بقلم: محمد الرصافي المقداد |
اجتمع وزراء الداخلية والعدل بتونس يومي 3 و 4 مارس الجاري، للتباحث في مسائل عديدة، متعلقة بالأمن والإرهاب، وكما هو متوقع ورغم البيان المتحفظ، فان هذا الاجتماع لن يشذ عن سابقيه وكان كالعادة فرصة دول من الخليج، اتخذته منبرا للتهجم من جديد على ايران، والنيل من محور المقاومة، ومؤتمرا لاستصدار قرارات وتفاهمات جديدة ضدهما، استجابة لرغبة أمريكية صهيونية، تستحث خطواتها هذه السنوات كل من السعودية والإمارات، راعيتي الارهاب والفوضى في المنطقة العربية.
جدير بالذكر أنه منذ 3 سنوات (2/3/2016) تمخض اجتماع وزراء الداخلية العرب على اعتبار مليشيا حزب الله اللبنانية جماعة إرهابية، متّهمين إياها بزعزعة الاستقرار في المنطقة العربية، لوم يتحفظ على ذلك سوى لبنان والعراق، وبذلك تكون الحكومات العربية، قد استجابت لتحريض مجلس التعاون الخليجي على إيران وحزب الله، وكانت الجملة التي وردت في بيانهم الختامي لاجتماعهم في تونس رديئة ومقرفة: (ندين إدانة كاملة حزب الله الإرهابي لدوره في زعزعة الاستقرار في المنطقة العربية)، أتثبت من جديد أن هناك مسار قسري، تدفع اليه دول عربية بالترغيب والترهيب.
ويبدو ان انفضاض مؤتمر وارسو، دون المأمول الذي كان تنتظره أمريكا -عدوة ايران الاولى وحلفاؤها- في مقابل نجاح مشروع المقاومة الذي ترعاه ايران، والذي أصبح بتمدده يشكل عامل إعاقة لمشاريع الاستكبار والصهيونية، في استعمار شعوب المنطقة واستنزاف مواردها.
حالة التهافت التي يشهدها حراك الدول الغربية بزعامة امريكا، وبدفع قوي من الكيان الصهيوني، بلغت اوجها في اصدار عقوبات استهدفت ايران، وصنفت حزب الله المقاوم على قائمة الجماعات الإرهابية، كما حصل اخيرا في بريطانيا، حيث وافق مجلس اللوردات على تصنيف حزب الله، بجناحيه السياسي والعسكري كيانا ارهابيا، قابله نظام المملكة الوهابية والكيان الصهيوني بفرح وارتياح، ودعيا الي النسج على منواله والإحتذاء حذوه، وأعتقد أن المؤتمر المزمع عقده بتونس، سيتمخض عنه قرار يستهدف مزيدا من التشويش على مشروع المقاومة، ومحاولة عرقلة بعض اشعاعها بين أوساط الشعوب العربية والإسلامية، فإن أخشى ما يخشاه أعداء مشروع تحرير فلسطين، هو العمق الجماهيري في تبنيه للقضية الفلسطينية، ومناصرة حركات مقاومتها، وقد أصبح اليوم في أحسن حالاته، قد تنامت عناصره الطيبة، وتمددت حركته الجهادية المؤثرة إلى ثلاث دول، هي سوريا العراق واليمن، الشيء الذي آثار حفيظة وفزع الدول الراعية للإرهاب، خوفا من بلوغه حد التحكم في توقيت المواجهة المرتقبة، بوصوله الى مستوى الامساك بعناصر ادارة المعركة، والتحكم في ردهاتها، وتحقيق الانتصار على أعداء فلسطين والأمة الاسلامية، مهما كثرت جحافلهم.
السباق المحموم الذي تقوده امريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني، وعملاؤهم في المنطقة العربية، من أجل قلب مفهوم المقاومة، وتحويله الى ارهاب، ومحاولة فرضه على المجتمع الدولي، مفهوما سياسيا جديدا، يريد عزل المقاومة الاسلامية، في اطار بعيد عن شرعية أعمالها النضالية، المشروعة عادة لكل شعب انتهكت سيادته واحتلت ارضه، والصاق صفة الارهاب به، تشويها لصورته في الدفاع عن حقوقه، ومسخا لأهدافه في التحرر من قبضة أسوا استعمار حدث في تاريخ البشرية.
لقد كان من الأجدر بالحكومات العربية الممثلة بوزراء داخليتها وخارجيتها ان تلتفت إلى مصادر الارهاب ومموليه، ومشغلي سطوته على دول بأكملها، لا يزال بعضها يعيش تحت تهديده، ذلك أن الفكر الوهابي الهدام الذي اخرج لنا وحش الارهاب، يسوم شعوبنا صنوف العدوان، هو المذهب الرسمي لنظام ال سعود، فلماذا السكوت عليه وعدم اتخاذ موقف عربي واضح منه؟
وكان من باب أولى عدم الانصياع وراء الطلبات الأمريكية والسعودية والإماراتية، في معاداة حركات المقاومة الإسلامية، وتوصيفها ارهابية بهوى صهيوني مفضوح، ومع ذلك نرى ان حبل مواصلة الاستعداء على خيارات الشعوب، في مقاومة ظلم واستبداد الاستكبار والصهيونية، لا يزال متواصلا، ومحاولة قلب حقائقها بما لا ينطبق عليها، امضاء لغرس عقلية ترى رأيهم، وتحضيرا لعدوان عليها، بغية استئصالها وانهاء وجودها، وتمكين الكيان الصهيوني الغاصب من بسط هيمنته، وتوسيع نفوذه في المنطقة باسرها.
ثم ماذا يمكن أن ننتظر من أنظمة اشاحت بوجهها عن فلسطين وشعبها، ورضيت ان تتخلى عنهما نزولا عند رغبة اسيادها، وتدخل بأمرهم مرحلة جديدة من التطبيع َمع الكيان الغاصب، ليتحول في قاموس سياستها من عدو خطير، يجب القضاء عليه، إلى صديق حميم، يجب ان يفسح له مجال التمكن والتحكم، وتصبح ايران وحلف مقاومتها الباسل عدوين، يشكلان خطرا على المنطقة.
ولا استغرب في أن يخرج المؤتمرون بتوصيات أخرى سرية، يكون انصار المقاومة وأحبّاء ايران فيها، تحت طائلة المتابعة والتضييق، كما يحدث في مصر والمغرب والسودان والاردن ودول الخليج، فما عجزت عنه أمريكا وأذنابها في المنطقة، قد يستدرك بهذا الاسلوب السخيف، المنافي للحرية الفردية والديمقراطية، التي يتبجح بها العالم الحر (الخرّ)، وهي في واقع الأمر قوانين مداسة بأقدام الاستكبار والصهيونية والعمالة.
اجتماعات دورية كانت من باب أولى ان تستثمر في التعاون المشترك لصالح امن الشعوب، وحسن رعاية حقوقها، وليس تكريسا لمنطق الظلم والعدوان، وخدمة اجندات دول استعمارية، لا تكن لنا أي احترام، وتريد ابقاءنا في وضع الواقف عند ابوابهم، وتحت رحمتهم، فمتى يتغير حالنا الذي يؤسف له كل من يريد لنا الخير يا ترى؟