بينما تنعم اربع جمهوريات اسلامية منضوية بالاتحادية الروسية، ترتفع اصوات منادية باضطهاد الصين للاويغور، وبتتبع مصادرها، نجد ان وراء حملتها دوافع سياسية واقتصادية، وليست دينية، وأن من يحركها ويدفعها الى الأوساط الاسلامية هي أمريكا، فوحدها لها مصلحة الاضرار بالصين، ومحاولة خلق مناخ معاد لها في العالم الإسلامي.
ففي تغريدة على تويتر نشرها مسعود أوزيل لاعب كرة القدم الألماني ذو الأصول التركية، المحترف في صفوف أرسنال الإنجليزي، تحدث فيها على معاناة الاويغور في اقليم شينجيانغ لكنه لم يبيّن الاسباب التي اوصلت هؤلاء المسلمين الى الوضع الذي وصلوا اليه، لعله غير مطّلع على تاريخهم، ولا ملتفت الى حالة التطرّف التي ركبت عقول بعضهم، فتحولوا من الاسلام الوسطي الى الوهابية التي تكفّر ما دونها، وقد تسببت تدوينة مسعود في ازمة حادة بينه وبين ادارة فريقه، ولئن اصرّ هذا اللاعب على موقفه، فانّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عندما التقى بالرئيس الصيني في قصر الشعب ببكين يوم 17/12/2019، وفق ما نقلته وكالة الانباء الرسمية الصينية تراجع عمّا وصفه بالقمع في إقليم شينجيانغ ضد الأقلية المسلمة الأويغور، مصرّحا بخلافه لنظيره الصيني شي جين بينغ: إن الأويغور يعيشون بسعادة في الإقليم، وذلك بعد 4 أشهر من وصف وزارة الخارجية التركية، معاملة المسلمين الأويغور، ذوي الأصول التركية، بأنها عار كبير على الإنسانية.
قبل الخوض في ما تتداوله هذه الايام ابواق الدعاية وتنفخ في كوره كلمات التحريض بدوافع مختلفة يرتفع فيه عنوان اسلامي، يبدو مغاليا في اصطفافه، يجدر بنا التعريج ولو بنحو مقتضب على ما يفيدنا من معرفة القومية الايغورية من ناحية وعلاقتها بجمهورية الصين الشعبية من ناحية اخرى، والموقف السليم الذي يجب علينا اتخاذه.
الأويغور اسم عرق بشري يطلق على أحد الشعوب التركية التي تعيش فيما يعرف اليوم بمنغوليا. الأويغور أقوى وأكبر القبائل التركية التي تعيش في آسيا الوسطى.
في عام 744م تمكن الأويغور بمساعدة قبائل تركية أخرى من اسقاط الإمبراطورية الجوك واقاموا مكانها مملكة خاصة بهم امتدت من بحر قزوين غرباً حتى منشوريا (شمال شرقي الصين) ودامت قرنا من الزمن، ثم الت الى السقوط بعد حروب اهلية، ودالت مملكتهم الى القرغيز، وفي الاثناء هاجر الاويغور إلى ما يعرف الآن بشينغيانغ أو تركستان الشرقية وهناك أسسوا مملكة مع قبائل تركية أخرى استمرت حتى غزو جنكيز خان عام 1209م.
أسس الأويغور الذين أسلموا دولة سميت القارا خانات والذي يسمى حاكمها قارا خان.
وبقيام الزعيم الشيوعي ماو تسي تونج مؤسس الصين الشعبية بثورته الشيوعية، التي وحد فيها اقاليم الصين، بعد حرب طاحنة خلصتها من الاستعمار الياباني، لكن الاويغور لم يقبلوا لا بثورته ولا بانظمام الإقليم الذي هاجروا اليه، فتمردوا عليه لكنه تمكن من انهائه بسرعة، وضم الاقليم الى الجمهورية الشيوعية، ومن اجل انهاء اي تمرد مستقبلي، قام الصينيون بتوطين عرق الهان في الاقليم، الذي اصبح يشكل الاغلبية.
مع ذلك لم تنتهي مقاومة الاويغور للنظام الشيوعي، فقاموا بعمليات ارهابية استهدفت العسكريين والمدنيين على حد سواء، اسفرت على وقوع ضحايا ما دفع بالنظام بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 الى تكثيف حملات مطاردته للاستقلاليين الأويغور.
ويبدو ان حركة الاستقلال … ليست بمعزل عن مؤثرات خارجية ودعم وتحريض من قوى خارجية لها مصلحتها في زعزعة استقرار الصين الشعبية واستهداف مكونها العرقي، حيث لم تعد بصمات الادارة الامريكية خافية على المتابعين للسياسات الخارجية الامريكية واستهدافاتها المباشرة وغير المباشرة.
ومن هنا ظهر اصرار السياسة الامريكية على مواصلة حملتها المنظمة ضد الصين مرحلة بعد اخرى، امعانا في الاساءة اليها، ومحاولة تفكيك مكونها العرقي، من مناصرة الانفصاليين في هونغ كونغ الى جهيانغ له دوافع اقتصادية غير خافية، فجمهورية الصين الشعبية اكتسحت خلال السنوات الاخيرة اسواق العالم، بما فيها الاسواق الامريكية، مما افزع السياسيين الامريكيين، ودفعهم الى اتخاذ تدابير سياسية ودعائية ضدها، ومنها ترصّد أي حركة داخلها ودعمها.
طبيعة تغلغل المذهب التكفيري المتطرف بين شباب الأويغور ظهر واضحا من خلال
وجود 3 آلاف إرهابي صيني من الإيغور يقاتلون في سوريا إلى جانب التنظيمات الإرهابية، كجبهة النصرة وداعش والحزب الإسلامي التركستاني الذي أسسته تركيا. ومن هنا جاء التعاون العسكري والأمني المطّرد بين جمهورية الصين والحكومة السورية.
وحتى لا تذهب بنا العاطفة الى ما بعد الحق يجدر بنا التذكير بوجود اربع جمهوريات اسلامية في روسيا الاتحادية هي:
1 – جمهورية داغستان مساحتها 50 الف كلم2 وعاصمتها مهج قلعة عدد سكانها 3.250 مليون نسمة
2 – جمهورية باشكيريا ومساحتها 143 ألف كلم2 وعاصمتها أوفا وعدد سكانها 4.5 مليون نسمة.
3 – جمهورية تتاريا ومساحتها 70 ألف كلم2 وعاصمتها قازان وعدد سكانها 4.2 مليون نسمة
4 – جمهورية الشيشان ومساحتها 17 ألف كلم2 وعاصمتها غروزني وعدد سكانها 1.336 ألف نسمة.
وباستثناء الحرب التي اندلعت في الشيشان بين الشاشان والروس، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وسيطرة الجنرال جوهر دوداييف على الحكم، واعلانه استقلال الجمهورية سنة 1991، واستمرت تلك الحرب الى سنة 2008، شهدت بقية الجمهوريات الاسلامية هدوء واستقرارا تحت الحكم الروسي، وهم يمارسون شعائرهم ومناسباتهم، ومساجدهم مفتوحة للعبادة، خلاف ما كانوا عليه في عهد ستالين.
حرب ما كان لها أن تقوم، لولا تغلغل المذهب الوهابي التكفيري، بين اوساط الشباب الشيشاني، لذلك اقول ماهي المصلحة في الدعوة الى الإنفصال بالنسبة لشعوب أو أقليات مسلمة، وماذا يمكن أن تقدمه لأنفسها وللإسلام لو تحقق لها ذلك، ان لم تكن في حقيقة مطلبها سوى فريسة للرأسمالية الغربية المتوحشة.
واذا كان الاكراد الى اليوم يسعون الى الانفصال من الدول التي يعيشون فيها، كالعراق، وتركيا، وايران، وسوريا، وهم يعيشون بين اخوانهم المسلمين، فلماذا نلوم قوميات اخرى على مواقفها من الانفصال، الذي لا يخدم المنفصل ولا المنفصل عنه؟