عيد الولاية والأخوة… بقلم محمد الرصافي المقداد

عيد الولاية والأخوة… بقلم محمد الرصافي المقداد

اليوم وإذ نبارك لأتباع خط الولاية الإلهية حلول عيد الغدير الأغرّ، نقف عند محطّته العظيمة بالتكاليف الهامّة، لنحيي شعيرة من أعظم الشعائر الإسلامية، حيث اجتمعت فيه فريضتان أساسيتان، فريضة التمسك بولاية الولي المفترض الطاعة، وتجديد بيعته، وفريضة تأصيل رابطة الأخوّة الإسلامية، وليس الإحتفال به والبهجة بقدومه سوى مظهرين من مظاهر التمسّك بالولاية، وتأصيل الأخوّة الإسلامية بين المسلمين كرابطة مؤلّفة بينهم راصّة لصفوفهم على أساس من البرّ والتقوى، وتكون هذه المرّة أعمّ من حصرها في المؤمنين فقط، تفويتا على الأعداء الكثر الذين يتربّصون بالمسلمين ودينهم، بدوائر غدرهم وأساليب تفريقهم. ولا بأس في هذه المرة من أن نضع أنفسنا كموالين موضع المساءلة: ماذا قدمنا لهذا العيد، وهو أعظم أعياد الاسلام على الإطلاق، رغم انكار من أنكره كحادثة تاريخية، جدّت في أخريات حياة النبي صلى الله عليه وآله ؟ وماذا يجب علينا فعله لتقريبه من مجتمعات ورثت جهالته، فلم تعرْه أيّ اهتمام، رغم سماعها به وبمن يحييه ويحتفل به؟ ولنسأل أنفسنا أيضا: ما الذي حققنا من واجبات الولاية الإلهية؟ وهل أعطينا عيد الغدير حقوقه التي تضمنتها نصوصه، من حيث تأصيل رابطة الأخوّة الإسلامية، وهي التي دعا إليها الله سبحانه في كتابه (إنّما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين اخويكم واتقوا الله لعلكم تُرحمون) (1)؟

 

بالنظر إلى ما سبق من إحياءات، فإنني أجد نفسي أمام وضع وواقع سلبي يتكرر كل سنة، احتفال نستعرض فيه أحداث ذلك اليوم العظيم، دون أن نستجلي ما وراءه من قيم تضمنها، وواجبات دعا اليها ويجب تفعيلها، لقد أمسكنا بالمناسبة مظهريا، وتركنا ما تضمنته جوهريا، تذروه رياح التجاهل والنسيان، لذا يجب علينا أن نفهم أولا، أن عيد الغدير هو عيد ولاية وتنصيب ولي الأمر المفترض، اختاره الله بعد أن اصطفاه من أهل بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ليقوم بدور حفظ وتطبيق شريعته خاتمة شرائعه، التي رضيها للعالمين في ذلك اليوم، بعد أن ختمها بتعيين ذلك الوليّ، وما هو تكليفنا اليوم في زمن الغيبة، وايّ طاعة واجبة لمن تصدّى لولاية أمورنا، جامعا متفرّقنا، معِدّا لقوّتنا، وراعيا لأمننا، وساهرا على قضايانا المستحقة؟ وهذا الزمان هو زمن الإعداد والتمهيد لمولانا الأعظم مهديّ هذه الأمّة، عجل الله فرجه الشريف.

 

بالنسبة لإخوتنا المسلمين الذين لم تتبيّن لهم حقيقة يوم غدير خم، وما فيه من تعيين ودعوة واضحة إلى بيعة الوليّ المُعيّن من الله ورسوله صلى الله عليه وآله – رغم وجود نصوص عديدة بشأنه في أمّهات كتبهم – أقول لهم لماذا تتجاهلون تعيين الوليّ في تلك الحادثة، وتذهبون إلى بيعة من تولى أمر الأمّة بأي طريق كان، ولو بالقوة والغلبة والتسلط، مع أنّ الولاية وظيفة حُكْمِيّة هي من الخطورة بما كان، حيث أنّ فاقدها إذا مات على حاله تلك فميتته جاهلية(2)، ومتعلق الأمة هنا البيعة لهذا الولي والسمع والطاعة له، في زمن يكون فيها اختياره موكول إلى الله، حتى أنه انفرد بالاختيار وحده دون نبيّه حيث قال له: ( ليس لك من الأمر شيء) (3)

 

وولاية الأمر في الإسلام هي رأس قيادته، وتمام رعاية أحكامه وحسن تطبيقها، وبيعة الولي غير محصورة بالمولى المعظّم، لتشمل من تصدّى لها من الممهدين له من فقهاء نهجه، وهذا العيد هو فرصة لتجديد البيعة، لمن تأهّل لخدمة الدين ورعاية المسلمين، والوقوف على شؤونهم وقضاياهم، فذلك كلّه من تمام نظام الملّة، ونصرة المتصدّي لهذا الدّور الخطير والهامّ، ولا يكون التمهيد لقيام دولة صاحب العصر والزمان، إلا من خلال تفعيل ولاية الأمر، لينضمّ تحتها الساعون إلى تحقيق غاية مجتمع الكمال الإنساني.

 

ان ارتباطنا بصاحب الولاية الأساسي – ليس في عيد الغدير وتجديد البيعة له – لا يجعلنا نتجاهل ولاية من تصدّى لولايته تمهيدا لقيامها، وحقوقه هو أيضا تفرض علينا أن ننظمّ إلى ركبها، وندعو من تخلّف عنها إلى الالتحاق بها ونصرة رايتها، لأنّها راية هدى وتمهيد حقيقي، يغضب أعداء الإسلام الحقيقيين من دول الغرب، بزعامة أمريكا والصهيونية العالمية المنتشرة بينهم، بلا أدنى حرج منهم.

 

لقد تسبب فصل الدين عن الحياة، في ضياع وظيفة الولاية على المسلمين، وحال المسلمين اليوم حال القطيع، الذي تاهت به الرعاة، واختلطت عليه السبل، ولا حلّ لهذا الفصل بغير الرجوع الى أصول الحكم في الإسلام، بالتعرف على اعدادات الوحي لمسألة الولاية الإلهية، وهذا من شأنه أن يجلّي الرؤية في هذه المسألة الهامّة.

 

إنّ لعيد الغدير دور آخر لا يقلّ شأنا عن الولاية ومتعلّقاتها، ليولي أهمّية إلى مسألة الأخوّة الإسلامية وما تستوجبه من حقوق أغفلها وأهملها أغلب المسلمين، وحالهم اليوم متفرّقون لا يهتمّ بعضهم ببعض في شتى القضايا المشتركة بينهم، فقد أحياها النبي صلى الله عليه وآله استجابة الى أمر ربه، فآخى بين المسلمين الأوائل في مكة، وآخى بين المهاجرين والانصار في المدينة دفعا للتكافل بينهم إلى أعلى درجات أدائه بينهم، ويأتي عيد الغدير ليحيي هذه الشعيرة بين المسلمين، ليحققوا معاني الأخوة كما يريدها الله ورسوله لأفراد هذه الامة، وفي هذا العيد الأعظم فرصة إنشاء هذه الرابطة، والعمل بها بما يؤلف بين قلوب المسلمين، ويقوي اجتماعهم على دينهم، تحفيزا لهم على أداء حقوق الأخوة كما جاء عن الإمام الصادق: ( من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، ومن سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه، فليس بمسلم) (4) من هذا العيد فلنبدأ، ولتكن بداية عملنا الحقيقي والجاد في تفعيل هذه الشعائر وواجباتها، تنفيذا لأوامر الله سبحانه، من أجل مستقبل أفضل لأمّتنا في ظل تكالب أعدائها عليها، ولا سبيل للخلاص من مؤامراتهم بغير اجتماع قلوب، من شأنه أن يبني قوّة قادرة على الوقوف في وجه هؤلاء الأعداء، لتأمن به البلاد والعباد، وما الإسلام سوى مجموعة قيم وآداب متكاملة هي أساس مجتمع التوحيد والوحدة، على أساس الولاية والأخوّة.

 

المراجع

 

1 – سورة الحجرات الآية 10

 

2 – مسلم النيسابوري كتاب الامارة ج6ص22ح1851

 

3 – سورة آل عمران الآية 128

 

4 – وسائل الشيعة الحر العاملي ج16ص337ح21702

 

 

 

 

 

 

 

 

شارك على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023