حاسبوا المسؤولين ففي محاسبتهم ردع لهم عن استعمال وظائفهم الحكومية سبيلا لقضاء مآربهم ومطيّة هوى يركبونها لارتكاب أي تجاوز يسيء للبلاد.
مثّلوا على شعبنا أدوار المنقذ والوطني والنّاصح، لكنهم في كل مرة كانوا يفضحون أنفسهم، فتتعرى بها ظواهرهم وما يستبطنون، مما يجبر الناقدين لهم على القول، وهم في حيرة من أمر هؤلاء المسؤولين، الذين تقدموا للشعب على أساس أنهم خدام ناصحون مصلحون، وصفة الخدام يتنفر منها أغلب هؤلاء، لانهم يعتقدون في قرارة أنفسهم، أنهم الثلة الرفيعة، والطبقة السياسية العالية، ذات الفكر الثاقب، التي تمتلك الحق وحدها في قيادة البلاد، ولا يسألون عما يفعلون، وهم في موقع القرار والسلطة بين أيديهم، مع أن الحديث الذي جاءت فيه صفة الخادم، له مدلول عميق، معبر عن رفعة تلك الوظيفة ( سيّد القوم خادمهم) (1)، نصبوا أنفسهم اوصياء عليه، والعيب كل العيب على من اختارهم، سواء كان مخدوعا بمظاهرهم، أو مؤمنا بتوجّهاتهم الغربيّة، ومع ذلك سمح لهم بتنسّم موقع القيادة في البلاد.
وبعد هل هؤلاء المسؤولين أحرار في قراراتهم، فلا حسيب ولا رقيب عليهم؟ وما هي أهدافهم من وراء ما يقومون به من أعمال، مناقضة لقيمنا كأنهم أعداؤها، ومحاولات سلبها هويتها الإسلامية أصبحت واضحة وبادية للعيان؟ حيث نراهم لم يحققوا هدفا واحدا معلنا ضمن طموحات الشعب وفي سلم أولوياته، وكل ما قاموا به ما ظهر منه وما خفي، يعتبر تحدّيا للشعب وضربا لمبادئه.
ومن وزارة التربية التي إعتلّت مناهجها، فلم تنفع في تطوير المستوى التعليمي للأجيال الحالية، وبالتّالي نزل مستوى التعليم العام إلى درجة تدعو للقلق، على مصير شباب، أصبح في أبسط البلاوى، لا يحسن الكتابة ولا التعبير بلغته الأمّ، فضلا عن اللغتين الفرنسية والإنقليزية، وبهذه المناسبة أقول ما الذي بقي يربطنا باللغة الفرنسية، سوى ذكرى استعمارية سيئة، فلماذا نُصِرُّ على بقائها في مناهجنا التعليمية كلغة ثانية، مع أن الإنقليزية هي لغة العلم والتكنولوجيا الأولى في العالم، وأن دولا أفريقية ستستبدل اللغة الفرنسية، كلغة تعليمية أولى في بلدانها، وبالتالي أنهت عقودا من التبعية الثقافية إلى تاريخها الإستعماري، أليست هذه هي إحدى عقليات التبعية المريضة، لدولة مستعمرة – آذت شعبنا، وفوق ذلك تستكبر حتى على مجرد إعتذار- بقيت مسيطرة على عقول حكامنا؟ فمتى نتحرر منها وهي سبب رئيسي في بقائنا تحت صفر الإقلاع العلمي والثقافي، وتحت رحمة التبعية الفرنكفونية؟
وزارة الثقافة بدورها، هي وزارة كل شيء تقريبا إلا الثقافة، وقد أثبتت ذلك مرارا وتكرارا، ولا حياة لمن تنادي، وقد جاء تكريمها لامرأة شاذة عن الثقافة، وقيم ومبادئ وتقاليد بلادنا الاسلامية الأصيلة – ولا عزاء للمتفرنسين- دليلا على غربتها عن الثقافة، وميلها المخالف لها، فهي بهذا التكريم الذي لا علاقة له بالثقافة مطلقا، أثبتت أنها وزارة تشجيع على الإنحراف، والخروج على كل سلوك أصيل عندنا، إلى الإستهتار به، والدوس عليه بالكعب الغربي، الواطي في الحقارة والإنحراف والشذوذ تحت مسمى الحرّية، والإستخفاف بأصالتنا العربية الإسلامية.
أثار تكريم المدونة التونسية (ليدي سمارا)، في معرض الكتاب بالعاصمة تونس جدلا واسعا، وتساؤلات حول الأسباب التي جعلت إدارة المعرض تكرم المدونة، التي اشتهرت في تونس بلباسها الجريء، وتقديمها نصائح حول اللباس والإثارة والجنس قد استنكر نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي تكريم (ليدي سمارا)، وهاجموا المسؤولين عن معرض الكتاب، متسائلين عن علاقة هذه المدونة بالكتاب.(2)
التدوين على مواقع التواصل الإجتماعي لا يجب أن يكون عبثيا، كما يتعاطى معه أكثر الناس، بل هو مسؤولية قانونية، وشرعية إسلامية، وأخلاقية إنسانية، فمن أعطاها حقها تحت ظل هذه الأحكام وشروطها، فقد وُفّق إلى خير كثير، ونال منزلة الآمر بالمعروف والنّاهي عن المنكر، ودعا إلى ترسيخ قيمنا الأصيلة في المجتمع، وعمل على توعية الناس وتثبيتهم على آدابهم، التي من دونها لا يساوون شيئا، بل ينحدرون بتركها من منزلة الإنسان إلى الحيوان، وعوض أن يرتقي أفراد المجتمع في مصاف الفضيلة، يسقطون في مستنقع الرذيلة، ومن عباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا، يتحولون إلى أتباع الشيطان ودعوته الفاسدة.
لذلك أقول إننا كمثقفين حقيقيين يدعون الى الاصلاح، تقع علينا مسؤولية الوقوف في وجه الانحرافات في صلب مجتمعنا، والدّعوة الى اصلاحها لكي لا تستفحل فيه ظاهرة المروق عن قيمنا، والخروج عن آدابنا، فإنّما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.(3)
المراجع
1 – كنز العمال المتقي الهندي ح 17517/ المواهب اللدنية القسطلاني وشرح الزرقاني ج4ص117/
2 – اشتهرت بتقديم النصائح “الجنسية”.. تكريم ليدي سمارا يثير جدلا واسعا في تونس
https://www.eremnews.com/entertainment/arts-celebrities/2313805
3 – بيت شعر لأمير الشعراء أحمد شوقي المصري