قانون قيصر أقره مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكي بناء على صور ووثائق قدمها شخص (مجهول) لم يعلن عن هويته؛ اتهم فيها الدولة السورية وأجهزتها بممارسة التعذيب ضد المدنيين في الفترة بين 2011 و2014، وبناء على معلومات الشخص المجهول قدم لمجلس النواب والشيوخ الأمريكي مشروع قانون باسم قانون قيصر (المجهول) تحت عنوان حماية المدنيين في سوريا، وأُقر في صيغته النهائية في ديسمبر 2019 وأصبح جزءًا من قانون الدفاع الوطني الأمريكي. هذا يعني أن أداة تنفيذ القانون سيكون من صلاحيات وزارة الدفاع الأمريكية، بعد أن يتم توقيعه من قبل الرئيس الأمريكي ترامب. من الواضح أن توقيت توقيع نفاذ القانون يرتبط بعدة عوامل؛ الأول: حراك African American من جهة، واستحقاق الانتخابات الأمريكية ووقف الاندفاع لتطبيع العلاقات مع دمشق عربيًا ودوليًا. الإدارة الأمريكية تريد من إقرار القانون والحملة المرافقة تصدير أزمتها الداخلية للخارج كون القانون يشمل كل من يقدم دعم ويساند سوريا الدولة ورئيسها، وهذا يعني بشكل مباشر كل من روسيا والصين وإيران، وداخليًا تريد الاستثمار فيه من أجل حشد اليمين الصهيوني الأمريكي خلف إدارة ترامب في حملته الانتخابية. لإقرار القانون يتطلب من وزارة الدفاع الأمريكية تقديم خطة توضح رؤيتها لتنفيذ القانون، وإذا ما بدأت في تنفيذه فإنها بالتأكيد ستتصادم مع مصالح كل من روسيا والصين و إيران التي سارعت كل منها في إعلان تأكيد رفضها الحاسم للقانون، بل أخذت إجراءات فردية وجماعية لتوجيه رسائل للإدارة الأمريكية بجدية موقفهم عبر تقديم مساعدات عسكرية واقتصادية وسياسية لدمشق. ولكي يتم تنفيذ القانون يتطلب قوانين وإجراءات قيصرية في الإقليم؛ ما يعني أن الدول المحيطة في سوريا عليها تقديم واتخاذ الإجراءات لنفاذ القانون، والواقع يقول: أن حلفاء وتابعي البيت الأبيض هم منذ بداية الحرب على ومع سوريا ينفذون بنود القانون قبل صدوره، بل إن بعضهم ذهب أبعد من ذلك، في تمويل والاشتراك في الحرب على سوريا.
من الواضح أن القانون يستهدف كل من إيران والعراق ولبنان و اليمن وسوريا، وإلى حد ما الأردن من زاوية الضغط والتهويل في إطار الضغوط للموافقة على تمرير صفقة القرن أو على الأقل التغاضي عنها، وفي كلا الحالتين سيكون الأردن أمام أزمة بأبعاد داخلية وخارجية ستطال كيانه ودوره، وهنا فأفضل خيار له هو إعادة قراءة سياسية شاملة للمتغيرات الإقليمية خاصة، بعد التهديدات العسكرية التي أطلقت من قبل بعض الشخصيات الصهيونية للأردن، هذه التهديدات التي ترافقت مع نبش أمريكي لملف أحلام التميمي، كمدخل للضغط المزدوج على الأردن في ملفي صفقة القرن وقانون قيصر. أما عن العراق فهناك معركة تخاض فيه على نار هادئة لا تعرف نتائجها، وهي المعركة الأهم لكل من سوريا وإيران وحزب الله في لبنان، والمرجح أن هذه المعركة تتطلب عمليات قيصرية يعمل على تهيئتها كلا الطرفين. أما لبنان الذي يرزح تحت مجموعة أزمات مركبة فهي الحلقة الأضعف أمريكيًا إذا ما خيضت بحكمة وتأني؛ فعنوانها إنهاء الفساد السياسي والإداري والاقتصادي هذه العناوين التي يجمع عليها الشعب اللبناني، وهي بالأساس عناوين المقاومة اللبنانية وقواها الوطنية التي لم تكن مسؤولة يومًا عن ملفات الفساد، وهنا فإن إدارة معركة الفساد في لبنان لا يمكن أن تنفصل عن إدارة معركة الفساد في كل من حلقات سوريا والعراق، هذه معركة واحدة مرتبطة ببعضها البعض في الإطار العام، حيث تريد واشنطن استخدام عنوان الفساد لخلق انطباع أن المقاومة وحلفائها هم مسؤولون عن ملفات الفساد أو التغطية عليها في الحد الأدنى لتقويص الثقة الشعبية بالمقاومة التي يجب عليها أن تطرح خياراتها الوطنية على الطاولة كمخرج للحل الاقتصادي الوطني، هذا الحل الذي يتعارض مع سياسات البنك الدولي وأدواته المحلية.
تريد واشنطن التعامل مع كل من حلقاتها الإقليمية بشكل منفرد وبعناوين وأدوات محلية مختلفة؛ ضاغطة على الأطراف وحلقاتها، ونجاحها في واحدة يعني إسقاط الحلقات الأخرى، وبالنتيجة انتصار بالضربة القاضية على المصالح الروسية والصينية والإيرانية مجتمعة. قانون قيصر يهدف للتركيز على الحلقة الأضعف وهي الحلقة السورية، ومنها تنطلق إلى إسقاط الحلقات الأخرى،وهذا القانون وأداة تنفيذه البنتاغون بدأ بالعنوان المعيشي في سوريا، أي إسقاط الدولة السورية والثقة بها من خلال التلاعب مرة أخرى بالعامل الداخلي لاستخدام بعض القوى لتدمير ممنهج لاقتصادها. الحلقة الأقوى للمقاومة هي الحلقة اللبنانية والانتصار فيها عامل حاسم لدعم انتصار سورية والعراق. الإعلان الأمريكي أن قانون قيصر لا يشمل مناطق شمال شرق سوريا (سيطرة الأكراد وأدواتها)؛ يهدف إلى خلق واقع تمايز معيشي، لإحداث عملية نزوح إليها، بالإضافة إلى استخدامها كمنطقة يؤهلها القانون لتقويض الدولة السورية. إن سياسة تدمير اقتصاد سورية من خلال حرق المحاصيل الزراعية وأهمها القمح وتهريب النفط السوري والحرب على الليرة السورية؛ سياسة خبيثة تهدف إلى تقليص مدخرات السوريين لتقويض إمكانيات الدولة من جانب وإسقاط الثقة بها من قبل حواضنها، وبذات الوقت تدمير مدخرات المواطن السوري وصموده وإظهار تنافسية معيشية بدعم أمريكي خليجي مع الدولة السورية، تهدف لتعميق الفارق المعيشي بين “مناطق قسد” ومناطق الدولة السورية.
من جانب آخر، يهدف لاستهداف الداخل اللبناني المرتبط عضويًا بالداخل السوري؛ بغض النظر عن كل ما يطلق من تصريحات عنترية، فالواقع يقول أن رئة لبنان هي سورية، ولا حل لأزمات لبنان إلا عبر حل أزمات سورية، والمعركة السياسية والاقتصادية ضد الفساد هي معركة واحدة وعناصرها وأدواتها مرتبطة مصلحيًا في كل من لبنان وسوريا. الأهم، لكي ينفذ قانون قيصر يتطلب عناصر داخلية في كل من لبنان وسوريا والعراق والأردن وإيران وروسيا لكي تلعب دورًا تخريبيًا في بعض المناطق وتحريضيًا وانفصاليًا في أخرى، ومحاولات تضليلية لفصل معركة الفساد وإعطاء صفة محلية لكل منها، ولكن المدقق الوطني يرى أن معركة الفساد جوهر عنوانها هو سياسات واشنطن في المنطقة التي تهدف إلى تفتيت المجتمعات؛ إن كانت عبر سياسات الغزو المباشر الذي أدى إلى تدمير العراق وتفتيت شعبه وامكانياته أو من خلال الحرب على سوريا من خلال التنظيمات الإرهابية من داعش وأخواتها أو عبر التحريض الداخلي؛ من خلال الاستثمار في إحياء الصراع الطائفي والمذهبي والقومي والمناطقي لتغيير أولوية المهام الوطنية. أما عن قانون قيصر(المعروفة هويته)، فيجب أن يصدر عن الأمم المتحدة لحماية المدنيين الفلسطينيين والعراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين والصوماليين والأفغانيين، وليحاسب كل من الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما على الجرائم الموثقة بشهود عيان معروفة هويتهم ومدرجة أسمائهم في دوائر الأحوال المدنية التي شطبت منها نتيجة عمليات قتل ممنهجة في ملجأ العامرية الذي ذهب ضحيته الآلاف؛ من أطفال ونساء العراق وشيوخه في عهد بوش الأب، و700 ألف عراقي، وجرائم أبو غريب في عهد بوش الابن. قانون قيصر (المعروفة هويته)، يجب أن يصدر من هيئات شرعية دولية لمحاسبة مجرمي الحرب الصهاينة الذين سلبوا وقتلوا وعذبوا وسجنوا مئات آلاف الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين واليمنيين والسوريين، جميعهم ارتكبت بحقهم جرائم حرب معلنة وموصوفة، وقيصر معروف وموثق عبر وسائل الإعلام والمجرمون في بعض الحالات افتخروا ورقصوا ونشروا صورهم مع ضحاياهم. قانون قيصر الأمريكي، يجب أن يصدر لإدانة قتل وإبادة “الهنود”؛ أصحاب الأرض الأمريكية. قانون قيصر الأمريكي، يجب أن يصدر لإدانة الجرائم التي ارتكبت بحق الأفارقة؛ إن كانت عبر خطفهم أو عبوديتهم أو قتلهم الممنهج على مدار عشرات السنين من قبل اليانكي الأبيض. قانون قيصر الأمريكي، يجب أن يصدر لإدانة السقوط الأخلاقي للسياسات الأمريكية العدوانية وحلفائها في فيتنام، واستخدامها الأسلحة النووية ضد المدنيين العزل في ناكازاكي وهيروشيما، وضد محاصرة وتجويع شعوب أمريكا اللاتينية. قانون قيصر ضد سوريا الذي عنوانه حماية المدنيين هو في جوهره قانون تجويع وإهانة المدنيين، واستخدامه كسلاح اقتصادي؛ من أجل فرض تغيير ولائهم بالقوة أو بالموت السريري، وهذا يؤكد السقوط الأخلاقي لمدعي الحرية والعدالة والديمقراطية التي أساسها حرية الخيار الفردي والجمعي؛ إن كان سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي.
الدولة السورية وحلفائها في الإقليم عليهم خوض معركة الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بجدية وحزم، خاصة في الداخل السوري؛ عبر رفع الغطاء عن بعض عناصره وأدواته ومحاسبتها على قاعدة القانون الذي يجب أن يتساوى أمامه الجميع. إن إعادة الثقة بالدولة وأجهزتها مهمة ملحة في سورية كون قانون قيصر يستهدف الحواضن الشعبية التي صمدت طيلة الفترة الماضية في الحرب على سورية، وكانت السبب الرئيسي في صمود سورية وأبنائها، هؤلاء من وقفوا في وجه الهجمة الهمجية على سورية وشعبها. قانون قيصر يفرض واقعًا إقليميًا لتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والأمني بعيدًا عن سياسات الضغط الاقتصادي الأمريكي، ويتطلب إعادة تموضع الاقتصاد على أساس اقتصاد لمواجهة الحرب الاقتصادية التي أعلنت عبر قانون قيصر. التجربة أكدت أن كوبا وبالرغم من إمكانياتها الأقل من سورية ومحيطها؛ صمدت أمام أعتى حرب معلنة وشاملة عليها، وأنتجت دولة فرضت احترامها على الجميع، وقدمت المساعدات للدول الفقيرة والغنية في معاركها لحماية الإنسانية. سورية ولبنان والعراق وغيرهم، يستطيعوا الاستفادة من التجربة الكوبية التي أول عمل قامت به كان تصفية القوى الداخلية الرجعية؛ أدوات التدمير الداخلي للعدوانية الأمريكية، واعتماد القوانين الاقتصادية الحربية لمواجهة العدوانية الأمريكية.