المهندس: ميشيل كلاغاصي |
في طريقه إلى هانوي … تأبط الرئيس الأمريكي عنجهيته وخداعه ونقضه للعهود والإتفاقات النووية الإيرانية والصاروخية الروسية والمناخ الفرنسية, وحَمَل لواء عقوباته على روسيا ونفاق إنسحابه من سوريا, ووقاحة حروبه التجارية على تركيا وكندا والصين, وحمل “إنجازاته” بتعيين رئيسٍ مزور في فنزويلا وتهديدها بإجتياحها عسكريا ً, وبمصادرة القرار السياسي لحلفائه في أوروبا, وحمل تحالف “العرب” وإسرائيل ضد إيران في وارسو, وبراعته في ابتزاز و”حلابة” دول الخليج, وحمل سمعته وفضائح شيكاته لإسكات الجميلات و”الإباحيات”, وحمل خوفه من “بوحِ” وصراحةِ كاتم أسراره وصندوقه الأسود “مايكل كوهين”, وعديد هزائمه وإخفاقاته وصراعاته وإقالاته ومواجهاته مع دولته العميقة … وحمل زجاجة “عطره” وحلم بإنتزاع إعجاب كيم أون الكوري وبسحب زره النووي وتعطيل مفتاحه الصاروخي , وبنيله جائزة نوبل للسلام.
في هانوي التقى الرجلان، وبدأ الغزل واختبار قوة تأثير العطر، فقال ترامب ل كيم:” من الرائع أن أكون هنا … معك”، ضحك كيم، وتمتم بالكورية مبتسما ً…
هي القمة الثانية للرئيسين، بعد قمة سنغافورة العام الماضي، والتي حازت على إهتمام عالمي وإعلامي كبير، بإعتبارها اللقاء الأول بين رئيس أمريكي وزعيم كوريا الشمالية، وأنها أتت بعد خلافاتٍ حادة كادت تشعل الحرب الكبرى بينهما كدولٍ من العيار الثقيل, على خلفية العقوبات الأمريكية القاسية ودرجة سخونة التوتر في شبه الجزيرة الكورية, بالإضافة إلى البرنامج الصاروخي النووي الكوري الشمالي والتجارب الصاروخية التي أرعبت واشنطن, حيث أسفرت قمة سنغافورة عن توقيع الطرفين اتفاق إخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي, فيما أتت قمة هانوي, وقبل أن تبدأ, أقل توهجا ًوأكثر واقعية لناحية الاهتمام بالنتائج التي يمكن أن تتمخض عنها.
يومان في هانوي لم يكونا كافيين للإتفاق، على الرغم من الغزل الإستباقي الذي مارسه الرئيس ترامب تجاه نظيره الكوري الشمالي، ومديحه وتبشيره بالمجد الذي يمكن لكوريا أن تحصده عبر “صواريخ الإقتصاد” – بحسب ترامب -، يبدو أنه راهن على سهولة استسلام الرئيس كيم جونغ أون، وعدم قدرته على مواجهة أمريكا الدولة القوية والتي لا تتوانى عن خوض الحروب العسكرية لفرض هيمنتها على أي بقعة في العالم.
لقد لمس ترامب قوة وكبرياء الرئيس كيم الذي رفض التخلي عن أسباب قوته مقابل ود ترامب، ورفعٌ جزئي للعقوبات الأمريكية، وبمقابل هزيمته أمام كوريا الجنوبية وتخليه عن حليفه الأول المارد الصيني، ولم يتوقع ترامب أن الرجل يحمل في رأسه خطة ً متكاملة لعلاقاتٍ ندية متوازنة، لا تشوبها شائبة ولا يمكن إختراقها أو نقضها والتراجع عنها، بالإعتماد والإستفادة من تجارب غير دول وغير إتفاقات، لم تحترمها إدارة ترامب ونكثت بها دونما تردد.
يبدو أن الرئيس الأمريكي فوجئ بما حصل، وربما ندم على العطر والغزل، وراقه أن تروّج ماكيناته الإعلامية وتشيع الضباب وأجواء الغموض حول أسباب فشل القمة، وإعلان المتحدثة بإسم البيت الأبيض أن الزعيمين: “لم يتوصلا لإتفاق لكنهما يتطلعان للإجتماع في المستقبل”، لكن الزعيم الكوري في ردٍ ذكي على سؤالٍ صحفي عبّر عن استعداده للتخلي عن أسلحة بلاده النووية وقال:” إن لم أكن مستعدا ً لفعل ذلك لما كنت الاّن هنا “، وأجبر ترامب على القول: “أرادوا رفع العقوبات بشكلٍ كامل، لكننا لا نستطيع فعل ذلك… فكان علينا أن ننسحب”.
تزامن -شهادة كوهين وقمة هانوي …!
لا يمكن المراهنة على براءة توقيت جلسة الإستماع التي خضع إليها “مايكل كوهين” محامي ترامب السابق أمام أعضاء الكونغرس، والتي تزامنت مع قمة هانوي، في الوقت الذي اعتبر فيه الرئيس ترامب من هانوي أن توقيت الجلسة “أمرٌ فظيع” وردّ على محاميه واصفا ً إياه ب “الكاذب”.
فمن الواضح ان القضية التي يتولاها المحقق روبرت مولر، تحولت إلى ملفٍ شائك بدأ يأخذ منحىً أكثر خطورةً وتعقيدا ًعما بدأت عليه القصة، خصوصا ً وأن ترامب يخوض حربا ً داخلية قد تُفضي إلى عزله عن منصبه، وقد تطيح بأحلامه بولايةٍ رئاسية ثانية، ولا يمكن استبعاد أن التزامن بين الحدثين قد يهدف إلى حرف الأنظار عن قمة هانوي لإضعاف ترامب وعرقلة الإتفاق، بما يضمن حرمانه مما يمكن أن يسانده ويقوي عضده في معاركه الداخلية في حال نجاح القمة.
فبعد إصدار الحكم على مايكل كوهين بالسجن لثلاث سنوات وتحوله إلى شاهد, ساعده هذا الأمر على فتح صندوقه الأسود, ليُخرج منه الحقائق أو الأكاذيب؟, الأمر الذي تسبب بإنقسامٍ جديد في صفوف الجمهوريين والديمقراطيين, وبإحتدام صراع السلطة والهرب من الفضائح والتورط بالتجسس والعمالة لدولة أجنبية وبالعلاقات الحميمية المشبوهة الممولة من الحملات الإنتخابية … وتقدم الإنقسام ما بين إصرار الجمهوريين على إهانة كوهين وتكذيبه ونسف مصداقية المعلومات الواردة في إفادته, وما بين بحث الديمقراطيين عن أي كلمة وكل ما من شأنه إدانة ترامب.
يبدو أن طلب الحماية الذي تقدم به كوهين لعائلته، وعباراته القاسية بحق ترامب والتي وصفه بها ب”العنصري والمخادع والمحتال”، وإبرازه صور للشيكين المسددين لخليلات الرئيس الموقعين من قبل ترامب وابنه، ناهيك عن اعتراف كوهين بالذنب وبمخالفة قوانين تمويل الإنتخابات، وبالكذب بطلبٍ من ترامب نفسه، وبما يعرفه عن قضايا التحايل الضريبي للرئيس، وعشرات المخالفات القانونية التي ارتكبها، وبمجمل الإتهامات التي ترتبط بعلاقته مع الروس … كلها أمورٌ من شأنها زيادة درجة تعقيد الملف وتُبشر بتوسيع التحقيق، وتُضيق الخناق أكثر فأكثر على الرئيس ترامب وأفراد عائلته، وبالثبوتيات القانونية التي وعد كوهين بتقديمها كأدلةٍ على تصرفات “الرئيس” بشكلٍ “إجرامي” أثناء وجوده في منصبه – بحسب صحيفة وول ستريت جورنال.
بات من الواضح أنه هناك في أمريكا من يرى أن دونالد ترامب أراد استغلال منصبه لتسويق نفسه ومصالحه الشخصية ومضاعفة ثرواته تحت شعار “ترامب أولا ً” وليس “أمريكا أولا ً”… ويرى البعض أنه أساء إلى صورة أمريكا في العالم، وتلقى “الهدايا” كرشاوى، وارتكب عشرات المخالفات القانونية، ودعم وحمى أنظمةٍ خليجية وشخصياتٍ ارتكبت الجرائم، ومع كل هذا تبقى عينه على نيل جائزة نوبل للسلام !.