بقلم: هشام البوعبيدي |
من كان ليتخيّل، قبل بضع سنين، أن يتحول الاحتفال بيوم القدس الى ما يشبه الكرنفال العالمي وأن يتردّد صداه في كل أرجاء المعمورة، فيتعدى بوتقة انحصاره المكاني وحيزه الزماني وحدوده القيمية الى آفاق أوسع وأشمل وأبعد تعادل رحابة القيم الانسانية في اطلاقيتها.
لقد بدا تخصيص يوم عالمي للقدس غريبا، “فطوبى للغرباء”، والعرب والمسلمون حينها هدف لكل رام مشتتين ومستضعفين، وما غزي قوم في دارهم الا ذُلّوا، بين عربدة الصهاينة وعبث الأمريكان وتلاعب السوفيات الذين استلموا كعكة المنطقة هنيئا مريئا من قوى الاستعمار التقليدية فرنسا وأنقلترا، أضيف لهم طعنة السادات باتفاقية كامب ديفيد المشؤومة التي أخرجت مصر من دائرة الصراع العربي الاسرائيلي وتركت خاصرة المقاومين مكشوفة تتلقى الطعنة تلو الطعنة، قد شحذ لهم الإخوة خناجر الغدر قبلما سواهم…
فكان أن أعلن آية الله الخميني بعد قيام الثورة الاسلامية الايرانية، آخر جمعة من شهر رمضان يوما عالميا للقدس، فجمع بين بركات ثلاث: قداسة اليوم (الجمعة) وقداسة الشهر (رمضان) وقداسة المكان (القدس)، تزامنا مع افتتاح أول سفارة فلسطينية في العالم التي عوّضت سفارة الكيان الصهيوني التي كان علمها يرفرف في سماء طهران زمن الشاه، فكان أن جافاه الأقرب قبل الأبعد “وظلم ذوي القربى أشد مضاضة”، ولم يكن هيّنا على “أنظمة الردّة” العربية أن يروا راية المقاومة وفلسطين تعلو من جديد بعدما ظنوا أنها خفتت مع رحيل جمال عبد الناصر، ولا على الصهاينة فقدان حليف حميم ولا على الأمريكان مغادرة إيران التي كانت عصاهم الغليظة في المنطقة، فكان تحالفهم الهجين وتآمرهم المستمر ومكرهم الكبَّارا.
لقد أصبح يوم القدس العالمي يوما عالميا لمقارعة الاستكبار، وعنوانا لاستعادة القيم الانسانية التي غيّبتها أطماع السياسة وتحالفات التوحّش، وكسرا لقيود الظلم والاستبداد واستضعاف الشعوب التي ترزح تحت نير الاستعباد، وقد تم الاحتفال بهذا اليوم في أكثر من 128 بلدا بالقارات الخمس دلالة على ما بات يمثّله من اشعاع واستقطاب للقوى الحية، رغم حلقات التآمر التي تسعى لطمر القضية الفلسطينية عبر ما يسمى بـ”صفقة القرن” بالتحضير لها عبر القمم الثلاث الأخيرة ومؤتمر البحرين التطبيعي المقبل، والتي لن يكتب لها النجاح طالما نبض الشارع العربي والإسلامي والانساني عموما في حراك دائم لاستكمال استحقاقاته في الحرية والعدالة والكرامة.