من التواريخ الهامة التي أهملها المؤرخون، وعمل منهم من عمل على تزوير عنوانها العقائدي، يوم البعثة النبوية على صاحبها أفضل صلاة وأزكى تسليم، يوم نزل أمين الوحي جبرائيل عليه السلام على خاتم الأنبياء والمرسلين بأول الوحي وقد استكمل من عمره الشريف أربعين سنة، وكانت سورة القلم هي باكورة الوحي عليه، داعية الى العلم والتعلم، دالة في مضمونها الأول، على قيمة العلم والمعرفة عند الله سبحانه، وغايته من دينه الخاتم .
ذكر علاقة حراء بعبد المطلب
( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في حراء في كل سنة شهرا، وكان ذلك مما تتحنث فيه قريش في الجاهلية، أي المتألهين منهم، أي وكان أول من تحنث فيه من قريش، جده صلى الله عليه وسلم عبد المطلب، فقد قال ابن الأثير أول من تحنث بحراء عبد المطلب، كان إذا دخل شهر رمضان، صعد حراء وأطعم المساكين.) السيرة الحلبية ج1ص382 / الكامل في التاريخ ابن الاثير ج 2ص15
ولقد اختلف في تحديد ليلة الاسراء والمعراج كما اختلف في تحديد يوم البعثة، مع اختلاف ان الاسراء والمعراج حصل للنبي ليلا بعد أن صلّى العشاء الآخرة وعاد فصلى الفجر في مكة، بما رجّح أن يوم 27 من شهر الله رجب هو يوم البعثة النّبوية الذي يحتفل به المسلمون الشيعة الإمامية، اتفاقا بلا خلاف بينهم، ومن اتّبع الهدى رشَد( ما تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي) (1)
وتبقى ادّعات من ادعى، بأن ليلة 27 من شهر رجب، وقعت فيها حادثة الإسراء والمعراج للنبي ، مجرّد أقوال لم تجتمع عليها أقوال الحفاظ، بعدما اختلفت في السنة والشهر واليوم، فبالنسبة للسنة ذهبوا إلى ثلاثة أقوال:
أنها وقعت خمس سنوات قبل الهجرة النبوية المباركة، أو أنها وقعت سنة قبلها، وقول ثالث قال أن الحادثة وقعت شهرا قبل ذلك،أما الشهر فمنهم من قال أنه ربيع الأول، ومنهم من قال أنه في ذي القعدة، ومنهم من إدّعى أنه وقع في شهر رجب، ومع اختلاف تعيينات هذه الحادثة، فإن اضطراب أقوال اصحابها، في تعيين يومها وسنتها، دليل على بعدهم عن ادراك التاريخ الصحيح، لأغلب التوريخ الاسلامية، المرتبطة بالنبي، وأهل بيته أولى بأن يكونوا مرجعا للأمة من بعده، في الأخذ عنهم سيرة وسنة مطهرة، خصوصا وهم من اصطفاهم الله بأن اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
وما شاع في عامة المسلمين بأن ليلة 27 رجب وقع فيها الإسراء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والمعراج به إلى الملكوت الأعلى لا تعضده الروايات الضعيفة والموضوعة.(2) لقد كانت بعثة الرسول (ص) في السابع والعشرين من شهر رجب في غار حراء، الواقع في جبل النور، القريب من مكة، في السنة الثالثة عشرة قبل الهجرة، بحسب ما هو مشهور لدى المسلمين الشيعة الإمامية الاثني عشرية.(3) ولا ينافي نزول القرآن في شهر رمضان بدء البعثة، في تاريخ ال27 من شهر رجب، لعدم تعارض التاريخين، في كون البعثة بدأت في ذلك التاريخ، وليلة القدر نزل فيها ما يحتاجه الخلق، من أمر ونهي وغيرهما.
تضمن جامع أحاديث البخاري تشويها عقائديا مفضوحا بخصوص النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومع ذلك بقي قائما فيه بلا حرج منه ولا من غيره ممن تبعه بالتعظيم، حتى بلغوا به درجة أصح كتاب بعد كتاب الله، وهو لا يتعدى غيره من الكتب التراثية، التي يجب أن تنزع عنها القداسة، لتخضع للنقد العلمي، وتنقى مما اعتراها من أكاذيب.
إحدى روايات بدء الوحي منسوبة إلى عائشة، وعنها إدعى ابن أختها عروة بن الزبير أنّه أخذ، وتبعه الزهري على ذلك، مردودة سندا، لعدم إخبار عائشة عمن أخذت روايتها، وهي التي لم تولد وقتها.
عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت: أَوَّلُ ما بُدِئَ به رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ في النَّوْمِ، فَكانَ لا يَرَى رُؤْيَا إلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، فَكانَ يَأْتي حِرَاءً فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ، وهو التَّعَبُّدُ، اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ، ويَتَزَوَّدُ لذلكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلى خَدِيجَةَ فَتُزَوِّدُهُ لِمِثْلِهَا، حتَّى فَجِئَهُ الحَقُّ وهو في غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فِيهِ، فَقالَ: اقْرَأْ، فَقالَ له النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فَقُلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقالَ: اقْرَأْ، فَقُلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقالَ: إقْرَأْ، فَقُلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقالَ: {إقْرَأْ باسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ}(4) – حتَّى بَلَغَ – {عَلَّمَ الإنْسَانَ ما لَمْ يَعْلَمْ}(5) فَرَجَعَ بهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ، حتَّى دَخَلَ علَى خَدِيجَةَ، فَقالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حتَّى ذَهَبَ عنْه الرَّوْعُ، فَقالَ: يا خَدِيجَةُ، ما لي وأَخْبَرَهَا الخَبَرَ، وقالَ: قدْ خَشِيتُ علَى نَفْسِي فَقالَتْ له: كَلَّا، أبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ به خَدِيجَةُ حتَّى أتَتْ به ورَقَةَ بنَ نَوْفَلِ بنِ أسَدِ بنِ عبدِ العُزَّى بنِ قُصَيٍّ وهو ابنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أخُو أبِيهَا، وكانَ امْرَأً تَنَصَّرَ في الجَاهِلِيَّةِ، وكانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العَرَبِيَّ، فَيَكْتُبُ بالعَرَبِيَّةِ مِنَ الإنْجِيلِ ما شَاءَ اللَّهُ أنْ يَكْتُبَ، وكانَ شيخًا كَبِيرًا قدْ عَمِيَ، فَقالَتْ له خَدِيجَةُ: أيِ ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أخِيكَ، فَقالَ ورَقَةُ: ابْنَ أخِي مَاذَا تَرَى؟ فأخْبَرَهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما رَأَى، فَقالَ ورَقَةُ: هذا النَّامُوسُ الذي أُنْزِلَ علَى مُوسَى، يا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، أكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ فَقالَ ورَقَةُ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بمِثْلِ ما جِئْتَ به إلَّا عُودِيَ، وإنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ ورَقَةُ أنْ تُوُفِّيَ، وفَتَرَ الوَحْيُ فَتْرَةً(6) حتَّى حَزِنَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فِيما بَلَغَنَا، حُزْنًا غَدَا منه مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِن رُؤُوسِ شَوَاهِقِ الجِبَالِ، فَكُلَّما أوْفَى بذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَيْ يُلْقِيَ منه نَفْسَهُ تَبَدَّى له جِبْرِيلُ، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، إنَّكَ رَسولُ اللَّهِ حَقًّا، فَيَسْكُنُ لِذلكَ جَأْشُهُ، وتَقِرُّ نَفْسُهُ، فَيَرْجِعُ، فَإِذَا طَالَتْ عليه فَتْرَةُ الوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذلكَ، فَإِذَا أوْفَى بذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّى له جِبْرِيلُ فَقالَ له مِثْلَ ذلكَ.(7)
ما يعاب على الرواة والحفاظ، الذين أداروا ظهورهم لأئمة أهل البيت عليهم السلام، فأحتواهم أحبار اليهود، ككعب الأحبار، وعبد الله بن سلام، ووهب بن منبّه، وآخرون مرّوا في الخفاء، فلم يذكرهم التاريخ، مع أن بصمات إفساد عقيدة عموم المسلمين في التوحيد والنّبوّة، تركوها بادية لمن يعقل، وهذه الرواية تعتبر من أتعس ما مرّره هؤلاء المندسّين، ضحكا على ذقون من قبلوها منهم، واعتبرها عنوانا وصورة لبداية الوحي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهي أبعد ما تكون عن حقيقة الوحدة وواقعها الثابت، الذي لم يتغيّر من نبيّ إلى آخر.
ونزول الوحي يستوجب تمام الشخصية واستكمالها، وقد بلغ النبي أشده 40 سنة، وطبيعة الوحي تنفي عنه إمكانية الفزع أو استعمال القوة، (لا تخف إني لا يخاف لديّ المرسلون) (8)، فكيف نقبل أن خاتم الأنبياء يفزع أو يخاف أو يعامله الوحي بقوة مفرطة، فيكلفه بما لا يطيق مع أن الله قال: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (9)
الرواية مليئة بالتشويهات التي اجتمعت على تصوير النبي صلى الله عليه وآله وسلم تائها مفزوعا مربكا، شاكا لا يدري أهو نبي أم هو واهم؟ وفي المقابل صورت زوجته هادئة مطمئنّة مرشدة، وورقة بن نوفل عارفا قبله، بأن الذي نزل عليه هو الناموس الذي نزل على موسى – ولقائل أن يقول طالما أن ورقة تنصّر، فمن باب أولى أن يقول أنه الناموس الذي نزل على عيسى- وبقطع النظر عن نبوءات ورقة، بأن قريش ستخرج النبي وتحاربه، فإن ما يستفزنا هنا، حالة الإحباط التي نسبتها الرواية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومحاولاته المتكررة للإنتحار بإلقاء نفسه من رؤوس الجبال الشواهق، هذا قليل مما حواه جامع أحاديث البخاري المعنون بالصحيح، رأيت ضرورة التطرّق إليه، لعلّ عموم المسلمين يستفيقوا، مما دّسه لهم أعداؤهم من أكاذيب، تعلّقت بعقيدة الإسلام، لغاية إفسادها.
ذكرى البعثة النبوية المباركة تدعونا إلى إعادة النظر في تراثنا الاسلامي، الذي كان على مرّ الزمن عرضة للتشويه، وإحياء هذه الذكرى العزيزة، تستوجب من الذين تنكّبوا عن صراط اهل البيت عليهم السلام، البحث عن طريق خلاص من تلك الدّسائس، تصحيحا لعقيدتهم في النبوّة، وإعطاء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يستحق من قداسة، تنفي عنه ما يعتري شخصه ومقامه، مما أصابه به المفترون عليه، ولا خلاص لهم بغير العودة إلى المستحفظين على الاسلام، ونبعه الصافي من دنس التشويه.
المراجع
1 – سنن الترمذي ابواب المناقب باب مناقب اهل بيت النبي ج6ص125ح3788/مسند أحمد مسند الانصار ج35ص456ح21578 / مسلم كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل علي بن ابي طالب ج7ص122ح2408
2 – زاد المعاد في هدي خير العباد ابن القيّم ج1ص 54
3 – تاريخ اليعقوبي ج2ص15/تاريخ الطبري ج2ص293
4 – سورة العلق الآية 1
5 – سورة العلق الآية 5
6 – كتاب التفسير سورة اقرأ ج6ص173ح4953/صحيح البخاري كتاب بدأ الخلق ج4ص116ح3238
7 – صحيح البخاري كتاب التعبير باب أول ما بدئ به الرسول من الوحي ج9ص29ح6982
8 – سورة النمل الآية 10
9 – سورة البقرة الآية 286