بعد انتهاء الاستفتاءات بموافقةٍ شعبية عريضة , وفق قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة , وبحضور عددٍ كبير من المراقبين ومن جنسياتٍ مختلفة , وبعد الإنتهاء من الإجراءات الرسمية الروسية , تم الإعلان عن إنضمام دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوروجيا ، إلى روسيا الإتحادية , وأصبحت جزءاً منها , وسط الأفراح الشعبية , والرسمية في قاعة جورجيفسكي بقصر الكرملين , والكلمة المهيبة للرئيس فلاديمير بوتين , التي أكد من خلالها على “الوحدة التاريخية للأرض والشعب الروسيين” ، وعلى “استعادة العدالة التاريخية ” , وبأن روسيا “لن تخون خيار الشعب”.
وسارع وزراء خارجية دول مجموعة السبع (الولايات المتحدة الأمريكية , ألمانيا , فرنسا , المملكة المتحدة , إيطاليا , كندا , اليابان) ، بالإضافة الأمين العام للأمم المتحدة , وتركيا “صديقة” روسيا , وعدد من الدول الأخرى المتحالفة مع واشنطن ، للإعلان عن رفضهم وعدم قبولهم بنتائج الإستفتاءات , وبعدم شرعيتها.. في وقتٍ لم تستغرب فيه موسكو تصرفات وسياسات أعدائها وخصومها , التي اعتادت عليها منذ ثلاثين عاماً , وإنسياقهم وراء السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية , التي لطالما سعت إلى التعدي والنيل من مصالح روسيا , والحد من نشاطها وقدرتها ونفوذها حول العالم …
وقادهم إنقيادهم مؤخراً , نحو تعزيز المشاعر المعادية لروسيا وتأجيجها ، متكئين على إعادة إحياء وتعيميم الإيديولوجية النازية , عبر نظام كييف النازي , الذي أوصلوه إلى سدة الحكم منذ ثمانية أعوام , ليقوم عبر سياسة الإضطهاد والعنف والإبادة الجماعية , تجاه المواطنين الناطقين باللغة الروسية في شرق أوكرانيا ، ومن خلال قصفٍ ممنهج ومنتظم لبلدات ومدن منطقة دونباس , بدعمٍ وغطاءٍ سياسي وعسكري غربي , لوضع روسيا أمام خيارين اثنين , إما الإستسلام أمام زحف الناتو ووصوله إلى عتبة موسكو , أو الإنخراط بعمل عسكري , يسمح للمخطط الغربي الخبيث بالتحرك العلني ضد روسيا , وهذا ما حصل فعلاً.
في هذا السياق ، يتساءل المرء ما الذي ستفعله الولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا , إذا ما تعرض مواطنيهم لإعمالٍ إرهابية مشابهة , وللإبادة الجماعية ؟, ألم تقم الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بشن الحروب والعدوان على أفغانستان وسوريا والعراق وليبيا ، تحت شعار “تهديد الأمن القومي الأمريكي” , على الرغم من إدراك العالم لحجم نفاقها وأكاذيبها , ومع ذلك لم يتحد العالم وراء معاقبتها وعزلها وشن الحرب الكونية عليها , فما بال العالم الغربي اليوم , وهو يعلم مقدار المعاناة والصبر الروسي ومحاولات موسكو لحماية المواطنين الناطقين باللغة الروسية في شرقي أوكرانيا , بعدما نسفت حكومة النازين الأوكران إتفاقية مينسك لحمايتهم , ناهيك عن التهديد الحقيقي للأمن القومي الروسي بإنضمام أوكرانيا إلى الإتحاد الأوروبي , ووصول جنود وأسلحة الناتو إلى الحدود الروسية , بما يخالف أيضاً تعهدات الناتو السابقة حيال التوسع والتقدم شرقاً.
لا يجد المتابعون والمهتمون صعوبةً حقيقية في تقييم الأعمال الإستفزازية التي تعرضت لها روسيا , من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو في أوكرانيا , بأن ما يحصل هو تنفيذٌ مباشر لمخططٍ غربي محكم مسبق التحضير, محسوب الخطى والأساليب والوسائل للوصول إلى الأهداف المعلنة بتدمير روسيا اقتصادياً وعسكرياً وبتقسيمها وفرط عقد الإتحاد الأوراسي , والتحالف الروسي – الصيني.
لكن سبعة أشهر من الحرب على روسيا كانت كافية , ليجد الأوروبيين أنفسهم محاصرين بأزماتٍ اقتصادية وأزمة طاقة حادة , تضاف إلى أزمات حكوماتهم المخادعة التي تعاني أصلاً أمام شعوبها بفضل سيرها وراء مصالح الولايات المتحدة على حسابهم , كما يحصل في فرنسا وألمانيا وبلجيكا والقائمة تطول , ناهيك عن الدعم المالي الكبير الذي أجبرت تلك الحكومات على ضخه يومياً في خزائن حكومة أوكرانيا لضمان استمرار الحرب “الغبية” , فضلاً عن تكاليف شحنات الأسلحة التي تُرسل يومياً إلى ساحة المعركة , في وقتٍ بدأت معالم الفقر والجوع , والتهجير والبطالة وغيرها من تداعيات تتفاقم بسرعةٍ مخيفة , وسط إرتفاعٍ غير مسبوق للسلع الغذائية وأسعار مواد الطاقة المختلفة , وانشغال الحكومات الغربية بقطع إمدادات الطاقة الروسية , والبحث عن البدائل الأمريكية بأسعارٍ خيالية , وإطلاق الأكاذيب حول توفر ما يكفي من موارد الطاقة في مستودعاتهم , لمواجهة الشتاء القادم بسرعة , وليس اّخرها أكاذيب رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون يدر لاين في 7/10/2022 , حول انخفاض نسبة استجرارهم للغاز الروسي من 41% إلى 7% , وبأنهم في وضعٍ جيد لمواجهة الشتاء , في وقتٍ لم تتحدث فيه عن نسب ومعدلات حاجاتهم الفعلية السنوية والمتزايدة من الطاقة , وبأنهم لم يصلوا إلى تأمين نسبة لا تتجاوز الـ 50% بشكل عام , مع تفاوت هذه النسب ما بين دول الإتحاد الأوروبي.
ومع ذلك ، بصرف النظر عن خيبة الأمل الصريحة لفشل أعمالهم الإستفزازية في أوكرانيا ، فإن ردات الفعل السلبية للولايات المتحدة و “القطيع الغربي” , لا تزال تدفعهم للمراهنة على التصعيد العسكري , والإستمرار في دعم كييف , وعلى حملة الترويج للإستخدام الروسي للإسلحة النووية , وتسابق الساسة الأمريكيين والأوروبيين والرئيس بايدن شخصياً , والماكينات الإعلامية العالمية , لتقديم الأدلة ولتأكيد تاريخ التهديد النووي الروسي عبر الرئيس بوتين , وذهب الرئيس بايدن إلى أبعد من ذلك , وهو “جو النائم”. الذي انزلق على السلالم ولم يعرف عمر زوجته وكيف يخرج من قاعة الإجتماعات وصافح الهواء وأطلق عشرات التصاريح السخيفة.. ومع ذلك ادعى بأنه يعرف بوتين “جيداً” , وبأن بوتين “لا يمزح عندما يتحدث عن إمكانية استخدام أسلحة نووية تكتيكية أو بيولوجية أو كيماوية” , لكنه ما لبث أن تراجع وخفف من حدة الإتهامات وبأنهم حتى اللحظة لا يملكون أية استشعارات حول تحركات روسية بهذا الخصوص , لمجرد أنه استشعر خوف وهلع المتبرعين الديمقراطيين الذين التقاهم بالأمس في نيويورك , نتيجة الأضاليل الإعلامية الأمريكية.
تبدو نتائج الصراع حتى الاّن تقف وراء خيبة أمل الإدارة الأمريكية والرئيس بايدن , كذلك وراء خيبات أمل “العائلة الأوروبية” , التي بدت وأنها تعيش لحظات تخبطٍ واضحة , عكستها قمة براغ ونتائجها التي لم تحمل أي جديد بغياب الإملاءات الأمريكية المباشرة عن القمة , فجاءت العناوين ضمن السياقات السابقة , لكن من خلال المصالح الخاصة لكل دولة , حيث رفضت ليز تروس رفع الأعلام الزرقاء للاتحاد الأوروبي وسط تنافس ماكرون وشولتز على قيادة الإتحاد الأوروبي , وتعمدها الإستمرار بسياسة تجاهل وربما بسحق ما تسمى بـ “وحدة العائلة الأوروبية” , فيما ذهب ماكرون نحو إنشاء صندوقٍ أوروبي خاص لدعم المواجهة مع روسيا برصيدٍ أولي 200 مليون يورو , كذلك دفع الألماني شولتز نحو مؤتمر إعادة إعمار أوكرانيا , في حين بشر رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل بالتوافق على الحزمة الثامنة للعقوبات على روسيا , وبإستمرار الدعم السياسي والعسكري والإقتصادي لأوكرانيا , ويبقى الأهم بالنسبة لقمة براغ التأكيد على استمرار حالة العداء لموسكو , لضمان استمرار الود والرضى الأمريكي , وتاكيد أن زيلينسكي ليس المهرج الأوروبي الوحيد.
يا له من ضياعٍ أوروبي , ما بين أهداف تروس ماكرون وشولتز , وسط الهمّ الجماعي للأوروبيين حول هوية من سيملأ الصندوق الأوروبي , ومن سيدفع الديون وتكاليف الحرب والأموال التي سرقها زيلينسكي وصحبه , وإعادة الإعمار , وهل هذا يفسر القراءة والتراجع الأمريكي عن التهويل النووي الروسي لإبعاد المتبرعين الأمريكيين , وتوريط المتبرعين الأوروبيين فقط .. وهل يمكن لهذا أن يعيدنا إلى زمن “الحلابة” , ويفضح استمرار بايدن بالسير على خطى سلفه دونالد ترامب رغم إدعائه بنسف حقبته برمتها.