عندما يصبح تطبيع حكام العرب مع الصهاينة سيادة وطنية!!؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

عندما يصبح تطبيع حكام العرب مع الصهاينة سيادة وطنية!!؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

لا أعتقد أن من دعا الى تحرير فلسطين، كان غافلا عما يستوجبه ذلك، من أعداد لعدّة مواجهة غاصبيها، واخراجهم من أرضها غصبا، كما احتلوها أول مرّة، والكيان الصهيوني ليس بمفرده في هذا الانتهاك الصارخ بحق الشعب الفلسطيني، حتى يكون الحساب خاصا ومتعلقا به، وانما وجوده وتثبيته كان بمخطط غربي بدأه الانكليز واستلمه الامريكان، وهما معا معدودان سندا قويا له في اعتداءاته المتكررة، ويرونها دفاعا شرعنوه، له ليزداد تسلطا وطغيانا.

ومن دعا الى تحرير فلسطين، لا بد أن يكون قد أخذ بعين الاعتبار ما يجب عليه فعله ليصل الى مبتغاه ويحقق مراده، في استعادة الحق الفلسطيني في العيش على ارضه، بكامل سيادته وحقوقه عليها، دون مساومة أو مقاسمة، وما أخذ بالقوة لا يمكن ان يسترد بغير القوة، وما دون ذلك من مفاوضات وتسويات، ما هي الا تنازلات غبيّة، لمن نصبوا أنفسهم ناطقين باسم فلسطين، قد لعبت بهم الدول الغربية، فاستجابوا لها بعد أن صدقوا وعودها، لكنهم وبعد سلسة طويلة من المفاوضات، وجدوا أنفسهم قد عادوا فارغي الوفاض، فلا أرض عادت الى شعبهم، ولا أمل ظهر لهم من وراء ذلك، بل إن الواقع اليوم يؤكّد، على أن بقاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، سيتوّجه حكام عرب بالتطبيع والمباركة والتعاون، ليس لأجل فلسطين أو العرب أنفسهم، وإنما لأجل مواجهة ايران الاسلامية، فمنطق حكام الخليج هذه السنوات، حوّل الشقيق في الاسلام، والمأمون جانبه الى عدوّ، والعدوّ الحقيقي الى صديق وحليف، خلافا لأحكام القران الكريم، في اعتبار اليهود أعداء الاسلام والمسلمين: ( إنّ أشد الناس عداوة للدين آمنوا اليهود والذين اشركوا) (سورة المائدة الآية 82) بل إن الله قد نهى في كتابه اتخاذ اليهود والنصارى أولياء، وتوعد من يتولاهم: ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء يعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)) (سورة المائدة الآية 51)

وفيما نرى هرولة حكام العرب وراء اليهود والنصارى، واتصالاتهم السرّية والعلنية قد أخذت منحى تصاعديا، بحيث وصلوا الى حد، لم يعد يعورهم اظهار المودّة لهم والتوافق معهم، ضاربين عرض الحائط بأحكام الله أوامر ونواهي، مخالفين لكتابه الذي كشف لنا سرائرهم ((ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم قل هدى الله هو الهدى ولئن اتّبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير)) (سورة البقرة الآية 120)

وفيما ظهرت بيننا فئات من الناس، استدرجتهم الدنيا فوقعوا في شراك تأثيرها في الوطن العربي، دعت بكل وقاحة الى عودة الاحتلال الفرنسي الى لبنان، ولا أشك أن أيتام الاستعمار في أغلب البلاد العربية يحنّون الى ذلك، ويرجون حصوله، وهذه الظاهرة ليست متوقفة على لبنان وحده، كذلك مسألة الرضا ببقاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، يعتبرها فلسطينيو السّلطة لازمة، لدوام رغد واستقرار عيشهم، فهم لا يختلفون في شيء مع الصهاينة فكرا وطباعا.

تبدو الامارات أو نظام بن زايد ظاهرا، في وضع متقدم على طريق التطبيع مع الكيان الصهيوني، لكنه في الواقع توجد حاضنة للتطبيع أكثر تقدما منها، ولأجل استكمال دورته التي حركها الغرب وقع تأخيرها عن إعلان ذلك، كالكلبة التي ولدت جراء عديدة، ولا بد لها أن ارضاعهم ليقووا على ما ورثوه من طباعها.

هذه الحاضنة قامت برعاية بريطانية، وجاءت أمريكا بعد ذلك لتتشطر ضرعيها معها، وهي تماما كما وصفها الرئيس الامريكي ترامب، وأعاد تكرار وصفه بأنها بقرة حلوب، سيستغلها طالما تدرّ عليه حليبا، وهي لعمري إهانة فظيعة، لم يقدر بن سلمان ولا أبوه على الردّ عليها أو التنديد بها، فما عرف عن حكام العرب أنهم أعداء فقط لشعوبهم، وليس عندهم عدوّ آخر ليتعاملوا معه على ذلك الأساس.

النظام السعودي سيختتم مهرجان التطبيع مع الكيان الصهيوني، عندما تستكمل الدول الاعضاء في مجلس التعاون الخليجي دخولها في خيمة التطبيع – فقد دخلت فيها لحد الآن البحرين وسلطنة عمان- وقد يؤخّر ذلك من أجل استدراج المزيد من الدول خارجه، كموريتانيا التي جمّدت علاقاتها بالكيان الصهيوني سنة 2009 (1)، عادت في بيان وزارة خارجيتها الأخير، بخصوص الخطوات التطبيعية التي أقدم عليها نظام بن زايد، لتبرر ذلك بالقول: “دولة الإمارات العربية المتحدة تمتلك السيادة المطلقة، والاستقلالية الكاملة في تسيير علاقاتها، وتقدير مواقفها وفق مصالحها الوطنية، ومصالح العرب والمسلمين وقضاياهم العادلة”.(2)

كأنما مصالح العرب والمسلمين متوقفة فقط، على مدّ اليد الى كيان غاصب، ثبّتته القوى الغربية الاستعمارية، على أرض فلسطين، على حساب القيم والمبادئ الاسلامية، ومبادلته آماله وتحقيق طموحه الخبيث في المنطقة، وحتى في بلدانهم وبين شعوبهم، فالتعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية العميلة والكيان الصهيوني، قد أرشد السلطة في موريتانيا النسج على منواله، لبلوغ مقام رضا أمريكا عنها، وهكذا تدار هموم وآمال وقضايا العرب والمسلمين عند هؤلاء.

وفيما يضع النظام الإسلامي في إيران قدراته وطاقاته، من أجل قضية فلسطين، معتبرا إياها قضيته المركزية، مؤسسا بفكر ثورته وجهوده، محور مقاومة الكيان الصهيوني الغاصب، حتى اخراجه من كامل أرض فلسطين، يتهافت الحكام العرب على التطبيع معه، بلا أدنى حرج أو حياء، ويتحول بإغراءات أمريكية من عدوّ الى صديق، وتصبح ايران في مقام العدو بدلا عنه، وهذا من أعجب المواقف التي تساق اليها الشعوب المستحمرة هذه الأيام، وفيما محور المقاومة يستمر في اثبات وجوده، يتقوّى مع مرور الأيام برعاية إيرانية، ليكون الرقم الذي يصعب تجاوزه بأية حال، يستمر استنزاف سياسات العرب، في بيع فلسطين بمقابل زهيد، لا يغني عنهم شيئا من سوء الحال والمصير.

المراجع

1 – هل عاودت موريتانيا التطبيع مع اسرائيل
2 – موريتانيا تعلن دعمها لتطبيع الإمارات مع الاحتلال

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023