الأحد , 24 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

قصة الشهيد الثائرالطائر ” سويداني بوجمعة “…

لا يخلو تاريخ أية أمة على وجه الأرض من رموز خالدة  ورجال عظماء انتدبتهم الأقدار لصنع ملاحم بطولاتها وانتصاراتها وروائع أمجادها الخالدة، وفي هذا الإطار كنت قد وعدت قراء جريدة المحور العربي الغراء في مقال سابق بتناول قصة الشهيد البطل “سويداني بوجمعة ” المدعو” سي الجيلالي “باعتباره أحد أبطال الثورة الجزائرية المظفرة والمؤثرين فيها والتي له في سيرته النضالية والثورية عبر ومآثر، وهو أحد رجالات الجزائرالخالدين الذين تداركوا شعبهم وهو يئن تحت نير العبودية والقهر وجبروت الاستعمار الفرنسي الغاشم ، “سويداني بوجمعة ” الشهيد الثائر منذ الوهلة الاولى  بقالمة ، حيث سجل أول تمرد على قوانين الظلم والجور الفرنسية وذلك عندما ذهب الشاب “سويداني” وثلة من أصحابه الى قاعة سينما مدينة قالمة التي تسمى اليوم سينما الانتصار–  مسقط رأس الشهيد سويداني و التي ترعرع فيها – يوم السبت مساءا بعد جهد جهيد  لجمع حقوق التذكرة وهو المكان الوحيد الذي يرتاده الشباب لرؤية فيلم حينها، ليفاجأ “سويداني “وأصدقاؤه بمنعهم من دخول السينما باعتبار يومي السبت والأحد – عطلة نهاية الاسبوع – مخصصين لللأوروبيين دون الاهالي (…) لتثور ثائرة “سويداني بوجمعة” على هذا القرار العنصري الذي لم يستسغه البتة وهو في بلده وعلى أرضه وقام بمحاولة الدخول لكنه منع عنوة وأغلقت أبواب السينما ليخرج هو وأصدقاؤه الى الشارع المحاذي لقاعة السينما – يحمل اسمه اليوم بمدينة قالمة – ويتظاهرون ضد هذا القرار العنصري الظالم المقيت ليتم توقيفهم من شرطة الاحتلال ويقتاد هو وأصدقاؤه ويبيت “سويداني” بالسجن ليحاكم لأول مرة ويصدر ضده حكم بثلاثة أشهر غير نافذة كان هذا سنة 1943 ، موقف أخرمن مواقف الثائر حينما خرج الشهيد “سويداني” من الخدمة العسكرية الإجبارية  وبعد ربطه لعلاقة مع أحد المجندين الجزائريين كي يخرج له دفعات من الأسلحة بمقابل مالي فاكتشف أمره في المرة الثالثة من عملية تسريب الأسلحة من الثكنة ويقبض على الشهيد “سويداني” ويحاكم وأثناء المحاكمة سأله القاضي بمحكمة قالمة لماذا تقوم بجمع الأسلحة رد عليه ” سويدني بوجمعة ” بكل حزم  “أن هذه الاسلحة موجهة للانتقام لأهلنا الذين قتلتموهم في الثامن ماي 1945 ” – قالمة كما أسلفنا بمقال سابق شهدت مجازر مروعة في الثامن ماي 1945 -، كما سنوافيكم بمواقف أخرى للثائر “سويداني بوجمعة ” من خلال عرض سيرته النضالية والثورية  ، فضلا عن الثائر أطلقنا عليه بعنوان المقال اسم الطائر ، حيث أن الشهيد ” سويداني بوجمعة ” ورغم أنه يعيش بحي أوروبي ويحبه أصدقاؤه ويطلقون عليه اسم  “كوكو” الا أن الشهيد “سويداني” اختار طريق النضال ورمى بنفسه في ميادين القتال بعقله وجسده وكل ما يملك فالشهيد “سويداني بوجمعة “كما ستلاحظون من خلال مختصر سيرته الثورية زار معظم مناطق الوطن ثائرا ومناضلا ومقاتلا فمن ضاحية  “سيدي مزغيش ” بولاية سكيكدة أين أكتشف أمره من طرف الدرك وهو ينقل مجموعة من الاسلحة والذخيرة ويفر منهم وتنتهي علاقته بولايته قالمة  التي ترعرع فيها إلى الأبد ، متجها إلى ولاية وهران أين نفذ في أفريل 1949 بمعية أعضاء المنظمة الخاصة هناك أول عملية للمنظمة وهي عملية بريد وهران ليكتشف أمره أيضا فيطير الى العاصمة وفي سنة 1950 حينما كشف أمر المنظمة الخاصة وحوصر بكوخ مع المناضل “محمد مشاطي ” ينجح في قتل المفتش “كيلي ” الذي كان مكلف بتتبع أعضاء المنظمة الخاصة ورغم الحصار الشديد عليهما الا أن قوة وشجاعة “سويداني” مكنهما من الهرب، ليتنقل الى ولاية البليدة وبالضبط بمنطقة الصومعة ،ليظهر مرة أخرى من وسط البلاد الى شرقها هذه المرة بجبال بني صالح بين ولايتي قالمة وسوق اهراس ليلتقي أحد المناضلين الأشاوس “حمرالعين رويسة ” حيث وضعوا هدف منجم الونزة بحثا عن مادة البارود لاستعمالها في الكفاح المسلح المنتظر ليعود “سويداني بوجمعة” بعدما وفقا في هذه العملية إلى البليدة ويشارك بعدها في اجتماع مجموعة الـ 22 جوان1954، ويدوي الثائر الطائر ذاك الاجتماع بكلمات أعادت التلملم من بعض الأعضاء  والخوف من عدم نجاح الثورة وعدم توفر الاسلحة والرجال والمال والحاضنة الشعبية حيث قال في ذالك الخضم ” هل نحن ثوريون أم لا ؟ وان كنا صادقين مع أنفسنا فلنفجر الثورة ….” ثم أردف قائلا بدارجته القالمية ” والله لو ماديروش الثورة نديرها وحدي مع لقرودة تع الشفة ” – والشفة منطقة سياحية معروفة بوجود القردة بها موجودة بين المدية وبوفاريك – ليؤيده البطل الشهيد باجي مختار بتـأتأة صوته ويقول” أنا نأيد سي بوجمعة ” ليلحق الشهيد مصطفى بن بوالعيد صوته ويقول ” أن التاريخ سيحكم علينا بعد اليوم ” ليصوت الجميع لصالح اندلاع الثورة ويعين الشهيد “سويداني بوجمعة” نائبا لقائد المنطقة التاريخية الرابعة – ولايات الوسط الجزائري – .

و بعد حياة نضالية شاقة وفي يوم 16 أفريل 1956 وبينما كان القائد “سويداني بوجمعة ” متجها الى مدينة القليعة ليلتقي مجموعة من الصحفيين لشرح أبعاد الثورة حدث بالمصادفة وأن فر مجموعة من السجناء  من سجن” شرشال” فأقامت دوريات من الدرك الفرنسي الحواجز بكل مكان ليلتقي أحدها وجها لوجه فحاول الفرار لكن الوقت قد فات فاختار “سويداني” المواجهة كما كان دائما ليسقط شهيدا بميدان الشرف مخترقة عدة رصاصات صدره وكتفه والسلاح بيده ، لتنتهي رحلة الشهيد الثائر وتطير للمرة الأخيرة روحه إلى ربه حي يرزق .

ولمزيد من التفصيل نوعا ما اليكم سيرة عن الشهيد البطل” سويداني بوجمعة ” النضالية والثورية في شكل كرونولوجي مختصر من الولادة الى الاستشهاد  …

10 جانفي 1922 :  ولد سوداني بوجمعة بمدينة قالمة بحي أوروبي يسمى “saint ferdinand ” شارع  “سريدي محمد الطاهر” حاليا ، من أبوين كريمين أبوه “لخضر بن علي “وأمه “عبادلية منافقة”  بنت الطيب .

درس رغم ظروف القهروالفقر بمدرسة  “ecole dalambert  ” فنال قسطا من التعليم الابتدائي الى غاية التنقل الى الثانوية وحصوله على القسم الاول من البكالوريا ،وانخرط بالكشافة الاسلامية الجزائرية بفوج النجوم بقالمة  ليتغدى بالمباديء الوطنية والسياسية .

المشوار النضالي للشهيد سويداني بوجمعة :

1939 : يتوجه إلى الحياة المهنية ويشتغل بمطبعة المعمرة اليهودية ATTYAS ALBERT  كمطبعي حيث تعرف على المناضل ” أحمد جلول “، هذا الأخير كان أول مسؤول لفصيلة نجم شمال إفريقيا  لمدينة قالمة، فعلى يده تعرف على الوطنية ومطالبها.

1942 : يتزوج من ” دويدي الحجلة بنت رابح ” ويخلف منها بنتا وحيدة ، وينخرط في   صفوف حزب الشعب الجزائري .

1943 : يسجل أول تمرد له على قوانين الظلم والجور التي تمنع الجزائريين من ارتياد بعض الأماكن التي يقصدها الأوربيون كالملاهي ودور السينما

ديسمبر 1943:أصدرت محكمة الجنايات لقالمة حكما يقضي بسجنه لمدة 03 أشهر مع وقف التنفيذ و دفع غرامة مالية قدرها 600 فرنكا قديما .

1943: إتصل مسؤولوا حزب الشعب الجزائري بالشاب سوداني بوجمعة كونه رياضي ماهر و مناضل نشيط و طلبوا منه الإشراف على فريق لكرة القدم بإسم ” الترجي الرياضي الإسلامي القالمي(E.S.M.G) ) الذي ضم بين صفوفه خير العناصر الوطنية أمثال الشهيد ” عبدة علي ، حرشة حسان ، خيروني أحمد المدعو السبتي .

1944: يرسل سوداني بوجمعة إلى ثكنة عين أرنات بسطيف لأداء الخدمة العسكرية الإجبارية ثم يحول إلى ثكنة قالمة ومنها سرح قبل أن يتم سنوات الخدمة العسكرية .

أول ماي 1945: يشارك في مظاهرات هذا اليوم متحديا بذلك القوانين العسكرية التي تمنع الجنود من التظاهر.

08 ماي 1945: لم يشارك في مظاهرات هذا اليوم لأنه يومها كان بداخل الثكنة العسكرية ومنع من الخروج خوفا من تأثيره على شريحة الشباب خصوصا وإنه معروف بعدائه للنظام الاستعماري.بعد مجازر 08 ماي 1945 يعيد النظر في خطط نضاله لأنه أيقن أن الوضع يحتم تغيير سياسة الحركة الوطنية . فأقبل على جمع الأسلحة التي أحتفظ بها المواطنون وهي في الأساس من مخلفات الحرب العالمية الثانية.

1946: يطلب من جندي جزائري عامل كمتطوع في الجيش الفرنسي ، وكان مسؤولا على خزينة السلاح ، يطلب منه قطع الأسلحة مقابل ثمن ولم يتأخر الجندي عن الطلب وأخرج على دفعتين 2 ماط 49 و مسدسين و 120 خرطوشة وفي محاولة ثالثة كشف أمره ومن ثمة توجهت أنظار النظام إلى الشاب سويداني .

جويلية 1946: يلقى القبض على الشاب ” سويداني بوجمعة ” بعد ان كثفت الشرطة الفرنسية من مراقبته ومتابعة كل تحركاته ويقدم لمحكمة الجنايات بقالمة.

19 سبتمبر 1946: يصدر في حقه حكما يقضي بسجنه 18شهرا سجنا نافذة ، أثناء محاكمته وردا على رئيس المحكمة الذي إستفسره عن سر تجميع الأسلحة الحربية ردد عبارته الشهيرة “هذه الأسلحة موجهة إلى الكفاح المسلح الذي سيخوضه الشعب الجزائري ضد المحتل الأجنبي “.

جانفي 1948: يطلق سراحه بعد انقضاء فترة سجنه التي قضاها متنقلا بين سجن قالمة و لامبيزبباتنة و عنابة وعزابة .

في نفس العام 1948: ينظم إلى صفوف المنظمة السرية ” O.S” ليتولى الإشراف على عملية التدريب العسكري للمناضلين ويقوم بتكوين أول الأفواج العسكرية من المناضلين وكان بذلك أول قائد لفصائل ” لوس  O.S” في قالمة .

أكتوبر 1948: يكفل الشاب سوداني رفقة بعض مناضلي “O.S” بنقل السلاح من مدينة قالمة  إلى سكيكدة وعزابة والقل، ليصطدم بحواجز الدرك الفرنسية بضاحية ” سيدي مزغيش ” تابعة لولاية سكيكدة ويتمكن من الفرار مع سلامة حمولة الأسلحة . بعد هذه الحادثة غادرالشاب سويداني مدينة قالمة ، مسقط رأسه إلى الأبد .

أفريل 1949: ينجح في عملية الاستلاء على مبلغ قدره 3.174000 فرنكا قديما من مركز بريد وهران رفقة كل من : أيت أحمد ، بن بلة ، حمو بوتليليس ، محمد خيضر، أحمد بوشعيب ،عمارحداد ، بوياية محمد ، بختي نميش.

في نفس السنة ، بأمر من قيادة O.S– المنظمة السرية – يتجه الى الجزائر العاصمة ليقيم في مرأب بالقصبة لصاحبه “سي علي” ثم ينتقل الى ضاحية بودواو ليقيم مع المناضل “محمد مشاطي” في كوخ مهجور الى غاية ماي 1950 حيث كشفت المنظمة السرية ومعظم أعضائها وينجح مرة ثانية في الافلات من قبضة الشرطة بعد أن يقتل المفتش “كيلي” الذي كلف خصيصا لمطاردة مناضلي “LOS”.

1951 : ينتقل الشاب سويداني الى ناحية الصومعة دائرة بوفاريك قادما  من بلدة السويدانية حيث كان يقيم عند عائلة ( شكوان عبد الرحمان )ليحتضنه بيت  (الطيب سليمان قويدر) بدوار فورفة لمدة تسعة أشهر ثم ينتقل مرة أخرى الى دوار حليوية .

في نفس العام 1951 : يظهر سويداني بوجمعة في جبال بني صالح ( بين قالمة وسوق اهراس )أين التقى بمناضل قوي ومقدام هو الاخرمحل مطاردة (حمر العين رويسة )واشترك الاثنان في مهاجمة ادارة منجم الحديد  بجبل العنق  بالونزة ووفقا بالعملية ليفترقا الى الابد .

1952 : يتزوج إحدى بنات الشيخ موسى محفوظ لتنجب له لاحق 3 بنات .

1954: شارك في اجتماع مجموعة الـ 22 ممثلا عن منطقة البليدة إلى جانب أحمد بوشعيب ،ويقول كلمته المؤثرة ( هل نحن ثوريون أم لا ؟ وإذا كنا نزهاء مع أنفسنا فماذا ننتظر للقيام  بالثورة ؟ ) يعين نائب لقائد المنطقة الرابعة .

نوفمبر 1954 : ورفقة عدد من المجاهدين نفذ “سويداني بوجمعة ” الهجوم على ثكنة بوفاريك بمساعدة جنديين جزائريين يعملان في صفوف الجيش الاستعماري وهما : ” عبد القادرخودري ” من ثكنة “بيزو” بالبليدة والثاني هو “بن طوبال السعيد” من ثكنة الإمداد ببوفاريك هذان الاثنان أمداه بأدق التفاصيل عن جو ومحيط الثكنتين بعد إشتباك أول ينسحب سوداني إلى المقطع الأزرق ببلدية بوقرة أين يقيم مركز قيادته.

12 جانفي 1955 : ينقل مقر القيادة إلى مابين بوركيكة وحمر العين مركزا نشاطه على التوعية والشرح الواسع لمبادئ وأهداف الثورة في أوساط الجماهير الشعبية مع مواصلة العمليات العسكرية مستهدفا مراكز العدو والمصالح الاقتصادية الحساسة .

16 أفريل 1956 : شاءت الأقدار أن يستشهد “سويداني بوجمعة “وهو في طريقه إلى مدينة القليعة ، على متن دراجة نارية، لمقابلة جماعة من الصحافيين الفرنسيين لشرح أهداف وأبعاد الثورة وقبل أن يصل إلى القليعة وجد نفسه أمام دورية الدرك الفرنسي التي اشتبك معها وأصابته رصاصات بالصدر والكتف أردته شهيدا والسلاح بيده  .

كان  الشهيد ” سويداني بوجمعة “جزائريا حتى النخاع ، سديد الرأي، بعيد النظر تنبأ بحوادث كثيرة ووقعت فغلا حسب شهادات رفاقه يتصرف بحكمة، صبور، يقنع محدثه ،لاتفارق الابتسامة ثغره ،وكان ثوريا أصيلا دون تردد أو نزاع بطل تحدى فرنسا ، شب مناضلا رمى بنفسه في ميادين النضال السياسي بعقله الجبار ثم قاد النضال العسكري ظل يتقدم الطليعة في صفوف المدافعين عن الاستقلال العزيز وعن الحرية الغالية ،  حرك المعارك وكان خلالها ماردا باسلا في التصدي لقوى تفوق قوته بما لا يقاس ، سلاحه الوحيد نفح الشجاعة وعشق الحرية .

 

 

 

شاهد أيضاً

على مشارف الذكرى السبعون للثورة الجزائرية: وزارة المجاهدين تنظم ملتقى الذاكرة واشكالية كتابة التاريخ الوطني…بقلم ياسين شعبان

يُكتب (بضم الياء) التاريخ في جانب منه من الذاكرة وكلما نشطت الذاكرة وأبدت القدرة على …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024