ليس أمام أمريكا من طريق لا يكلف ميزانيتها الخارجية كثيرا، سوى مواصلة مخططاتها في نشر الفوضى، والتحريض على الإضطرابات داخل إيران، والدول التي تعتبرها خارجة عن طوعها، وتعمل على إعادتها إلى الزمن الذي تعتبره جميلا ومرْضِيّا لها، حيث كانت مخابراتها وعملاؤها يملأون العاصمة طهران، ويتصرّفون فيها كمالكين، يفعلون ما يحلو لهم بلا حساب ولا عقاب.
أسلوب تحريك الشارع الإيراني كل مرّة، واستغلال أيّ فرصة تتاح فيه، سواء كانت حقيقية أم مفتعلة، عمل استخباري درجت عليه المخابرات المركزية الأمريكية، ولها في هذا المجال سجلّ حافل وخبرات عشرات السنين، نفذت خلالها مئات العمليات بأحداثها الدامية، والتي تنتهي في غالبها بانقلابات مدنية أو عسكرية، أسقطت بواسطتها دولا لم تكن راضية عنها، وفي أمريكا اللاتينية أمثلة عديدة، شاهدة على تلك الممارسات الخطيرة، ونجاحها هناك كان ظرفيا، مرتبطا بمدى وعي شعوب المنطقة، وحسن قراءتها للأحداث، وسرعة عودتها إلى الجادّة، بعد اكتشاف خيوط المؤامرة.
أمّا في إيران، فإنّ الوضع مختلف تماما، بسبب نضج الشعب، ومعرفته الكبيرة بأعدائه قبل أصدقائه، فقد استوعب الإيرانيون درسا لن ينسوه، تمثل في أسقاط المخابرات المركزية الأمريكية بالتعاون مع البريطانية، حكومة الدكتور مصدق سنة 1953 (1)، بعد أن هرب الشاه خارج البلاد، وكاد الشعب يستريح من عمالته وظلمه، ليعود إلى الحكم مجددا بفضل أسياده.
لذلك لم يتوانى الإمام الخميني( رض) بعد انتصار ثورة شعبه، رغم المؤامرات الخطيرة المُحاكة ضدّها، عن دعوته إلى البراءة من أمريكا والصهيونية، كأساسين من أسس الفساد والاستكبار في العالم، وأعلن معاداة كل ما يتّصل بهما، من سياسات عالمية متحالفة أو متواطئة معهم، ومن خلال بقايا العملاء داخل ايران، تحرّكت أمريكا وحلفائها بالتمويل والتحريض، مستغلين مناسبات وأحداث، عساهم بذلك ينجحون، في تأليب فئات من الشعب، معارضة لنظام الحكم الإسلامي.
ففي سنة 2009 ، واثر إعلان نتائج الإنتخابات الرئاسية الإيرانية(2)، التي فاز فيها ( محمود أحمدي نجاد) وقعت احتجاجات في طهران وعدد من المدن، أطلقت عليها الدعاية الغربية عنوان (الثورة الخضراء)، تبيّن من خلال التحقيقات مع من ألقي القبض عليهم، ومن بينهم أجانب بريطانيين تحديدا، أنّ الهدف من ذلك إسقاط مصداقية النظام الإسلامي، تمهيدا لانتزاع شعبيته بالتشكيك فيه، وسرعان ما عادت الأوضاع على ما كانت عليه من هدوء تام، خصوصا بعد خروج الثقل الشعبي المليوني دعما ومناصرة للنظام الاسلامي، وقد خاب الغرب في المقابل بدعاياته المضللة.
وفي سنة 2017 وقع استغلال الأوضاع الاقتصادية داخل إيران، لتنظم احتجاجات في مشهد، (شارك فيها المئات، للتنديد بتفشي البطالة وارتفاع الأسعار، بحسب ما أفاد مسؤول إيراني، أوقفت السلطات 52 شخصا بتهمة إطلاق “شعارات تحريضية” خلال مشاركتهم في المظاهرات، وتظاهر مئات الإيرانيين في مشهد (شمال شرق إيران)، رافعين شعارات استهدفت بشكل مباشر حكومة الرئيس (حسن روحاني)، متهمة إيّاه بالفشل في معالجة عدد من الأزمات الاقتصادية.
وأورد (حسين حيدري) رئيس محكمة مشهد الثورية، أن السلطات أوقفت هؤلاء بسبب إطلاقهم “شعارات لاذعة”، بحسب ما نقلت عنه وكالة أنباء فارس. وقال حيدري “نعتبر التظاهر أحد حقوق الشعب، لكن إذا أراد بعض الناس استغلال المشاعر فلن ننتظر وسنواجههم”.
من جهته، قال نائب الرئيس الإيراني (إسحاق جهانغيري) كما نقل عنه التلفزيون الرسمي إن “بعض الحوادث التي وقعت في البلاد، حصلت بذريعة مشاكل اقتصادية، ولكن يبدو أن ثمة أمرا آخر خلفها”، مؤكدا أنه ينبغي كشف هويات المسؤولين عما حصل”.وأضاف “أنا واثق بأن ذلك سيرتدّ عليهم”.)(3)
ورغم الضعف الحاصل في عملاء أمريكا والغرب وتآكلهم داخل إيران، فقد بقيت أمريكا وحلفائها متمسكين بأسلوبهم الفاشل في الإثارة والتحريض، واستغلال كل فرصة تتاح لهم، لضرب استقرار وأمن النظام الإسلامي الفتيّ، سواء نجحوا في ذلك أم لم ينجحوا، المهمّ عندهم هو اظهاره في مظهر المشتبه فيه حقوقيا، كمقدّمة لتوجيه الإتهام له بانتهاك حقوق الإنسان داخل إيران، وقد تكرّرت من هذه الإدعاءات الكاذبة من أمريكا، خلال تقاريرها السنوية الملفّقة، ولو أن أمريكا عكفت على إصلاح سياساتها الداخلية في التمييز العنصري، وقتل الملوّنين من طرف الشرطة الفيدرالية الأمريكية، لأتفه الأسباب وبدم بارد، لكان أجدى وانفع للأمريكيين ادارة وشعبا.
وجاءت فرصة موت (مهسا أميني) بسكتة قلبية، ليقع حرف حقيقة موتها بمركز شرطة، رغم وجود كاميرات مراقبة وضَحت أنها سقطت في قاعة الإنتظار دون أن يلمسها أحد، وأخذت بسيارة اسعاف إلى المشفى، لكنها ماتت بعد ثلاثة أيام في العناية المركزة، لعلها إرادة الله في أن يعجّل بموتها بسبب مواقفها المتطرفة ضد الاسلام والقرآن الكريم، مع أنّ استدعاءها من طرف شرطة الآداب، كان من أجل لباسها الغير متقيّد بالقانون الإسلامي، في الستر بالنسبة للنساء، وهو قانون مطبّق بحزم في إيران فلا مجال للتهاون فيه، إلا بمقدار لا يؤثر على المظهر العام للبلاد، من حيث العفة والانضباط النسوي بالشوارع.
إن آخر من يحقّ له الحديث والدفاع عن حقوق الإنسان، هم دول الغرب الإستعمارية وعلى رأسهم امريكا، فما ارتكبوه من جرائم ترويع وقتل وامتهان للإنسان في البلدان التي غزوها واحتلوها، وفعلوا فيها ما بدا لهم من انتهاكات حقوقية، تجاوزت بكثير صفة جرائم حرب، يعاقب عليها القانون الدولي، ومع ذلك لم يصدر منهم أدنى اعتراف بها واعتذار لضحاياها، فكيف لا تخجل أمريكا وحلفائها مما فعلوه سابقا، ويظهرون اليوم في منظمة دولية مختصة بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، كرعاة ومدافعين عن حقوق هم أول من بادروا لإنتهاكها، استضعافا واحتقارا لمن تسلطت عليه جيوشهم من شعوب العالم المغلوبة على أمرها، فعلى أمريكا أن تخجل مما ارتكبته من جنايات بحق شعوب عديدة كفيتنام وكمبوديا وكوريا وافغانستان والعراق وإيران، قبل أن تمدّ عنق سياساتها كراعية لحقوق الإنسان، ومقيّمة لأدائه في دول العالم.
هذا وقد ألقت الشرطة الايرانية القبض على رعايا أجانب في هذه الاضطرابات الأخيرة، أعلن محافظ العاصمة الإيرانية طهران، محسن منصوري، عن وجود رعايا أجانب بين المعتقلين الليلة الماضية فيما يتعلق بالاحتجاجات الأخيرة. وعلى حسابه في “تويتر”، قال محسن منصوري: “بحسب التقرير الدقيق للأجهزة المعنية في قضايا طهران الأخيرة، يمكن رؤية آثار تدخل بعض السفارات وأجهزة التجسس الأجنبية بوضوح”. وأضاف: “تم القبض على رعايا 3 دول أجنبية خلال اعتقالات الاحتجاجات في طهران الليلة الماضية”(4)
ويوم أمس شهدت العديد من المدن الإيرانية تظاهرات وتجمعات احتجاجية، ونظم أهالي مدينة مشهد، مسيرة احتجاجية ضد المشاغبين على شكل مجموعات دينية على خلفية أحداث تدنيس الأماكن المقدسة والإعتداء على مواكب العزاء، واستشهاد أحد الناشطين الثقافيين والثوريين في مدينة مشهد، إلى ذلك شهدت مدينة (همدان) مسيرة احتجاج، للتنديد بممارسات مثيري الشغب مؤخرا في تدنيس المقامات، وردد المتظاهرون هتافات ضد مثيري الشغب والفتنة، مؤكدين دعمهم للثورة الإسلامية، ومعربين عن تقديرهم لجهود الأجهزة الأمنية لمواجهة أعمال الشغب.(5)
أمّا الادعاءات الكاذبة وتهويل مجريات الأمور بشأن هذه الأحداث، فليس بمقدورها أن تغير من الواقع شيئا، فلا تضخيم عدد ضحايا الإنفلات الأمني المتعمد من طرف أعداء النظام الاسلامي سيكون له أثر في أوساط الشعب الإيراني الملتزم بمبادئ ثورته ودينه، لن يتغير وضع قانون الحجاب ولو تحالف العالم كله ضده، فلتحرق من تحرق حجابها(5) فلن يكون بمقدورها الخروج بدون حجاب، الا أن تعود لشراء غيره، ولا أمل من أن يُلْغي النظام الإسلامي حكما إلهيّا، من أجل إرضاء الدول الغربية، لفسح المجال لتفشي الفسق والفساد في الأرض، الشرطة الإيرانية لم تطلق النار على المحتجين، والضحايا الذين سقطوا من تدبير عملاء الدول المحرضة، مبلغ يأس أمريكا والغرب من تغيير الوضاع في إيران بلغ أوجَهُ، هذا عصر عودة الإسلام كما يجب، ولن تعود عجلة الزمن إلى الوراء، هذا قرار شعب أخبر النبي (ص) عنه بأنّه عصيّ على التراجع.
المراجع
1 – محمد مصدّق
2 – احتجاجات إيران.. بين عامي 2009 و2017 ما الذي تغير؟
https://arabic.euronews.com/2018/01/02/iran-protest-2009-and-2017
3 – احتجاجات في مدينة مشهد الإيرانية تنديدا بالبطالة وارتفاع الأسعار
https://www.france24.com/ar/20171229-
4 – محافظ طهران: القبض على رعايا 3 دول أجنبية في احتجاجات طهران
https://arabic.rt.com/tags/Iran_protests/
5 – مهسا أميني: إيرانيات يشعلن النار في أغطية رؤوسهن أثناء الاحتجاجات ضد فرض الحجاب
https://www.bbc.com/arabic/middleeast-62964079