المهندس: ميشيل كلاغاصي|
(هو صراع الخير والشرّ والطامعين والمستعمرين … أدواتُ الموت جاهزة ً والبشرُ مشاريع قتل ٍ وتهجيرٍ مستمرة … فكان تقسيم الدول ولا زال بصمة ًوصنعة ً أمريكية -صهيونية لا أخلاقية … وبدعوى عدم إمكانية العيش بين الطائفتين ُأُعتبر التقسيم هو الحل “المثالي”، و ُأعطيت الأرض ممن لا يملكها إلى من لا يستحقها، جرائم ٌ من فظاعتها استخلص “اّرثر ميلر” نظرية “الخلاص، ويبقى السؤال … هل يتعظ العالم ويتحرك تحت شعار “كفى أمريكا”!.)
من المؤسف أن نرى العالم وقد تحول إلى غابةٍ كبرى وحلبة صراعٍ يكاد لا ينتهي , بفضل الأطماع الأمريكية, وقساوة قلوب حكامها وساستها المتعاقبين , ومن خلال الغطرسة وشبق الهيمنة والسيطرة على العالم دولا ًوشعوب , وبملاحظة الوسائل والأساليب اللا أخلاقية التي اتبعتها ولا تزال تتبعها حتى اليوم , حروبٍ تدميرية عسكرية أو اقتصادية , إحتلالٌ مباشر وغير مباشر, ومشاريع القضم والضم والتفتيت والتقسيم , وأقله زرع بذورها عبر مشاريع الفدرلة , وتهديد أمن الدول وإبتزازها في استقرارها , وقبض أثمان حماية بعض العروش المتخلفة , وحماية المارقين واللصوص والمجرمين …
فقد وصل الصراع الدولي إلى مراحل جديدة وخطيرة , جعلت العالم يتخلى مكرها ًعن السلام , هرعت فيه الدول لحماية نفسها بالبحث عن التحالفات والتكتلات والمحاور , وبعضها عن الإستسلام والخنوع , ويبقى العامل المشترك للجميع , السعي نحو استحواذ وتطوير وتكديس السلاح … ومع غياب السلام وارتفاع منسوب تهديد الأمن والإستقرار الدولي , وسط غيابٍ تام للأمم المتحدة , ووسط الشراكة المتوحشة للولايات المتحدة مع دول الإستعمار القديم والصهيونية العالمية , وما أنتجته من نسخٍ إرهابية وجدتها ضرورية ً لإقناع العالم بالخوف والترهيب والفوضى.
ووسط الحديث عن عالمٍ وعصرٍ أمريكي جديد بمفرداتٍ جديدة، يبقى دائما ً هو الصراع بين الخير والشرّ، وصراع الطامعين والإنتهازيين والمستعمرين … بقواعد جديدة تستدعي أن تبقى العلاقة بين الإنسان والأرض قائمة ً دون أي إحترام لقدسية الحدود أو لوجود ومصير الشعوب ٍ حتى تلك التي إنتمت لأرضها منذ اّلاف السنين … هي تلك المطامع التي غلّفها الأشرار بقصائدهم أو بعقائد أعدائهم لا فرق، فالقصة البديلة للحقيقة لا بد أن تكون حاضرة وأدوات الموت جاهزةٌ دائما ً، والبشر مشاريع قتل ٍ وتهجيرٍ مستمرة.
الحرب على سوريا … تلك الحرب الإرهابية والتي تأتي في سياق المخطط الصهيو– أمريكي، بالإعتماد على كافة أشرار العالم، دولا ًوتنظيمات إرهابية تحت ستارٍ عقائدي وإرهابي صرف، بالإضافة للنزعة العدوانية الشهوانية الحاقدة المتأصلة في دماء بعض القادة العرب وغير العرب، واعتمدتها أساسا ً لشن:
1 – حرب مباشرة: تتعلق بطبيعة العربي– الصهيوني، وما تمثله سوريا من رأس حربة أخذ يمتد إلى صدر الصهيونية والإمبريالية منذ سبعينيات القرن الماضي.
2 – حرب غير مباشرة: وتتعلق بطبيعة مخطط ومشروع السيطرة على العالم، وما تمثله سوريا بحسب موقعها الجغرافي وحالة التعايش الفريدة فيها، التي تعيق بطبيعتها ومواقفها مشاريع تصفية القضية الفلسطينية، وإقامة الدولة اليهودية.
3-حرب القضم والضم والتقسيم والفدرلة: فلم تعد تلك المشاريع خافية ًعلى أحد، وبقيادة الولايات المتحدة وكافة أدواتها، والتي اعتمدتها أهدافا ً رئيسية للعدوان على سوريا , بدءا َ من تركيا والرئيس أردوغان, وصولا ً إلى بعض الأنظمة العربية والغربية , وعلى رأسها النظام الفرنسي والعرش البريطاني , بالإضافة إلى بعض الأحزاب الكردية , وكافة الجيوش الإرهابية , ناهيك عن التدخل والعدوان العسكري الأمريكي والإسرائيلي المباشر .
فقد راهنت الولايات المتحدة الأمريكية على تقسيم سوريا عبر مشروعي شرق الفرات وغرب الفرات، بما يضمن تفتيتٌ لوحدة الأراضي السورية، كما راهنت على قضم وضم الجولان السوري المحتل ليكون بعهدة الكيان الصهيوني للأبد، ولكم أن تتخيلوا المشهد لولا صمود الدولة السورية قيادة ً وشعبا ً، ولولا بطولات الجيش العربي السوري، وتضحيات المقاومة اللبنانية والعراقية، والدعم المطلق لجمهورية إيران الإسلامية، والمشاركة الروسية الكبيرة في محاربة الإرهاب وبفرض التوازن الدولي على ضفتي الحرب على سوريا.
فتقسيم الدول كان ولا زال بصمة ً أوروبية -صهيونية، وبات صنعة ً أمريكية-صهيونية لا أخلاقية بإمتياز، فيما يبقى تفتيت وتقسيم العالم العربي غاية ً وهدفا ً إسرائيليا ً مباشرا ً… وبلا شك، هي حقائق السياسة الدولية، تلك التي لا قلب لها ولا تعرف الرحمة، ولكنها تعرف جيدا ً كيف تمزق صفوف البلاد من داخلها.
إن طرح بعض الأمثلة لتأكيد وحشية الطغاة والمستعمرين ممن يعتبرون أنفسهم العالم المتحضّر، يُسهّل إسقاطها على حاضرنا وفي تبديد ضبابية المشهد وتعقيداته التي قد تحرف الأبصار عن حقيقة أعدائنا القدامى-الجدد:
* الحرب على فنزويلا: إذ يرى العالم كله، كيف تنقل الولايات المتحدة الأمريكية حروبها إلى دول أمريكا اللاتينية من بوابة فنزويلا البوليفارية، وذلك بعد سنوات من الحصار الإقتصادي للدولة والشعب الفنزويلي، وبعد الإنتهاء من رسم خارطة الحرب هناك عن طريق التدخل السافر والمباشر بسياسات دول المنطقة المحيطة، وبعد نجاحها بتغيير بعض الأنظمة وإنتقالها نحو اليمين المتطرف كالبرازيل، بالإضافة لإخضاع بعض الدول لرغباتها وإملاءاتها، وضمهم إلى أتباعها ك كولومبيا … وقد رأى العالم كيف انتقلت في ليلة وضحاها لترى الرئيس مادورو رئيسا ً غير شرعي , وقررت أنّ عليه تسليم السلطة إلى معارضةٍ صنعتها على قياس مصالحها, ودعمتها لتنفيذ مخططها الرامي للسيطرة على ثروات فنزويلا الوطنية الهائلة, النفطية ووغير النفطية … ولا بد من ملاحظة أن مشروعها بدأ بخلق جهةٍ موازية ٍ وضعتها بمواجهة الدولة والحكومة الشرعية , ولا أحد يستطيع معرفة نوايا واشنطن وإلى أين ستأخذ البلاد والعباد هناك , فالرئيس ترامب يقول أنه : وضع “كافة الخيارات على الطاولة”, فيما ألمح العديد من الساسة الأمريكيين إلى احتمال اللجوء إلى الحل العسكري , فقد تنجر البلاد إلى “حمام من الدماء” كما خشي البابا فرنسيس , وقد ينتهي الأمر بإسقاط الدولة , وربما بتقسيمها وما خفي …أعظم؟ , مع الإشارة لحنكة الرئيس مادورو والدعم الشعبي الكبير الذي يتمتع به , بالإضافة إلى وقوف الجيش إلى جانبه وأظهر استعداده للدفاع عن البلاد, يبدو أن الحرب على فنزويلا لن تكون نزهة ً جديدة لواشنطن بل ستكون هزيمة ًجديدة.
* تقسيم أريتريا: والتي دخلت منطقة النفوذ والصراع الدولي لعقود وسنوات , وانتهت بوضع بريطانيا خطة ً لتقسيمها بين السودان وأثيوبيا بدعوى عدم إمكانية العيش بين الطائفتين المسيحية والإسلامية معا ً، و ُأعتبر التقسيم هو الحل”المثالي”.
* إغتصاب فلسطين: إذ لا يخفى على أحد ما حصل في فلسطين المحتلة حينما أعطت بريطانيا أرضا ً لا تملكها إلى من لا يستحقها وأخضعت الفلسطينيين لأبشع المجازر وأكبر عمليات التهجير الممنهج … ولا زال الدم الفلسطيني يُهراق على ترابها المقدس منذ مئة عام وحتى الاّن، دون أن ننسى كل ما أشيع عن صفقة القرن وإلغاء حق العودة، بالإضافة إلى الوثيقة الصهيونية “كيفو نييم” الخاصة بتقسيم وتفتيت الأمة العربية.
* تقسيم السودان: والذي يعاني اليوم من خطر سقوط الدولة وإندلاع الحروب الأهلية مجددا ً، فقد سبق ل”إسرائيل ” أن عملت على استغلال كافة عوامل التفرقة بين الشمال والجنوب السوداني، ووقفت وراء نشوء الحركة الانفصالية هناك، في خطوة ٍ على طريق تحوّل “الكيان الغاصب” إلى دولة إقليمية ٍ عظمى، تحيط بها دويلات عربية متنافرة ومتصارعة، الأمر الذي يضمن لها الهيمنة المأمولة، ويتيح لها ولحلفائها السيطرة على مصير الأمة العربية والتحكم في مقدراتها.
فلسفة العقل الأمريكي – نظرية “الخلاص“: إذ تبدو أمريكا لا تزال تعمل بعقلية الماضي على غرار أحداث بلدة سالم -نيوجرسي عام 1902, حيث تجلّت الطبيعة الشريرة للذات الأمريكية, وانتشرت فيها ظاهرة ضرب الفتيات لطرد الشيطان, ومن فظاعتها استخلص “اّرثر ميلر” نظرية “الخلاص” إذ يقول : أن “المجتمع يلجأ إلى تقديم القرابين عندما يتعرض لضغوط ٍ يعجز عن تحملها”.. وها هي الدول الخانعة تفعلها! فهل تحاول أمريكا إخضاع العالم وتحويله إلى مؤسسات إرهابية تطرد أعدائها “الشياطين” التي تسكن الدول؟
* فيما تبدو الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تقبض على كافة خيوط المؤامرة، وتتمسك بإزدياد عدد الساحات الساخنة، بما يتيح لها حرية الحركة في كافة الميادين، وفي سعيها لتمرير مشاريعها، ودون ذلك ستستمر بالخداع وبإستنزاف الدول من فنزويلا إلى المكسيك وكندا وكوريا الشمالية … ومن روسيا الإتحادية إلى الصين وإيران وسوريا وكافة حلفاء محور المقاومة …
أخيرا ً… بات من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية تقود العالم الشرير نحو تحقيق غاياتها وأهدافها فقط، دون الإكتراث بحياة ومصير الشعوب ودمائهم المسفوكة، وبات اعتمادها على الإرهاب إستراتيجية ً وحيدة لتفتيت الدول وتقسيمها، بحثا ً منها عن إضعاف الجميع، ويبقى السؤال هل سيتحرك العالم ويتظاهر تحت شعار “كفى أمريكا”!