بقلم فتحي بوليفة: مدرس-باحث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة |
في هذا المقال السادس من ملفات الفساد في الجامعة التونسية (بعد لجان الانتداب و الترقية وما يسمى بالبحث العلمي والساعات الإضافية والبرامج المدروسة)، سنكشف فساد الجهويات والدكتاتورية النقابية والمحاباة في نقل المدرسين بين المؤسسات الجامعية وانعكاساتها في إفراغ المؤسسات الداخلية وإغراق المؤسسات الساحلية بالمدرسين، من خلال معايشتنا له مدعمين ذلك بحدث كنا طرفا فيه، كما عهدتمونا في المقالات السابقة، لأننا لا ننقد من فراغ أو نتجنى على الفاسدين و كل من يتظلم مما نكتب عليه دحضه أو إثبات عكسه و “المحور العربي” على استعداد لنشره.
في السنوات الأخيرة بدأ عدد الطلبة يتراجع في الجامعة التونسية، خاصة في الشعب الأدبية و العلوم الإنسانية و الاجتماعية مما تسبب في تراجع حجم ساعات التدريس في هذه الإختصاصات، كما تسبب دمج الإجازتين الأساسية و التطبيقية في إجازة موحدة في حذف بعض المسائل المدروسة سابقا في البرامج التي تحدثنا عن فساد “تحويل وجهتها” في مقال سابق.
رغم تراجع عدد ساعات التدريس واصل بعض الفاسدين في بعض الكليات و أقسامها في إغراقها بنقل مدرسين من المناطق الداخلية نحو المدن الساحلية حتى دخلت هذه الكليات في أزمة عجز عن توفير الساعات الضرورية في جداول أوقات عدد كبير من المدرسين الذين اضطر بعضهم للإحالة على “البطالة التقنية” إن صحت العبارة هنا. يتدخل في هذه النقل زمرة من الأساتذة النافذين في بعض الأقسام مديريها و بعض النقابيين الفاسدين وحتى المجالس العلمية لبعض المؤسسات الجامعية.
حتى لا نتجنى على هؤلاء، سأعرض في هذا المقال عملية نقلة كنت شاهدا على ما شابها من فساد تسبب في أزمة لتوفير ساعات التدريس في قسم الجغرافيا بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بسوسة الذي أنتمي إليه.
في اجتماع للقسم عرض مدير القسم طلب نقلة تقدمت به مدرسة ترغب في الإنضمام إلى القسم وطلب التصويت عليه من طرف الأعضاء، فكانت نتيجة التصويت ضد هذه النقلة لقناعة جل الأعضاء بعدم توفر ساعات إضافية في القسم، فهاج وماج مدير القسم و مدرس نقابي يدعم تلك النقلة و نعتا الاجتماع بالفوضى لأن نتيجة التصويت لم ترضيهما و توعدا أعضاء القسم بتمرير قرار النقلة رغما عنهم في المجلس العلمي للكلية، و فعلا تدخلت المحاباة و الجهوية والدكتاتورية النقابية في المجلس العلمي الذي لم يتحرى في الأمر و توفر الساعات الضرورية لهذه المدرسة و تمت نقلتها رغم معارضة أعضاء القسم الذي أصبح خلال هذه السنة الجامعية (2020-2021) يعاني من شح كبير في عدد ساعات التدريس للأسباب التي ذكرتها سلفا و بسبب النقل العديدة التي قام بها مدير القسم منذ توليه هذه الخطة و بعض النقابيين دون موافقة أعضاء القسم.
في النهاية، أشير أن هذه النقل المشبوهة التي يشوبها الفساد تتدخل فيها الرشوة والمحاباة والجهويات لتحقيق مصالح خاصة مشتركة ومتبادلة بين الضالعين فيها، لكن وزارة الإشراف لا تحرك ساكنا ولا يزال هؤلاء ماضون في هذا النوع من الفساد بلا حسيب و لا رقيب، بدعوى استقلالية قرار المجالس العلمية في المؤسسات الجامعية…