إعداد: دنيا عبد القادر |
في 15 تموز/يوليو الجاري، أعلنت هيئة الطيران المدني السعودية، في بيان على (تويتر)، فتح أجوائها لجميع الناقلات الجوية، وذلك قبيل ساعات على وصول الرئيس الأمريكي «جو بايدن» إلى المملكة. لقى ذلك القرار استحسانًا من الرئيس الأمريكي الذي وصفه بـ«القرار التاريخي»، كما رحب رئيس الوزراء الإسرائيلي «يائير لابيد» بالقرار واعتبره خطوة أولى لدعم «الاقتصاد الإسرائيلي وأمن ومواطني إسرائيل»، حسب تعبيره. موضحًا أن إسرائيل خاضت طريقًا طويلًا وسريًا ومكثفًا مع السعودية.
من جانبها، رحبت وزيرة النقل الإسرائيلية «ميراف ميخائيلي»، بالقرار السعودي، باعتباره سيقلل بشكل كبير أوقات الرحلات ويخفض الأسعار.
لماذا القرار السعودي «تاريخي»؟
«اليوم سأكون أول رئيس أمريكي يطير من إسرائيل إلى جدة»، هكذا قال «بايدن» خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي «يائير لابيد». ربما يفسر هذا التصريح السبب وراء كون القرار السعودي بشأن فتح المجال الجوي للطائرات الإسرائيلية قرارًا تاريخيًا بل إن زيارة «بايدن» بأكملها تعتبر في الوقت ذاته زيارة تاريخية بالأساس، لأنها هي المرة الأولى التي يزور فيها «بايدن» السعودية بعد تنازله عن شعار «جعل السعودية دولة منبوذة» كما أنها المرة الأولى أيضًا التي تسافر طائرة من تل أبيب إلى الرياض. فالسعودية حتى الآن لا تعترف بـ«دولة إسرائيل» بل ولا تقبل جوازات السفر الإسرائيلية.
اتفاقية «شيكاغو 1944»
رأى البعض أن القرار السعودي يأتي في ظل حرص المملكة على الوفاء بالتزاماتها المقررة بموجب اتفاقية «شيكاغو 1944» والتي تنص على عدم التمييز بين الطائرات المدنية المستخدمة في الملاحة الجوية الدولية. لكن ثمة مفارقة في هذا الرأي إذ إن اتفاقية «شيكاغو»، كانت قد دخلت في حيز التنفيذ في نيسان/أبريل 1947، مما جعل العديد من التساؤلات تطرح عن حرص المملكة على الالتزام بها تجاه إسرائيل في هذا التوقيت بالتحديد، خاصة وأن المملكة لا تعترف بإسرائيل ولا توجد بينهما أي علاقات رسمية حتى الآن.
لا تطبيع الآن
فسر البعض أن القرار السعودي يعرب عن تطبيع مقترب بين الرياض وتل أبيب وهو ما نفاه وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير»، الذي قال إنه لم يطرأ أي تغيير على موقف السعودية بشأن التطبيع مع إسرائيل، وأن التطبيع مع إسرائيل لن يكون ممكنًا إلا بعد تطبيق حل الدولتين.
مشددًا على أن السعودية لن تنضم إلى «اتفاقيات إبراهيم»، قائلًا: «لقد أوضحنا أننا بحاجة إلى عملية يتم فيها تنفيذ مبادرة السلام العربية. نحن ملتزمون بحل الدولتين وهذا هو هدفنا. المطالبة بالسلام».
خطوة مقابل خطوة
قد يكون القرار السعودي جاء لكي تحصل المملكة على موافقة إسرائيل على نقل جزيرتي «تيران» و«صنافير» في البحر الأحمر إلى السيادة السعودية؛ فعلى الرغم من إعطاء مصر الضوء الأخضر لعملية تسليم الجزيرتين للمملكة، إلا أنه يجب أيضًا أن توافق عليها إسرائيل بموجب شروط اتفاقات السلام لعام 1979 بين هذين البلدين. لذا يمكن تفسير القرار السعودي بأنه خطوة مقابل خطوة فهي خطوة عبَّرت فيها الرياض عن حسن نيتها تجاه تل أبيب مقابل أن توافق الأخيرة على الطلب السعودي لتغيير نشر القوة الدولية في الجزيرتين، الذي تسلمته إسرائيل قبل 5 سنوات. وبالفعل، أكدت مصادر مطلعة لوكالة «فرانس برس»، الخميس الماضي، الموافق 14 تموز/يوليو الجاري، أن ليس لدى إسرائيل أي اعتراض على نقل الجزيرتين إلى السيادة السعودية.
وفي وقت سابق، ذكرت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية إن «إسرائيل وافقت على أن تتمركز القوات متعددة الجنسيات الموجودة على الجزيرة، على بعد عدة كيلو مترات داخل الأراضي المصرية».
وتوجد حاليًا قوة متعددة الجنسيات في جزيرتي «تيران» و«صنافير» تتولى تسيير الدوريات وضمان استمرار حرية الملاحة في المنطقة. وتقول الصحيفة إن «السعودية لا تريد لهذه القوات أن تبقى بمجرد استعادة سيطرتها على الجزيرتين».
تجدر الإشارة إلى أن الرياض كانت قد منحت القاهرة السيطرة على الجزر في الخمسينيات من القرن الماضي. ووافق البرلمان المصري في حزيران/يونيو 2017 والمحكمة العليا في البلاد في آذار/مارس 2018 على نقل سيادة الجزيرتين إلى المملكة، كما وافقت تل أبيب أيضًا من حيث المبدأ في عام 2016، لكن لم يتم الانتهاء من الترتيبات الأمنية البديلة.
عدو مشترك
يعتبر أهم رابط يربط بين السعودية وإسرائيل هو أن كلاهما يعتبران إيران «عدوًا مشتركًا»، على الرغم من محاولات طهران التقرب من الرياض، وعقد محادثات بينهما بوساطة عراقية، إلا أن كل ذلك لم يهدأ من قلق السعودية وسط التخوف السعودي من عودة تصعيد ميليشيا الحوثيين، المدعومين من إيران، ضد السعودية. فضلًا عن فشل التوصل إلى اتفاق نووي بشأن البرنامج النووي الإيراني، الذي ترى فيه تهديدًا لدول المنطقة من جانب وإسرائيل من الجانب الآخر.
وفي هذا السياق، كانت قد نشرت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، يوم 9 كانون الأول/ديسمبر 2019، مقالًا مشتركًا لثلاثة خبراء؛ «ساندر غيربر» و«آري هيستين» و«يوئيل غوزانسكي»، ذكر فيه الخبراء الثلاثة إنه «يمكن لكل من إسرائيل والسعودية التعاون وتبادل الخبرات في مواجهة أعدائهما، وتطوير استراتيجية مشتركة لمواجهة حروب إيران غير التقليدية، فالمعضلة التي تواجه السعوديين في اليمن هي ذاتها التي تواجه (إسرائيل) في غزة».
إذ يمكن للسعودية وإسرائيل تبادل الخبرات الأمنية والعقيدة العسكرية وتطوير حلول تكنولوجية عملياتية مشتركة برعاية أمريكية، وكذلك بناء دفاعات صاروخية فعالة بهدف إحباط الدقة الصاروخية الإيرانية، وذلك حسب ما جاء في المقال.
وقبل زيارة «بايدن»، قالت هيئة البث الإسرائيلي الرسمية (كان)، في 8 تموز/يوليو الجاري، إن إسرائيل تسعى إلى إبرام صفقة أمنية ضخمة مع السعودية، ومثل هذه الصفقات تتطلب توسط الإدارة الأمريكية لإبرامها، وتشمل هذه الصفقات منظومات دفاع جوي مع السعودية. كما أن القرار السعودي قد يهدف إلى تعجيل الموافقة الأمريكية لتسليح المملكة بمقاتلات «إف-16».
وعلى الرغم من المعارضة الإسرائيلية الدائمة لعمليات بيع أسلحة أمريكية متطورة إلى الإمارات والسعودية، إلا أن إسرائيل تحاول إبرام صفقات أسلحة مع دول عربية مختلفة، سعيًا لتحقيق أرباح مادية وأيضًا للتمكن من الحفاظ على تفوقها العسكري النوعي في المنطقة.
مما سبق يمكن القول إنه من المتوقع حدوث المزيد من التقارب بين إسرائيل والسعودية، وحتى ولو كان يسير ببطء، خاصة في ظل التطور الإيراني المستمر للبرنامج النووي وعدم القدرة على التصدي لأنشطتها النووية من جهة فضلًا عن الخوف من عودة التهديد الحوثي ضد المملكة، فكل ذلك يوحي باحتمالية التعاون بين الجانبين السعودي والإسرائيلي سواء على الصعيد العسكري والاستخباراتي بل وحتى الاقتصادي. وربما يسعى الجانبان إلى محاربة إيران بشكل استنزافي عبر منافذ مختلفة سواء عبر الهجمات السيبرانية أو اغتيال أحد القادة المهمة في الحرس الثوري أو ذوي الصلة بتطوير البرنامج النووي الإيراني، كما حدث مع العقل المدبر للبرنامج النووي «محسن فخري زاده». وبهذا يمكن للجانبين شن حربًا غير تقليدية على إيران بهدف استنزاف قدراتها خاصة في ظل ما يعانيه المجتمع الإيراني من الداخل من ضغوط اجتماعية واقتصادية.