الجمعة , 22 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

قمة الجامعة العربية في تونس مؤتمر أم مؤامرة؟

بقلم: محمد الرصافي المقداد |

مرت 74 سنة على تأسيس جامعة الدول العربية (1945/ 2019)، وشعوبها تنتظر تحقيق مطالبها واستحقاقاتها، وتامل كل مرة تنعقد فيها قمة رؤساء أو مؤتمر وزراء، ان تخرج علينا بمواقف جدّية تنفعهم، تقلع بها عن سيرتها السلبية التي لم تتغير، والتي لم تقدم للعرب من المحيط الى الخليج شيئا يستحق الثناء عليه.

فرص تدارك النظام العربي، من أجل ايجاد حلول ناجعة، لقضاياهم المصيرية العالقة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وهنت عزائمها، وذهبت معظمها أدراج الرياح، وانحسر أمل الشعوب بحكوماتها، في ان تفعل شيئا لصالحها، الا من ُصبابة، لا تزال تتردد في عقول وصدور الطلائع المؤمنة، بامكانية تحقيق ذلك الامل، لو وجد قيادات وطنية صادقة، ليس في سياساتها الخضوع للغرب، والسكوت عن الانتهاكات التي تتعرض لها شعوب وأراض عربية، بأيد عربية وصهيونية.

وبينما تتكالب امريكا في شخص رئيسها وطاقم نظامه، بفرض منطقهم المريض، المتمثل في صفقة القرن، التي تهيئ للكيان الصهيوني مزيدا من الهيمنة على المنطقة، لا نجد من الجانب العربي موقفا موحدا جادا، بإمكانه ان يقف في وجه المؤامرة الاخيرة على القضية الفلسطينية.

بل ان واقع النظام الرسمي العربي، يكشف عن تواطئ خطير، سيؤدي الى ضياع الحق الفلسطيني، لو تواصلت هذه السلبية، واستمر خذلان القضية من قادته.

اليوم كشف الرئيس الامريكي ترامب عن بعض فحوى صفقته، بإعلان ضم الجولان المحتل الى الكيان الصهيوني الغاصب، والإمضاء عليه إيحاء لحكام العرب، أنه لا مفر لهم من قبوله، واعتقد ان قسما منهم هضمه، وقبلوه في قرارة أنفسهم المستكينة للاستكبار الامريكي والغربي، باعتباره اولياء نعمتهم، في الامساك بدفة حكم شعوبهم، بالخداع والحيلة والتضليل الاعلامي.

واعتقد أنه لم يعد للنظام السعودي، ومن تحالف معه، قضية يطرحها في مؤتمر القمة العربية المنعقد بتونس، سوى ايران بالادعاء عليها باطلا بلسان صهيوني امريكي، انها تهدد الاستقرار في المنطقة وتدعم الارهاب وتتدخل في شؤون الدول العربية، كأنما توحد مصطلح الارهاب في السياسة الرسمية العربية، لينظمّ الى التعريف الامريكي والصهيوني للإرهاب، في نسبة حركات المقاومة في لبنان وفلسطين الى الارهاب.

لقد كان جديرا بالنظام السعودي أن يكفّ مع تحالفه العسكري الظالم للشعب اليمني، عن التدخّل في شأنه الداخلي، ويترك لليمنيين مسالة خياراتهم وحلول مشاكلهم، وينتهي من سلسلة جرائمه الفظيعة، التي فتكت بآلاف المدنيين، اغلبهم من الاطفال والنساء وكبار السن والمرضى، ليس هذا فقط، فقد دمرت الغارات الجوية لهذا التحالف البنية التحتية لليمن مشافي، مرافق صحية، مطارات، محطات نقل بري، جسور، مخازن تموين، مصانع، مدارس، مساجد، احياء سكينة، اسواق، محطات كهرباء ومياه، وغيرها، الى درجة أن هذا الشعب المنتهك غزته المجاعة والأوبئة، فمن غير اللائق أن يأتي المجرم ليظهر بثوب الوليّ الناصح، ويرفع من عقيرته بالتحريض الكاذب على ايران الاسلامية وهي التي لولاها لضاعت البوسنة وفلسطين، ومحور مقاومتها الذي تحاول دول العمالة لأمريكا والكيان الصهيوني، ادانتها من أجله بالإرهاب، والتدخل في شؤون العرب، بما يزعزع امنهم واستقرارهم، وهي لعمري مغالطات وقحة جدا.

كان جديرا بمقترحات دول الجامعة العربية ومقرّراتها، أن تتخذ مواقف حازمة من قبيل سحب السفراء العرب من أمريكا باعلانها الوقح الجولان المحتل ارضا تابعة للكيان الصهيوني، وكان لائقا بهم من قبل أن يقطعوا علاقاتهم مع كل دولة تنقل سفارتها الى القدس اجراء فيه اعتراف بانها عاصمة ذلك الكيان، وكان أليق بهم ان يوجهوا نصحهم الى التحالف الذي يقوده النظام السعودي بالكف عن قتل وابادة الشعب اليمني وتركه يقرر مصيره دون ارغام من أحد، وكان بإمكانهم – وهو المتيسّر الذي لم يقدروا عليه- اعادة سوريا الى مقعدها بالجامعة، ولكن هيهات أن يقع ذلك، وأزمّة القوم ليست بأيديهم.

لقد اصبحت الشعوب العربية اليوم اكثر وعيا وتحررا من حكوماتها، فهي وطموحاتها وآمالها في واد، وحكوماتها وعقود تبعيتها في واد آخر، وقد لا أبالغ اذا ما قلت، أن اغلبية شعوبنا وصلت مرحلة اسقاط هذه الجامعة من حساباتها، فلا خير ترتقبه منها بعد ذلك، بل انها أصبحت تتوجس من مؤتمراتها خيفة، مصيبة جديدة تلحقها من جراء انعقادها، وهي واقعا مؤامرات، تمرر فيها أوامر امريكا وحلفائها من دول الغرب، فنسأل الله أن تمر القمة من تونس بأخف الأضرار المتوقعة، حيث لا خير متوقع يتمخّض منها.

من هذا المنبر لا يسعني الا ان أطلق صيحة فزع، عما آلت اليه جامعة العرب، وينطلق لساني ليعبر عن اشمئزاز من حصيلتها الخاوية على عروشها، وبراءة مجددة منها ودعوة لمن بقي فيه شرف شعوبا وحكاما اعلان الى الخروج منها، وتأسيس جامعة جديدة بإمكانها أن تحقق مطامح العرب والمسلمين، ودعوتي الثانية الى اشقائنا في سوريا، وأنا على يقين من انهم استوعبوا درس الانتماء الى هذه الجامعة التعيسة، التي يحق لنا أن نلقبها بالجامعة العبرية، نظرا لجهودها المبذولة من اجل ضياع الحق الفلسطيني، وصهينة من بقي لم يصبه من دائه شيئا منه، فلا يفكروا يوما في العودة اليها، بعد أن تآمر منهم من تآمر عليها، أوصل بلاد الشام ياسمينة الشرق وايقونة العرب، الى حال من الخراب، الذي يذكرنا بخراب المانيا عقب الحرب العلمية الثانية.

الجامعة العربية في وضعها الحالي، ليس بمقدورها فعل شيء لصالح قضاياهم، غير التنديد الورقي والاستنكار اللفظي، بل اعتقد انهم انبطحوا تماما لأحكام ترامب، ولم يعد يشغلهم شيء سوى الاذعان له، وتلبية رغباته.

نحن مقبلون على تحالفات جديدة، أخذت ملفات الحقوق العربية والاسلامية الضائعة، والصراع من اجل تحقيق مطالبها مأخذ الجد، فلا هزل ولا مجاملات في تعاملاتها كما هي حال الجامعة العربية، وأعتقد أن سوريا والعراق ولبنان واليمن سيكونون ضمن مشروع مواجهة الاعداء وتحرير الارض، عندها سوف تسقط الادعاءات وتذوب الأكاذيب، أما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض.

 

شاهد أيضاً

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024