منذ وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض تبنى سياسة إعلامية معلنة تقوم على نسف سياسة سلفه ترامب , وأخفى تحت هذا العنوان النوايا والسياسات الحقيقية لإدارته , وخدع الجميع بما فيهم الشعب الأمريكي … كذلك أعلن رغبته بوقف الحرب في سوريا , والبحث عن إيجاد الحلول السياسية فيها , وبعد مضي حوالي أربعة أشهر لتوليه القيادة الأمريكية , لم يُسجِل أي إثباتٍ أو دعم لمزاعمه… وهذا ما حصل:
– لم تتوقف الحملات الإعلامية الأمريكية التضليلية الكاذبة ضد الدولة والقيادة السورية , ولا زالت تحافظ على زخمها كماً ونوعاً .
– لم تتوقف الضغوط السياسية الأمريكية , ولم تُرفع العقوبات الإقتصادية الظالمة أحادية الجانب واللا قانونية التي فرضتها واشنطن على دمشق , لا بل تضاعفت واتسعت دائرة العقوبات المفروضة على الدولة والكيانات والشخصيات السورية , وسط الحديث عن النسخة الثانية لـ “قانون قيصر”.
– لم تتوقف الإعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية , وعلى العكس زادت وتيرتها , وتحولت إلى ما يشبه رزنامة عدوانية , توّجها بايدن بتوقيعه أمر العدوان الأمريكي العسكري الأول على سوريا في 26/شباط.
– لم تتوقف القيادة والدعم الأمريكي لكافة التنظيمات الإرهابية , وقادت مسرحية عودة “داعش” , وبدأت بمغازلة أبو محمد الجولاني , وبالتفكير الجدي بتحويله إلى زعيم سياسي , وهو الإرهابي المطلوب أمريكياً .
– لم يتوقف دعمها لميليشيات “قسد” الإنفصالية , لا بل دفعتها نحو المزيد من الممارسات الإجرامية , والنهب المنظم , وحرق وسرقة النفط والقمح السوري , ومضاعفة عمليات الهيمنة والترهيب والتجنيد القسري للشبان في مناطق سيطرتها.
– لم تتوقف حركة القوافل الأمريكية للشاحنات والصهاريج التي تنقل النفط والقمح السوري نحو كردستان العراق عبر المعابر اللا شرعية التي أقامتها بنفسها , ولجأت مؤخراً إلى عملية توسيع معبر الوليد لمضاعفة تهريب سرقاتها إلى خارج سوريا.
– لم تتوقف عمليات توسيع وتأمين محيط قواعدها العسكرية اللا شرعية , وعلى العكس فقد ضاعفت أعدادها , وقامت بإدخال أطنان الأسلحة والمدرعات والمعدات العسكرية إلى داخل سوريا , وسط شكوك حول الجهات والأيدي التي ستصل إليها تلك الأسلحة , ووسط خشية سعيها نحو إفتعال قتال بين المكونات السورية , ويمكن قراءة ما حدث في مدينة منبج وإطلاق عصابات “قسد” النار الحي على المدنيين هناك , وقد يكون لشحنات الأسلحة التي أدخلتها مؤخراً دور في مخططٍ وُضع للتأثيرعلى الإستحقاق الرئاسي قبل أيام.
– لم تتوقف الجلسات الأممية الخاصة بسوريا , ولم يتوقف تزوير الحقائق وتقارير منظمة الأسلحة الكيميائية , كذلك لم تتوقف الإتهامات الملفقة في الملفات الإنسانية .
– لم تتوقف حربها على الدولة والقيادة والشعب السوري , وبدا هذا جلياً في معارضتها للإنتخابات السورية , وبالضغط على عدد من الدول التابعة لإصدار بيانٍ استبق يوم الإقتراع , أكدت فيه بأن:”الإنتخابات لن تكون حرة ولا نزيهة”, وحاولت عبر أدواتها وأبواقها الإعلامية التأثيرعلى إقبال السوريين على الإقتراع والتصويت
– لم تحترم نتائج الإنتخابات بعد انتهائها, وبعد رؤية إقبال السوريين يوم 20 أيار في جميع أنحاء العالم على صناديق الإقتراع بكثافة وبفرحة وبهجة لتجديد بيعتها للرئيس بشار الأسد , تلتها في 26 أيار مشاهد الطوفان البشري السوري , الذي صوّت لهويته وإنتمائه ولسيادة دولته وحرية قرارها السياسي , وصوّت لإنتصار الدولة والجيش والشعب , وإعتزازاً بقيادة الرئيس بشار الأسد , الذي حمل كل اّماله الوطنية والقومية وطموحاته بإستكمال الإنتصار العسكري والسياسي والإقتصادي , وللبدء بمرحلة “العمل” يداً بيد مع الرئيس بشار الأسد.
في الوقت الذي نشر فيه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى تقريراً رفض فيه الإعتراف بنصر سوريا ، وبفشل المشروع الأمريكي فيها ، وذهب إلى التحذير من أي تقاربٍ عربي – سوري , وبأنه “سيضر المصالح الأمريكية في سوريا والمنطقة” , وبأنه “سيمنح الرئيس الأسد نفوذاً اقليمياً سيغير المعايير والقواعد الدولية” , و”سيؤثرعلى الكيان الإسرائيلي وسيحرج المطبعين” .
لن يستطيع الرئيس بايدن الإستمرار بخداع العالم , وبتسويق نفسه كرجل سلام يبحث عن الحل السياسي في سوريا , على الرغم من محاولاته البائسة للتخلص من وصمة العار ولقب “لص النفط والقمح السوري” , على الرغم من إنهائه إعفاء شركة “دلتا كريسنت انرجي” من العقوبات الأمريكية , ولا تكفي بضعة تصاريح رئاسية “لسنا هنا من أجل النفط” , لدحض ما هو مؤكد ومثبت , ويمكن إعتبار هذه الخطوة بأنها لا تعدو أكثر من الإنتقال من السرقة بالتشريع الأمريكي الرسمي إلى السرقة بدونه , وهذا لن يجعل منهم لصوصاً محترمين.
في الوقت الذي تبدو فيه الإدارة الأمريكية تتجه نحو إحكام قبضتها على الميدان السوري , وإمساك قرار كافة التنظيمات الإرهابية المسلحة من شرق الفرات إلى الشمال السوري وغربه وداخل مدينة إدلب ومحيطها , نتيجة خشيتها من إنزياح أردوغان أكثر فأكثر نحو الحضن الروسي , الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى خسارة واشنطن جهود أكثر من 60 ألف إرهابي تستخدمهم في وجه الجيش العربي السوري وحلفائه .
فلجأت إلى استغلال الملف الإنساني والمساعدات الأمريكية و”ملف المعابر” , قبل انتهاء التفويض الحالي لمجلس الأمن الذي سمح بدخول المساعدات عبر معبر باب الهوى الحدودي بين سوريا وتركيا , في العاشر من تموز القادم , وسارعت لإرسال سفيرتها لدى الأمم المتحدة “ليندا توماس غرينفيلد” إلى تركيا , في مهمةٍ ظاهرها ما أعلنته عن تقديم مساعداتٍ أمريكية بقيمة 240 مليون دولار “لشعب سوريا واللاجئين السوريين والدول التي تستضيفهم” , أما في جوهرها فقد تشي لقاءاتها مع قادة التنظيمات الإرهابية , وخصوصاً جبهة النصرة والخوذ البيضاء , ووصفهم بـ “الشجعان” ! , بما هو سيء وخطير.
يبدو أن واشنطن تفضل قيادة التنظيمات الإرهابية بنفسها وتحصينهم في مواقعهم , مقابل احتفاظ تركيا بدورها في تسهيل نقل المساعدات الإنسانية , من خلال رشوة تقدمها للرئيس التركي تتمثل بوعدها بفتح أكثر من معبر و بـ 240 مليون دولار , بالتأكيد ستدخل خزائن وجيوب أردوغان , تعينه على تخفيف حدة المشاكل الإقتصادية التي يعاني منها في الداخل التركي , مقابل عدم تكرار تجربة الرئيس ترامب الذي أوقع تركيا خلال ساعات بأزمة هبوط وإنهيار الليرة التركية , وقد يكون هذا وراء وصف زيارتها لتركيا بـ “الإستراتيجية” .
ويمكن أن يشير توقيت الزيارة وتصريحات السفيرة غرينفيلد , ولقاءاتها بالقادة الأتراك وقادة الإرهابيين , إلى نوايا واشنطن , بوقف الخلافات والمعارك التي اندلعت في صفوف التنظيمات التابعة لتنظيم داعش وتلك التابعة لجولاني النصرة في إدلب ومحيطها , بالتوازي مع أحداث مدينة منبج والضغط الكبير الذي تعرضت له “قسد” من قبل المتظاهرين ضدها هناك , بعد إطلاقها النار عليهم وسقوط الشهداء والجرحى , وتداعي القبائل العربية للوقوف إلى جانبهم واستعدادهم لقتالها وطردها , والمخاوف الأمريكية من دخول الجيش العربي السوري واستعادته السيطرة على المدينة.
التركيز الأمريكي على ملف المساعدات والمعابر …. لقد حاولت السفيرة من خلال سلسلة أكاذيب , تأكيدها لأهمية فتح المعبر, وبأن “هناك أكثر من 13 مليون سوري بحاجة ماسة إلى المساعدة” , وبأن معبر باب الهوى بالنسبة لسكان إدلب يعتبر “شريان حياتهم” الوحيد , كذلك اعتبرت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أن :”الولايات المتحدة هي أكبر مانح في العالم للأزمة السورية وقدمت أكثر من 13 مليار دولار منذ بداية الصراع”, في حين ناشد المنسق الأممي “مارك لوكوك” مجلس الأمن بـ :”عدم قطع “شريان الحياة عبر الحدود” , وعاطفة “ريتشارد ميلز” الجياشة وهو نائب سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة , الذي خاطب مجلس الأمن بقوله :”إذا لم نفعل ذلك سيموت الناس، ونقطة عبور واحدة لا تلبي إحتياجات الشعب السوري” , كذلك دعوة الوزير بلينكن في 30 /آذار الماضي ، إلى إعادة فتح معبر باب السلامة مع تركيا ، ومعبر اليعربية مع العراق الذي تسيطر عليه “قسد”.
لا أعتقد أن هناك من يشكك بنوايا واشنطن , وبإقدامها على تحضير أرضية المرحلة القادمة , لتشكيل جبهةٍ عسكرية إرهابية قوية تمتد من غرب الفرات إلى شرقه , قبيل القمة الأمريكية – الروسية في جنيف , لتكون واشنطن المفاوض القوي والوحيد في مواجهة الرئيس الروسي.
من المعيب أن تتجاهل الولايات المتحدة السيادة السورية وتتعمد إختراقها , وأن تمارس ضغوطها لإستمرار الحرب التي هُزمت فيها في سوريا , وياله من كم الوقاحة التي تتحدث فيه عن مساعداتٍ تقدمها للشعب السوري وبأنها أكبر المانحين , وهي التي تسرق نفطه وقمحه بشكلٍ يومي , ولا يخفى على العالم أنها تسعى للتركيز على إقرار مجلس الأمن بفتح معابر لا تسيطر عليها الدولة السورية , وأن لا تكون الطرف والجهة المسؤولة عن مواطنيها.
في وقتٍ يرى فيه العالم أن الشعب السوري في ظل دولته وحكومته وقيادته يعيش الأمن والأمان , على عكس مناطق العبث الأمريكي والتركي والإرهابي والإنفصالي , وبأن الدولة السورية لم تتوقف عن إرسال الدقيق والرواتب واللقاحات والكتب المدرسية وكافة إحتياجات المواطنيين على كامل مساحة الوطن , وبأن الهدف الرئيسي لإدخال “المساعدات” بعيداً عن رقابة وإشراف الدولة السورية , يكمن في تحويل المعابر إلى ممرات لتمويل وتسليح الإرهابيين , ولهذا رفضت قبل عام ونصف كل من سوريا وروسيا والصين , إعتماد أربعة معابر, وتمت الموافقة على معبر واحد من خلال تسوية سياسية معقدة , بهدف وصول ما يمكن وصوله إلى المواطنين السوريين – ولو بالحد الأدنى-.
يبدو أن المشاعر الأمريكية “الإنسانية النبيلة”, تهتم لأمر الإرهابيين الإيغور والشيشان والأوربيين والعرب , وكل من استجلبتهم من كافة أصقاع العالم , وتهتم بأمر تغذيتهم والحفاظ على حالتهم الصحية , فاختلطت الأمور في رأسها وباتت تحسبهم سوريين , وتدعي بأنها أكبر مانحي الشعب السوري ! .
الوسومميشيل كلاغاصي
شاهد أيضاً
72 ساعة لولادة الشيطان الجديد.. أمريكا بلا مساحيق التجميل…بقلم م. ميشال كلاغاصي
ساعات قليلة تفصل العالم عن متابعة الحدث الكبير, ألا وهو الإنتخابات الرئاسية الأمريكية, و”العرس الديمقراطي” …