الذي يبدو لغاية الان ان هنالك تسريع في مسار تطبيع او إعادة العلاقات بين السعودية وإيران مما يؤشر بان هنالك جدية من قبل السعودية في إعادة العلاقات وعدم الرضوخ الى الاملاءات الامريكية بهذا الخصوص وهذه ظاهرة سياسية جديدة تنتهجها السعودية التي ربما أدركت قيادتها السياسية المتمثلة بولي العهد محمد بن سلمان ان السياسة الخارجية للسعودية لم تعد تتلاءم مع المعطيات الجديدة سواء على الساحة الإقليمية او الدولية التي تؤشر وبشكل واضح الى متغيرات لم تعد فيها الولايات المتحدة الامر الناهي على الساحة الدولية وان هنالك قوى وتكتلات اقتصادية وسياسية صاعدة أثبتت فعاليتها على الساحة الدولية مناوئة للسياسات الامريكية وعجرفتها وهيمنتها. ومن هنا كان لا بد من تغير التموضع السعودي اذا ما ارادت السعودية العودة الى المركز الذي كانت تحتله في المنطقة على الأقل قبل الدمار الذي شهدته المنطقة نتيجة السياسات الامريكية الفجة الى جانب ادواتها في المنطقة والتي شكلت السعودية طرفا أساسيا بها.
ومن الواضح ان الدور السعودي قد فقد الكثير من تأثيره الإقليمي لصالح الامارات على وجه التحديد التي بدا نجمها يتصاعد ليطغى على الدور الإقليمي والدولي للسعودية وخاصة بعد حادث مقتل الصحفي الخاشقجي في تركيا وتوجيه أصابه الاتهام الى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الحاكم الفعلي في السعودية. وهنالك من يعتقد بأن محمد بن زايد حاكم الامارات هو من قدم النصيحة وشجع ولي العهد السعودي ببدء الحرب على اليمن وإغراق السعودية في المستنقع اليمني كما يقال منذ شهر آذار 2005 وذلك لاستنزاف القدرات السعودية العسكرية والمالية حتى يتسنى له الصعود بالدور الاماراتي كبديل عن الدور السعودي في المنطقة كأداة من أدوات البيت الأبيض في خدمة الاستراتيجية الامريكية في المنطقة وتحقيق مصالح إماراتية. وربما ما شهدناه من اندفاع اماراتي للتطبيع مع الكيان الصهيوني والاغراءات المالية الاماراتية التي قدمت لبعض الدول العربية مثل النظام السوداني للسير في نهج التطبيع ما هو الا دليل واضح على هذا الدور الاماراتي في المنطقة.
والتنافس بين السعودية والامارات لا يقتصر على الجانب السياسي بل يتعداه الى الجانب الاقتصادي بما فيها جلب الشركات العالمية الكبرى. فالسعودية وضعت مؤخرا شرطا أساسيا على هذه الشركات وهو ان على الشركات فتح المكتب الرئيسي لها في السعودية وليس في أي دولة خليجية. وهذا الشرط بالأساس موجه الى الشركات العالمية التي افتتحت مكاتبها الرئيسية في دبي. ولا شك ان التنافس سيزداد حدة في حالة نجاح مدينة نيوم السعودية والتي من المتوقع ان تكون المنافس الرئيسي لدبي. الخطوات التي اتخذها ولي العهد السعودي التي أدت الى انفتاح السعودية على العالم الخارجي بشكل غير مسبوق وتحولات على المستوى الاجتماعي ورفع القيود على الكثير مما كان يعتبر من المحرمات ما هو الا جانب آخر من هذا التنافس بين السعودية والامارات.
ويمكننا القول ان الاستدارة السعودية الاخيرة تجاه سوريا وإعادة العلاقات معها ورفع الفيتو السعودي عن عودة سوريا الى الجامعة العربية وتوجيه الدعوة الرسمية لحضور الرئيس الدكتور بشار الأسد لحضور مؤتمر القمة الذي عقد مؤخرا في الرياض كان بمثابة العودة السعودية وترأس الفعل العربي ولتحجيم الدور الاماراتي في هذا الجانب. ولا ننسى ان الموقف السعودي قبل بضعة أشهر من انعقاد القمة العربية كان عدم الموافقة على عودة سوريا الى الجامعة العربية هذا في الوقت الذي كانت الامارات مؤيدة للعودة. ولم يطرأ أي تغير في مواقف الدولة السورية طيلة هذه الفترة والى حين توجيه الدعوة لحضور سوريا للقمة العربية وبالتالي فإن ولي العهد السعودي أراد ان يرسل رسالة واضحة الى محمد بن زايد ان السعودية هي من تقرر على الساحة العربية وليس الامارات. وما ان أعلنت السعودية عن عودة علاقاتها مع ايران سارعت الدول الخليجية الى الحديث عن نيتها في إعادة علاقاتها مع ايران واعطت مصر أيضا حيزا في البدء بالحديث مع ايران وفتح آفاق التعاون فيما بينهم.
ويأتي الانفتاح السعودي على إيران وإعادة العلاقات الدبلوماسية والتجارية بينهما وما رشح مؤخرا من خبر تشكيل قوة بحرية مشتركة بين السعودية وإيران والبحرين للحفاظ على أمن المنطقة البحرية والملاحة تأكيدا على ان السعودية عازمة على استعادة دورها في الإقليم ويبدو ان هنالك قناعة لدى ولي العهد السعودي ان هذا لن يتم الا عبر البوابة السورية الإيرانية والتي ستساهم أغلب الظن لمساعدة السعودية بالنزول عن الشجرة في اليمن.
وهنالك العديد من النقاط يمكن الحديث عنها والتي تدخل ضمن الأسباب وراء الاستدارة السعودية منها الفشل في تطويع الدولة السورية واسقاط نظامها بتكالب الدول الغربية وعلى راسها الولايات المتحدة وجميع ادواتها في المنطقة من تركيا الى قطر الى السعودية والامارات وغيرها من الدول العربية وفشلها في تحقيق أي من الأهداف العسكرية التي رسمتها في عدوانها الوحشي على اليمن بالرغم من حجم الدار للبنى التحتية والخسائر البشرية وسياسة التجويع والقتل المتعمد الى جانب. ولا يغيب عن أي تحليل الدور الأمريكي المتهالك والمتراجع على الساحة الدولية وصعود الصين وروسيا وإيران وعلاقاتهم الاستراتيجية على وجه التحديد مما شكل عائقا امام اية مغامرة عدوانية ضد إيران سواء من الولايات المتحدة او الكيان الصهيوني الذي لم يكف عن تهديد مهاجمة إيران منذ مطلع تسعينات القرن الماضي دون ان يجرؤ على تنفيذ تهديداته بقصف المنشآت النووية الإيرانية وغيرها من الأسباب. ولكن ما أردنا هنا هو تسليط الضوء على جانب لم يتم التطرق اليه ربما من قبل البعض.
* كاتب وأكاديمي فلسطيني