اللواء قاسم سليماني قائد عاينه العراقيون عن كثب. شبح أرهق الأميركيين في العراق. أسطورة أفشلت مخطط التقسيم وساهم في كسر المحتل. مجاهد عرفته محافظات العراق من مقاومة الاحتلال إلى هزيمة التكفيريين. أخ خبره القادة العراقيون وأبنٌ تعرفت عليه المرجعيات الدينية، عظيمٌ كما وصفه المرجع الديني الأعلى في العراق سماحة السيد علي السيستاني، وولائي في الدفاع عن المقامات الدينية الشامخة لائمة المسلمين من النجف إلى كربلاء فبغداد.
تحل الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد قائد فيلق القدس في حرس الثورة الإسلامية الإيرانية اللواء قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الحاج أبو مهدي المهندس، حاملة معها متغيرات عديدة وهامة على الصعيدين الإقليمي والدولي، كان العراق أحد أبرز هذه المتغيرات، حيث تحول إلى بلد عصي على التطويع بأداة الهيمنة الأميركية.
لم يكن عمل الحاج قاسم سليماني مرتكزًا في تحفيز الروح القتالية لدى المقاومة العراقية للاحتلال الأميركي على إذكاء النعرات الطائفية أو المذهبية، بل كان قائمًا على رسم مشروع استراتيجي يتمثل في مواجهة المشروع الأميركي في المنطقة.
إن الهدف الكبير الذي سعى إليه الشهيد القائد هو عدم تسجيل غياب المقاومة في مرحلة سقوط نظام صدام بيد الأمريكي. وكانت أهم حقيقة عمل على إثباتها أن الأميركي لم يأتِ لإسقاط نظام دكتاتوري فحسب؛ بل إنه جاء كمعتدٍ لسرقة العراق ونهب ثرواته معتمدًا على ذرائع الأسلحة الكيماوية والبروباغندا الأميركية المتبعة في حالات مشابهة.
نقل الخبرة العسكرية إلى العراقيين
منذ أن تم تعيين الحاج قاسم قائدًا لفيلق القدس في الحرس الثوري في 1998، وكان العراق واحدًا من الملفات التي تولاها. وعليه، فإنه قد واكب العراقيين منذ الغزو الأميركي للبلاد من خلال فيلق بدر، “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق”، كما تذكر دراسة لمركز الاتحاد الإعلامي. كان ذلك بالتعاون مع رفيق الجهاد الشهيد أبو مهدي المهندس. وقد تم دعم وتدريب جبهات المقاومة العراقية، ومنها كتائب حزب الله في العراق، كتائب الامام علي “ع”، عصائب أهل الحق، فصائل سيد الشهداء.
نقل الحاج سليماني الخبرة العسكرية إلى العراقيين الذين انضموا إلى صفوف المقاومة، ودرّب المجاهدين ورعى قيادات عسكرية عراقية لقيادة صفوف مجاهديها.
لم يكن الحاج قاسم يفرّق بين المسلمين من كافة مذاهبهم حيث كان يعتبر أنّه يجب تقديم الدعم لهم في مواجهة الأعداء والظالمين، وهذا ما كان يقوم به أيضاً من خلال دعم القضية الفلسطينية.
ثمرة علاقته التاريخية مع العراقيين
استند الشهيد سليماني إلى علاقته التاريخية مع العراقيين، والعلاقة التاريخية بين البلدين الجارين والتي تم تشويهها وتعكيرها بسبب نظام صدام وحكمه المستبد. وعليه، قام الحاج قاسم بتوحيد الصفوف بين العراقيين فضلاً عن تنظيم الجبهات في مواجهة الاحتلال الأميركي منذ بدايته في عام 2003 وصولاً إلى العام 2011، فيما بعد، نجح في تأسيس الحشد الشعبي العراقي من مختلف أطياف الفئات العراقية والمذاهب والطوائف في سبيل الدفاع عن العراق الوطن في مواجهة أذيال أميركا في المنطقة المتمثلة في الجماعات التكفيرية.
ولم يكن الفريق الشهيد قاسم سليماني قائدًا عسكريًا فقط، بل إنه “على المستوى السياسي، هو من أكبر المحللين السياسيين”، بحسب ما وصفه الأمين العام لحزب الله السيد نصر الله؛ فهو قد كان صاحب فكر سياسي ومبدعا في التحليل السياسي وفي استقرائه للأوضاع وتوقعاته للمستقبل والحلول التي يقدمها.
عن “الشبح” الذي واجه المشروع الأميركي في العراق
لقد كانت شخصية الحاج قاسم في الموضوع السياسي، تضاهي الجانب العسكري أو في الحد الأدنى لا تقل أهمية عن الجانب العسكري، لكن كعقل سياسي وكفهم سياسي، هو انسان استراتيجي، لذلك كان له دور كبير في تقريب الجهات السياسية في العراق، في سبيل تقريب وجهات النظر وتوحيد الصف العراقي نتيجة جهود شخصية للشهيد عبر تعزيز العلاقات مع العراقيين في العملية السياسية، وفيما بعد الاحتلال وبفعل فكر وجهد الفريق الشهيد قاسم سليماني، وقيادته لفيلق القدس، وللعمليات العسكرية الميدانية كان العمل على تقديم الحشد الشعبي كأنموذج لحماية مستقبل العراق.
دور الحاج قاسم بإفشال المشروع الأميركي في العراق بعيون أميركية
تشكل الدراسة التي أعدها الجيش الأميركي (The U.S. Army in the Iraq War — Volume 2: Surge and Withdrawal, 2007-2011) تقييمًا للحرب الأميركية في العراق 2003-2011، وفحصًا عميقًا للأخطاء والمجهود الحربي الأميركي في هذا البلد.
كتب المؤلفون في الفصل الختامي: “في وقت اكتمال هذا المشروع في عام 2018، يبدو أن إيران الشجاعة والتوسعية هي المنتصر الوحيد”.
الدراسة، التي كلف بها رئيس أركان الجيش السابق الجنرال راي أوديرنو في عام 2013 واستمرت تحت قيادة القائد الحالي الجنرال مارك ميلي، تم تأجيل إصدارها منذ عام 2016، عندما تم الانتهاء منها. قال البعض إن ذلك كان بسبب مخاوف من بث “الفضائح” بشأن قرارات اتخذها بعض القادة أثناء النزاع.
وبحسب مؤلفي الدراسة فإن ما حصل في العراق “هو تذكير رصين بأن المزايا التكنولوجية وأسلحة المواجهة وحدها لا يمكن أن تتخذ قرارًا، أن الوعد بحروب قصيرة غالبًا ما يكون بعيد المنال، أن تكون الغايات والطرق والوسائل متوازنة، أن جيشنا يجب أن يفهم نوع الحرب التي نخوضها من أجل التكيف عند الضرورة، أن قرارات الحرب تحدث على الأرض، في الوحل والتراب. وتلك العوامل الخالدة مثل الفاعلية البشرية والفرصة وقناعة العدو، كلها تشكل نتيجة الحرب.”
تتحدث الدراسة عن الفشل والارتباك لدى الجيش الأميركي وقيادته رغم وجود أحدث الأسلحة والآلية العسكرية الضخمة التي تم الاحتلال بواسطتها. كما تتحدث عن عجزهم عن مواجهة المقاومة التي تلقت الدعم اللوجستي والمعنوي والمادي من الشهيد قاسم سليماني. وقد تم ذكر الشهيد، بصفته القائد القوي لفيلق القدس، وبمساعدة نائبه أبو مهدي المهندس. وبحسب الدراسة؛ فإن سليماني ذا النفوذ السياسي يشرف على تنظيم دقيق ومستدام للعملية عبر الحدود.
يقول مسؤولون أمريكيون إن الحرس الثوري بقيادة سليماني قد نقل الى المقاومة تجربة تصنيع واستخدام القنابل المميتة على جوانب الطرق بشكل خاص ضد القوات الأمريكية بعد غزو العراق. وهذا خير دليل على الخطر الذي شكلته جماعات المقاومة في وجه الاحتلال الأميركي، وفعالية تلك العمليات التي تقوم بها، لا سيما الجهود المتفانية التي بذلها الحاج الشهيد قاسم سليماني في سبيل مواجهة المشروع الأميركي المتغطرس.
سليماني في عيون القادة الأميركيين عقب غزو العراق
يقول السفير الأميركي ريان كروكر، إن سليماني كان ذكياً للغاية، أما القائد الأميركي دايفيد بترايوس فيقول إن سليماني أوصل لنا أنه علينا التوصل عبره إلى حل لهجمات المقاومة العراقية في البصرة، ويضيف “لقد كان سليماني أهم خصـم إيراني لنا خلال السنوات الأربع التي قضيتها في العراق، بالتأكيد عندما كنت قائد القيادة المركزية، وكذلك عندما كنت مديرا، أو كان أهم شخصية إيرانية في المنطقة”.
وفي جواب عن سـؤال يتعلق باغتيال القائد سليماني في بغداد يقول ديفيد بترايوس “أظن أن القادة في واشنطن كانوا يسعون إلى إعادة إرساء الردع، الذي تآكل بشكل واضح إلى حد ما”. وتعتبر الأوساط السياسية الامريكية الشهيد القائد رجل إيران في العراق الذي خاض معارك مميتة ضد الولايات المتحدة وقواتها المحتلة.
هكذا نرى أن الحاج قاسـم سليماني كان ولا يزال الحلقة الأصـعب في دائرة الصراع مع العدو الامريكي – الاسرائيلي، وقد شكل دوره أهمية بسبب توجهاته وأفكاره وانجازاته على الأرض وفي مختلف ساحات الصراع من العراق الى سوريا ولبنان، وصولا الى فلسطين واليمن. استشهد الحاج قاسم لكن عقيدته باقية ومتجذرة، وبات مدرسة في العطاء والشهادة.
العهد الاخباري