منذ وقت قريب، كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يقف موقف المتفرج، أمام تفشي فايروس كورونا في مدينة ووهان الصينية، كأنما لسان حاله يقول، هذه فرصة لضرب اقتصاد التنين الأصفر، الذي أصبح يهدد بجدّية الإقتصاد الأمريكي، بتحويله الى تابع لا حول له، أمام دولة استمالت اليها استثمارات هامة، من مختلف بلدان العالم، وفتحت أبواب انتقال الصناعات العالمية الهامّة اليها، على اساس انخفاض تكلفة الانتاج فيها.
ولا أشك في ان انتقال الفايروس الى ايران، كان محل غبطة وشماتة من طرف الادارة الامريكية، استهداف غير طبيعي ولا يبدو الا خطة لضرب البلدين، والاصرار الامريكي على تلقيبه صينيا، ليس من باب أن مبدأ تفشيها كان من الصين، وإنما تغطية على احتمال أن يكون الفايروس مسرّب مخبريا، كسلاح بيولوجي موجّه ضد الصين وايران.
لكن انتشار الفايروس في جميع دول العالم – بتفاوت في نسب اصاباته – بما فيها أمريكا، التي اصبحت متصدّرة قائمة الدول الأكثر عدوى، حوّل الادارة الامريكية من موقف المتفرّج الشامت، الى حالة اخرى أكثر عدوانية، حيث أظهرت تصرفاتها الغير انسانية، أنانية بالغة في التعامل السّلبي، في مواجهة هذه الجائحة، وقد جاء القرار ترامب بخفض المساعدات، التي عادة ما تقدمها امريكا الى المنظمات العالمية، ومنها منظمة الصحة العلمية، والتي هددها بقطع مساهمة بلاده كاملة عنها، حتى الدول المصنفة صديقة أو حليفة لأمريكا لم يكن حظها أوفر من خفض وحتى قطع المساعدات عنها.
لقد بدت مواقف الادارة الامريكية في مواجهة كورونا أنانية الى أبعد حد، فقد ذكرت صحيفة (فايننشال تايمز Financial Times الأميركية) في الثالث من افريل الحالي، أنّ الادارة الأمريكية طلبت من شركة (ثري أم 3M الأميركية)، التي تنتج أقنعة وأجهزة تنفس اصطناعي، إرسال 10 ملايين قناع من نوع ( أن 95 (N95/، يتم إنتاجها في سنغافورة، مخصصة لأسواق في آسيا، إلى الولايات المتحدة، فيما يعدّ قرصنة تجارية وقحة، وقد ذكرت صحيفة (الغارديان The Guardiaالبريطانية)، أنّ الشركة صرحت بأنّ إدارة ترامب طلبت منها أيضا، الامتناع عن تصدير الأقنعة التي تصنعها إلى كندا وأميركا اللاتينية، وقال الرئيس التنفيذي للشركة الأميركية (مايك رومان Mike Roman)، إنّ عدم تصدير تلك المعدات، ستكون له تداعيات إنسانية كبيرة، بحكم أنّ الشركة هي مورد رئيسي لتلك الدول.
وتعقيبا على الطلب الذي فرضته الادارة الامريكية، على شركة (ثري أم 3M الأميركية) المنتصبة بسنغفورة، صرّح رئيس الوزراء الكندي (جاستن ترودو Justin Trudeau)، بأنه قرار خاطئ، ودعا من جهته الى تعاون دولي مسؤول في مواجهة الوباء، مذكّرا أن أمريكا بدورها تستورد معدات طبيّة من كندا، ولا يمكن لبلاده أن تنتهج نفس اسلوب التعامل الغير انساني الذي اصبح شعار أمريكا منذ مدّة.
هل يمكن ان نقول والحال هذه، أن الادارة الامريكية تمتلك ذرة من الانسانية، بعد سلسلة الاجراءات التعسفية الظالمة التي فرضتها عالميا، وتسببت في ضرر فادح أصاب أنظمة وشعوب لا تزال ترزح تحت طائلة العقوبات الأحادية الجانب – في هذا الظرف الاستثنائي الحسّاس الذي أصبح يهدد العالم بأسره – مثل ايران منذ ما يزيد عن 40 عاما، ودول أخرى أقدم منها مثل كوبا، ذنبهما الوحيد انهما رفضتا الهيمنة الأمريكية على بلديهما، وحققتا بثورتيهما الشعبيتين، خلاصا من النفوذ الأمريكي على مقدّرات بلديتهما، بسقوط نظامين فاسدين،( باتيستا Batista وبهلوي) كان يشهد لهما بتبعية وعمالة كاملتين لأمريكا.
ما زاد على خبث السياسة الشيطانية الأمريكية، هذا الحمق المتزايد للرئيس الامريكي، الذي وجد في وزير خارجيته (بامبيو Pompeo) خير مثال لتطابق أفكاره المتطرفة، ففي حين دخلت الصين في حملة واسعة، وجنّدت قسما هاما من طاقاتها، لتقديم يد المساعدة للدول المتضررة بكورونا، دون حسابات سياسية أو اقتصادية، لم تستوعب الإدارة الأمريكية إلى حد الساعة العبرة والدرس، مما أصبحت تعاني منه، من انتشار لافت وخطير للفايروس، متعالية مستكبرة غير عابئة بما يحدث في بلادها، منفردة في مواقفها وقرارتها، منعزلة عن الدخول فيما يعزز فرص احتواء الوباء عالميا، كأنها بمنأى عن نتائج انتشاره الكارثية، على الرغم من أنّ أمريكا بلغت وحدها في تعداد المصابين، ثلث الاحصائية العالمية.
بلا أدنى شك، فإن السياسة الأمريكية المنتهجة في عهد الرئيس ترامب، ظهرت أكثر تطرّفا وصهينة من السياسات السابقة، فمقاليد القيادة الفعلية وقرارتها، هي بيد اللوبي الصهيوني الحاكم في أمريكا، تعطينا فكرة واضحة، على نزوع كبير الى تلبية رغبات الكيان الصهيوني، في اتخاذ أمريكا أداة قوية، لتنفيذ أهدافه في الهيمنة على العالم.
كورونا حلّت متأخرة ضيفة على أمريكا، لكنها بدت أكثر جشعا منها في بقية دول العالم، فهل هي عقوبة فعلا، أم هي دور تآمري جديد تقوم به؟ ولا يهمّ ان كان الشعب الامريكي ضحية ذلك، ضيافة كورونا تبدو غريبة، فنتائجها على نظام الشيطنة مفاجئة، رغم توفر الامكانات، كيف تمّ ذلك؟ والى اين تسير الأمور؟ أسئلة ستكشفها الأيام والاسابيع القادمة، فلا شيء يمكن إخفاءه طويلا، في عالم المؤامرات الدّولية، وصراع الاقتصاديات المتنافسة، وجشع رؤوس الاموال، على حساب الانسان وبيئته المهددة تماما.