشير الى أن الكيان الصهيوني غير قادر على القيام بهذه الخطوة بمفرده دون إعطاءه الضوء الاخضر والغطاء الامريكي.
ما يمكن قوله وفي هذه اللحظة أن أولويات الادارة الامريكية الجديدة لا تتطابق بالضرورة مع أولويات الكيان الصهيوني بالنسبة الى إيران وخاصة بشأن المدى التي يمكن ان تذهب اليه تبعا للتمنيات االكيان الذي تريد حكومته من الولايات المتحدة ان تحارب بالنيابة عنها, فجل إهتمامها الان ومنذ تولي الادارة منصب في صراعها مع روسيا الاتحادية والصين كدولتين صاعدتين عسكريا وإقتصاديا وذات ثقل وازن على الساحة الدولية وكاسر لأحادية القطب التي تمتعت بموقعه الولايات المتحدة لاكثر من عقدين من الزمن على اثر أنهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع تسعينات القرن الماضي.
يبقى ان نقول أنه إذا ما صحت الاتهامات التي وجهت الى إيران بضرب ناقلة النفط فإن ذلك يعني ببساطة ان إيران ليست فقط قادرة على الرد على العدوانية الاسرائيلية والعربدة التي تمارسها في الداخل الايراني او على مواقع إيرانية داخل سوريا, بل ان هنالك قرار سياسي وعسكري واضح بأنكم بان إعتدائاتكم لن تمر مر الكرام وأن الرد سيكون سريعا ومتناسبا مع حجم الاعتداءات. وإختيار البحار للرد هو إختيار أيضا مدروس وموجه ايضا الى الدول الخليجية والدول الغربية أيضا بأن الاستفزازات والاعتداءات الاسرائيلية على إيران تشكل خطرا على إقتصادياتكم وخاصة فيما يتعلق بإمدادات النفط الى الاسواق العالمية هذا الى جانب الرسالة الموجه الى دول مثل الامارات والبحرين ان الكيان الصهيوني لن يستطيع توفير الحماية لكم وأن مصالح بلادكم ستكون مهددة ايضا في حالة قيام قواعد ومراكز تجسس اسرائيلية على اراضيكم وأن إيران تمتلك من القدرات العسكرية واللوجيستية والامنية التي تؤهلها للقيام بهذه المهام. وتصريح وزير خارجية الولايات المتحدة بأن أمريكا ستقوم “بالتشاور” مع حكومات دول المنطقة وخارجها وتنطح بريطانيا بهذا المسار يدل على ان الدول الغربية تستشعر الخطورة الجدية لما قد تؤول عليه الامور في حالة استمرار الاعتداءات الاسرائيلية المتصاعدة وردود إيران على هذه الاعتداءات.

* كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني

شاهد أيضاً

هل سيتكرر سيناريو1982…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

عندما اجتاح جيش الكيان الصهيوني في عمليته “المحدودة” تحت إمرة السفاح شارون آنذاك ووصلت الى …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024