عاشوراء وسقوط  دعوى الرواية أمام حجة الدّراية…بقلم محمد الرصافي المقداد

عاشوراء وسقوط  دعوى الرواية أمام حجة الدّراية…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم يكن الصراط المستقيم – منهج أهل البيت عليهم السلام – الذي دعا الله إليه صالح عباده، ليسلم من هجمات أعدائه، ومحاولاتهم المتكرّرة تشويهه كتابة ورواية وسيرة، فنسبوه إلى يهودي بادئ أمرهم، وجاؤوا بعلماء سلاطينهم، ليتفننوا في نسبة عقائده إلى اليهود، مع أنها شعائر قرآنية، كالإمامة والعصمة والتقيّة، وكان تاريخ الطبري عمدتهم في نقله خرافة ابن سبأ، ومع أن علماء جرحهم وتعديلهم، حسموا أمرهم في شخص سيف بن عمر، فضعفوه وكذبوه وزندقوه بكامل سلسلته (1) إلّا أن ميلهم إلى الخرافة، ونقل الرواية والخبر عن غير الثقات والمجهولين، جعلهم يعتمدون عليه في التأريخ (2)، وفي هذا دليل على تسامح غير منطقي في الحكم الذي أصدروه بشأنه، وما استتبع من نقله التاريخي في قلب الحقائق، لا غاية من ورائه سوى تزوير الحقائق وبث الأكاذيب، ضربا لمصداقية التّشيّع وأهله.

وبعد واقعة كربلاء، وأمام هول ما ارتكبه الأمويون، بحقّ صفوة أهل البيت الحسين بن علي سيد شباب أهل الجنة عليه السلام، ومن معه من أهل بيته وأصحابه، في قلّتهم القليلة، لا تستوجب حشد عشرات آلاف الجنود خيالة ورجالا، إصرارا على قتل سبط النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأمام انتفاضة أهل المدينة سنة 63 هـ المعروفة بوقعة الحرّة، لم يجد طغاة الأمّة وسيلة لإسكات أصوات معارضة، بدأت تشقّ عصا التمرّد والعصيان عليهم، بغير الدعايات الكاذبة، فكنّوا عمار بن ياسر بابن سبأ اليهودي (3) لتتحوّل حركته الدؤوبة، في مناصرة مولاه الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام إلى حركة يهودية، وبرّأوا ساحة خلفاء بني أميّة من جرائمهم المرتكبة بحق الصالحين، ببثّ عقيدة الإرجاء(4) بين المسلمين، ثم ومن أجل محو آثار ما حصل يوم العاشر من المحرم سنة 61 هـ، اختلقوا روايات نجاة النبي موسى عليه السلام وقومه من فرعون في مثل ذلك اليوم: ( قَدِمَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَدِينَةَ، فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَومَ عاشُوراءَ، فَقالَ: ما هذا؟ قالوا: هذا يَوْمٌ صَالِحٌ، هذا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إسْرَائِيلَ مِن عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى. قالَ: فأنَا أحَقُّ بمُوسَى مِنكُمْ، فَصَامَهُ، وأَمَرَ بصِيَامِهِ.(5)

ومن فقد البصيرة في دينه صدّق كل ما بثه الوضّاعون والكذّابون تحت عنوان الصحاح، وهل كان نبيّنا جاهلا بمن كان قبله من الأنبياء، حتى يستقي مصدره من يهود حاقدين محرّفين؟ أو أنّه اعتمد يوما من الأيّام على غير الوحي من الله تعالى، حتى نقول بإمكان وجواز سؤال كهذا يصدر منه؟ أنا لا أعتقد أن مسلما سليم العقل، يمكن أن يقبل صدور ذلك على نبيّه، فضلا عن قبول دعوى أنّ يوم عاشوراء، هو يوم كانت تصومه العرب في الجاهلية، (وكانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صَامَهُ وأَمَرَ بصِيَامِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ، كانَ رَمَضَانُ الفَرِيضَةَ، وتُرِكَ عَاشُورَاءُ)(6)

وفلو افترضنا أنه يوم كان أهل الجاهلية يصومونه، فعلى أيّ اتفاق صامه معهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمر بصيامه؟ وعلى فرض صحة الرواية – وهي أبعد ما تكون عن ذلك- فإن ترْك صيامه يُعتبر نسخا له بشهر رمضان، فأين مشروعيته في هذه الحال؟  وإن افترضه الله على بني اسرائيل، فما وجه فرضه على المسلمين، ونحن نعرف أن شريعة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم نساخة لما قبلها، فلا وجه لاستعادة شيء منها في شريعة الإسلام؟

(إن الله عز وجل افترض على بني إسرائيل صوم يوم في السنة يوم عاشوراء، وهو اليوم العاشر من المحرم فصوموه ووسعوا على أهاليكم فيه، فإنه من وسع على أهله من ماله يوم عاشوراء ،وسع الله عليه سائر سنته فصوموه، فإنه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم، وهو اليوم الذي رفع الله فيه إدريس مكانا عليا، وهو اليوم الذي نجَّى فيه إبراهيم من النار، وهو اليوم الذي أخرج فيه نوحا من السفينة، وهو اليوم الذي أنزل الله فيه التوراة على موسى، وفيه فدى الله إسماعيل من الذبح، وهو اليوم الذي أخرج الله يوسف من السجن، وهو اليوم الذي رد الله على يعقوب بصره، وهو اليوم الذي كشف الله فيه عن أيوب البلاء، وهو اليوم الذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت، وهو اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل، وهو اليوم الذي غفر الله لمحمد ذنبه ما تقدم وما تأخر، وفي هذا اليوم عبر موسى البحر، وفي هذا اليوم أنزل الله تعالى التوبة على قوم يونس)(7)

ثم كيف يمكن لعاقل أن يقتنع بأن النبي لم يتفطّن لصيام اليهود يوم عاشوراء إلّا في السنة التي توفّي فيها، عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صام يوم عاشوراء، وأمر بصيامه قال له بعض الصحابة: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إذا كان العام المقبل صمنا اليوم التاسع قبله. أي مخالفة لليهود، فلم يأت العام المقبل حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم (8)

وأخيرا كيف يتّفق حساب السنة عند اليهود وهي سنة شمسية وأشهرها غير الشهر العربية، مع حسابنا للسنة القمرية بأشهرها المختلفة عن المسميات اليهودية؟ وعلى ذلك أقول إنّ روايات صوم عاشوراء وما تضمنته من كرامات نجاة انبياء هي من وضع الأمويين من أجل طمس جريمتهم النكراء بحق الإمام الحسين وأهل بيته عليهم السلام، لتحويل ذلك اليوم من يوم مصيبة وحزن وتذكّر، لأفظع جرائم بني أمية بحق صفوة الله، إلى يوم فرح وسرور وبركة، مع كل هذه الدلائل بدأ من اضطراب الروايات، وعدم اجماعها على حقيقة عاشوراء، يبقى الثابت عندنا أنها في اليوم العاشر من المحرّم من سنة 61 هجرية، تجاهل الأمويون وأتباعهم قيمة الإمام الحسين عليه السلام، فتجرّؤوا عليه وانتهكوا حرمته، وسفكوا دمه ودماء من معه من أهل بيته وأصحابه، خلافا لما أمروا به من مودّته، وهذا الحدث التاريخي ثابت بإجماع المؤرخين، وهو علم دراية لا يتطرق إليه شك، ويسقط ما دونه من تزاوير الكذّابين، بينما يكون ما سقناه من روايات متناقضة، ومختلفة في تحديد هوية عاشوراء، إلى من تنتمي أإلى عرب الجاهلية؟ أم إلى كونه يوم تُستر فيه الكعبة ويلعب فيه السودان؟ أم يوم تصومه اليهود تبركا بنجاتهم ونبيهم من فرعون؟ أم يوم نجى الله فيه عشرة أنبياء؟ ثم كيف يتّفق هذا مع أنه يوم حزن فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، منذ أن أخبره أمين الوحي جبرائيل، بأن أمّته ستقتل ابنه الحسين عليه السلام، وبكى لسماع الخبر الغيبي(9)، واعتقد أنه تكرر منه ذلك كلما رآه أمامه وما أكثر رؤيته له؟

فكيف تتواطأ الأمّة على تجاهل مصيبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام، وقد أُمِرُوا بمودتهم، وتتمسّك بروايات لم تتفق على أمر جامع بينها في عاشوراء؟ إن هي إلا قسمة ضيزى(10).

المصادر

1 – ضعفه النسائي، وأبو حاتم الرازي، وابن معين، وابن حجر وغيرهم /تقريب التهذيب ابن حجر العسقلاني ج1 ص344

2 – وقال ابن حجر: ضعيف في الحديث عمدة في التاريخ / وثّقه الذهبي بقوله كان إخباريا عارفا ميزان الإعتدال الذهبي ج2ص255

3 –  وعاظ السلاطين الدكتور علي الوردي ص 272/274// الصلة بين التصوف والتشيع الدكتور مصطفى كامل الشيبي ص41

4 – تتمثل عقيدة الإرجاء في ايمان الشخص بالإسلام وإن لم يعمل بأركانه، وظهر منه ما ظهر من فسوق واجرام.

5 – جامع أحاديث البخاري كتاب الصوم باب صيام عاشوراء ج3ص44ح2004

6 – مسند أحمد بن حنبل مسند عائشة ج 42ص175 ح25294

7 – أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات، وقال: هذا حديث لا يشك عاقل في وضعه، ولقد أبدع من وضعه وكشف القناع ولم يستحي، ولو ناقشناه على شيء بعد شيء لطال، وما أظنه إلا دس في أحاديث الثقات، وكان مع الذي رواه نوع تغفل، ولا أحسب ذلك إلا في المتأخرين.
الموضوعات ابن الجوزي ج2ص201

8 – السيرة الحلبية  برهان الدين الحلبي ج2ص260

9 – إتحاف الخيرة المهرة البوصيري / مقتل الحسين الخوارزمي الفصل الثامن ج1ص159

10 – قسمة ضيزى: جائرة ظالمة

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023