بقلم: محمد الرصافي المقداد |
ككل عام يحتفل الايرانيون بعيد النيروز، ومفتتح السنة الهجرية الشمسية ودخول الربيع، وهي تقاليد دأب عليها الشعب الإيراني، منذ ان أسس حضارته، وبقي محافظا عليها، بعد أن اعتمد تأريخ الهجرة النبوية بالتقويم الشمسي.
ومنذ أن استلم الامام القائد السيد علي الخامنئي مسؤولية الولاية، تجلى حرصه على افتتاح هذا العيد، الجامع لخصال الحضارة والدين، ومن مقام أنيس النفوس، ثامن أئمة أهل بيت الهدى، أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام، بخطاب موجه الى الشعب الايراني، ومن ورائه كل مهتم بالشأن الاسلامي ونظام حكمه.
ففي عصر الخميس 21/3/2019 وتيمنا بالمقام الطاهر، الذي يفد اليه الايرانيون، والموالون لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كل حدب وصوب، وأمام جموع غفيرة جدا، ألقى كلمته المتّزنة، فكانت شديدة الوضوح والشفافية، كشفت المزيد عن حنكة قائد، يصعب على بقية شعوب العالم أن تجده بينها مثله جديرا بقيادتها.
ففي أوّل أيام السنة الجديدة 1398 هجرية شمسية، افتتح الامام الخامنئي كلمته بتفاؤل كبير قائلا: (أنّ هذا العام سيكون عام الفرص والانفراج، وأنّ من الواجب إلحاق الهزيمة بالعدوّ في الشأن الاقتصادي).
ورأى الامام الخامنئي أن العدوّ بتسليط العقوبات الاقتصادية على إيران، ومضاعفتها وتشديدها، هو اعلان حرب على الشعب الايراني ونظامه، بل اعتبرها في مجموعها الذي وصلت اليه لحد هذه السنة، اعلان حرب اقتصادية، لا تقل أهمية وخطرا عن بقية الحروب العسكرية والامنية والاستخبارية، لذلك شدّد على أهمية الاستعداد لمواجهة هذه الحرب، وبذل المزيد من الجهود من طرف خبراء ومهندسي وعلماء البلاد، وقواها العاملة، على افشال اهداف اعداء ايران في شل حركتها، وايقاف نموّها الاقتصادي، وبالتالي ايحاد مناخ فوضى واضطرابات في البلاد، تفتح المجال لتدخل الاعداء في الشأن الداخلي وتعطي لهم فرصة لتحقيق أهدافهم.
وفي تعليق له على تصريحات البعض، بأنّ هذا العام هو عام التهديدات، قال سماحته: (إنّني أرفض بالمطلق هذه التصريحات، بل أعتقد أنّ عام 1398 هجري شمسي سيكون بفضل الله عام الفرص، وعام الإمكانات وعام الانفراجات.)
لقد كان خروج امريكا من الاتفاق النووي المبرم بين ايران والدول 5+1 بمثابة تحريض ودعوة بقية الدول الى النسج على منوالها، لكن ذلك الاجراء الاحادي الجانب من الرئيس الامريكي ترامب لم يلقى تجاوبا من بقية الشركاء الاوروبيين، وفي نفس الوقت عجز جانبهم عن الوفاء بالتزاماته تجاه ايران واصفا القناة المالية التي وعدوا بفتحها بانها أشبه بالهزل المرّ، موضّحا (أن الفارق ما بين الواجب الملقى على عاتق الجانب الأوروبي وبين ما يطرحه، كالفارق ما بين السماء والأرض، وفي آخر قضية دولية لنا، عمد الأوروبيون كما في الماضي، إلى خيانتنا وطعننا من الخلف، لذلك لا يمكن أن نترقّب منهم خيراً أبداً.)
وانتهى سماحته الى القول بخصوصها الى عدم جدوائية هذه الالتزامات، ومفاعيل الوعود والاجراءات الاوروبية، بما يؤشر الى أمكانية خرق الاتفاق من الجانب الايراني، وانهاء الالتزام به بلا أسف عليه.
كلمة سماحته بهذا الملف كانت خلاصة رأيه الأول، منذ ابرام الاتفاق، حيث لم يكن متحمسا ولا متفائلا به، بل لقد كان حذر من مغبة تصديق قسم من اطرافه، اعتمادا على تجربة معهم، منذ انتصار الثورة الاسلامية سنة 1979 الى اليوم، حيث قال: (كان واجب الأوروبيين أن يقفوا أمام أمريكا ويقولوا لها: نحن نلتزم بتعهّداتنا، وتعهّدهم كان إلغاء قرارات الحظر بالكامل، وأن يقفوا بقوة وصلابة، ولكنهم لم يقفوا أمام أمريكا بحجج مختلفة وحسب، بل وخرجوا عملياً من الاتفاق النووي، وذلك من خلال فرض عقوبات جديدة ضدّ إيران، هذا هو سلوك الأوروبيين، هل يمكن توقّع شيء من هؤلاء؟)
وبخصوص الاستعداد لمواجهة أيّ تهديد للبلاد، تحسّبا لما يمكن ان يصدر عن الاعداء قال سماحته:( ينبغي علينا إيجاد قوّة ردعٍ لإلحاق الهزيمة بالعدوّ، فقد تلحقون الهزيمة في بعض الأحيان بالعدوّ، لكنّ العدوّ يبقى يتحيّن الفرصة، لكي يوجّه ضربةً أخرى.. ينبغي أن نبلغ بأنفسنا نقطة، نتمتّع فيها بقوّة الرّدع، أن يدرك العدوّ أنّه عاجزٌ عن توجيه الضربات للبلاد، من خلال الفجوات الاقتصاديّة، وامتلاك قوّة الرّدع متاح لنا، كما هو الحال في الشؤون العسكريّة، وظروفنا الحاليّة على هذا النّحو، يوماً ما (حرب الثماني سنوات المفروضة) كانت طائرات العدوّ تقصف مدننا، ولم نكن نملك وسيلة دفاعيّة، ثمّ بعد أن امتلكنا الإمكانيّات، يعلم أعداؤنا في المنطقة اليوم، أنّ الجمهوريّة الإسلامية قادرة بواسطة صواريخها ذات التقنيّة النقطويّة على مواجهة وتدمير أيّ عدوّ في هذه المنطقة.)
وتعليقا لسماحته على بناء أمريكا ودول الغرب مفاعلات نووية وصاروخية في السعودية قال: (لا أعرف بلداً في هذه المنطقة، وفي كلّ أرجاء العالم، أسوء من الحكومة السعوديّة، فهي مستبدّة، ودكتاتوريّة، وفاسدة، وظالمة، وخانعة، وتابعة أيضاً، يوفّرون لهذه الحكومة إمكانيّات نووية، وقد أعلنوا أنّهم سيبنون لها مفاعلات نووية، وأنّهم سيبنون لها منشآت صاروخيّة، ولا مشكلة لديهم في ذلك، لأنها دولة تابعة وخانعة لهم، طبعاً إذا ما بنوها لهم، فهذا ما سوف لن يزعجني ويحزنني، لأنّني أعلم أنّ هذه كلّها، ستقع في المستقبل القريب بيد مجاهدي الإسلام إن شاء الله.)
كما دعا سماحته الشعب الى مواجهة الحرب النفسية التي يشنها العدو على ايران، بعدم الاصغاء الى التهويلات التي ترددها الاصوات المتأثرة بالدعايات الغربية وتصديق مضامينها البعيدة كل البعد عن واقع ايران وامكانياتها، وحقيقة نظامها وثورته المباركة، وشدد على أن تتكاتف جهود مختلف أفراد القوى الوطنية والاسلامية العاملة بإيران، على بذل المزيد من الجهد، من أجل بلوغ الغاية من امتلاك وسائل مواجهة الاعداء، وردعهم عن القيام بأي حماقة تخالجهم.
هكذا اذا يفتتح الامام الخامنئي السنة الهجرية الشمسية الجديدة، موضحا ما يجب أخذه بعين الاعتبار، والعمل عليه داخليا وخارجيا، بنظرة حكيمة وتفاؤل اسلامي مشروع.