قمّة رؤساء دول وحكومات العالم التي ستضيفها العاصمة الفرنسية، يومي 22.23/6/2023، تحت عنوان: ( من أجل ميثاق مالي عالمي جديد)، لوضع خطة طريق يتفق عليها الدائنون ويقبلها المدينون، لتخفيف أعباء ديون الدول البلدان المستدينة من صندوق النقد الدولي ومن الدول الكبرى، استجاب لها أكثر من 100 رئيس دولة، ستنظر في سبل مكافحة عاملي الفقر وتغيير المناخ، فهل ستنجح هذه القمة في تحقيق ما تأمله الدول المستدانة ضحية الشروط المجحفة وسوء تقدير الدول المقرضة ومؤسساتها المالية، وتطوى بذلك صفحة سيئة الذكر من إستغلال الدول الصناعية الكبرى، لتبدأ صفحة حديدة يحدوها التكافؤ بين الجنوب والشمال؟
يبدو الأمر شبه مستحيل، في ظلّ تكالب هذه الدول على اغتنام موارد الدول السائرة في طريق النموّ بأبخس الأسعار، وتكبيلها فوق ذلك بقروض عالية الفوائض، غالبا ما تستولي عليها عناصر فاسدة في حكومات تلك الدول، ليتم تحويلها بطرق مختلفة، في حسابات بنكية لدى الدول المدينة، ومنها ما يكون مشروطا بمشاريع غير منتجة أو عديمة الجدوى، لتستمِرّ حالة التراجع الإقتصادي في الدول المتضررة، قائمة بلا أمل في إيقافها، فخلال العقد الماضي، ازدادت مديونية البلدان النامية بأكثر من الضعف، لتصل إلى تسعة آلاف مليار دولار في العام 2021، وهي ازدادت بلا شك في 2022، وفقاً للتقرير السنوي للبنك الدولي، عن الديون الدولية الذي نُشر في كانون الأول/ديسمبر.والأسباب متعددة: انخفاض قيمة عملتها مقابل الدولار، في حين أن ديونها غالباً ما تكون مسعّرة بالدولار، وارتفاع معدلات وأسعار الطاقة والأغذية والأسمدة، وكل ذلك يؤدي إلى تجفيف احتياطاتها من العملات الأجنبية. ومن حيث القيمة المطلقة، فإن البلدان النامية أو الناشئة التي كان لديها أعلى ديون في العام 2021 هي: الأرجنتين (114,8 مليار دولار)، وباكستان (94,7 مليار دولار)، وأنغولا (46,7 مليار دولار)، وأوكرانيا (44,6 مليار دولار)، والإكوادور (38,7 مليار دولار) وفقا للبنك الدولي.(1)
لقد أظهرت دراسة أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في شباط/فبراير، أن 52 بلداً من بينها: إثيوبيا، وغانا، وباكستان، وسريلانكا، وتونس، وزامبيا، مثقلة بالديون، وتواجه خطر التخلف عن السداد. وينفق نصفها 20% من ميزانيته لسداد الفائدة على ديونها، ومن بين البلدان النامية أو الناشئة، التي كان لديها أعلى ديون في العام 2021، بالنسبة إلى ناتجها المحلي الإجمالي، فنزويلا (240,5 %) والسودان (181,9 %) وإريتريا (176,2 %) ولبنان (150,6 % والرأس الأخضر (142,3 %) وسورينام (125,7 %) وجزر المالديف (124,8 %)، وفقا لأرقام صندوق النقد الدولي المذكورة في هذا التقرير.(2)
في كلمة معبّرة عن بيت الدّاء الذي لا زال ينخر مستقبل العلاقات بين الشمال والجنوب، أثار الرئيس التونسي قيس سعيد مسألة مديونية الدول الضعيفة، وعزاها إلى الدول الكبرى الإستعمارية، مطالبا إياها بإعادة ما سرقه عملاؤها من حكومات الدول الإفريقية، ومنها تونس بفوائدها الحاصلة، وهي أنجع وأعدل طريق لتكافؤ فرص العيش الكريم بين الشمال والجنوب، ويبدو انه تغاضى عن ما نهبته الدول الاستعمارية من البلدان المستعمَرة من موارد لو بقيت لكان وضع الدول الضحية أحسن بكثير، وكان على الرئيس التونسي أن يصعق فرنسا على وجه الخصوص لأن ملفات استحقاقاتنا منها كبيرة، فعليها أوّلا أن تعيد مسروقاتها من بلادنا.
عندما يقول غورينيتش ان خمسين دولة أصبحت غير قادرة على سداد ديونها ندرك جيدا مدى تدهور اقتصاديات تلك الدول ومن غير المستبعد أن تتبعها في العجز عشرت الدول الأخرى التي بدأت اعراض مرض تباطئ نموّها تظهر ولا يمكن معالجتها بهيمنة دول الشمال وشروط صندوق النقد الدولي المجحفة والتي تعتبر تدخّلا خبيثا في الشؤون الداخلية للدول المستهدفة.
مكافحة الفقر والتغير المناخي من يتحمل مسؤولية التغيير المناخي؟ أهي الدول الكبرى الصناعية أم الدول الصغرى التي ذهبت ضحية ذلك التغير
(عن هذه الجوائح التي لا نتحمل المسؤولية فيها اطلاقا، من جنون البقر الى أنفلونزا الطيور، وغيرها من الجوائح الأخرى، التي دفعنا ثمنها باهظا، ثم تعلمون ولديكم الأرقام، أن القروض التي منحت لكثير من الدول، لم تذهب إلى الشعوب، ولم تحقق أي شيء، بل تم الاستيلاء عليها، وأنتم تعلمون من استولى عليها، والأموال التي نهبت، وتوجد في المصارف، في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية، لماذا لا تعود إلى شعوبنا؟ ثم كانت الأنظمة الدكتاتورية تمثل الوسيلة التي تتيح لكثير من الدول، الإبقاء على مصالحها ضد مصالح الشعوب المعنيّة، اننا نريد أن نكون شركاء معكم، في بناء عالم جديد، تستفيد منه الإنسانية جمعاء، وإذا كان العالم اليوم يعيش أزمة، فلا يمكن حلها، إلا بناء على قواعد العدل والإنصاف، فلنعمل الند للند من أجل تحقيق المثل العليا التي نشترك فيها، العدل والحرية، وبناء عالم دولي جديد)(3)
دعوة الرئيس الفرنسي في نظري ليس لها مصداقية، كما أن الدول الغربية ليس لها مصداقية أيضا، طالما انها لا تزال تكيل بمكيالين في سياساتها الخارجية، وهي تفاهمات ظرفية في مواجهة خطر داهم عليهم من الشرق وتتزعمه الصين الشعبية، وعجز الدول السائرة في طريق النمو كان يتفاقم كل سنة على مرأى ومسمع منهم، من أجل بلوغ نهاية عجزها وخضوعها لشروطهم المجحفة واجبارها على تنازلات تمس سيادتها وأمنها، تصل لحد التحكم في سياساتها الداخلية والخارجية، ودول الغرب لا تزال تتعامل مع الأفارقة والآسيويين، ودول أمريكا اللاتينية بعين المستعمر الطامع في كل شيء، ومن هنا نقول: إنه على الدول الاستعمارية، أن تعيد النظر في سياساتها قبل فوات الأوان، فالساحة العالمية لم تعد تلك التي كانت تمرح فيها وتسرح كما تريد، التنين الصيني قادم بأكثر موضوعية وعقلانية، وقد بدأت تتقبله دول عديدة، رأت في التعامل معه أكثر مصداقية.
دعوة الرئيس الفرنسي الى احداث صدمة مالية عالمية(4)، أملتها الهجمة الصينية وموجتها التي اخترقت تحصينات أفريقيا ليصل مداها إلى عدد كبير منها، وتغيير نظام التعامل المالي العالمي لتفادي خسارة دول الغرب ( الشمال) أفضليتها التي كانت تنعم بها قبل ظهور التنين الصيني ومنافسته الغرب ماليا واقتصاديا وحتى سياسيا، ونحن نرى اليوم تأثيره في السياسات العالمية وبصماته عليها، كعودة العلاقات السعودية الإيرانية، فلا مناص إذا من اعتبار هذه القمة محاولة غربية، للخروج من ورطة فخ المديونية الذي نصبوه للدول الفقيرة، هذا الفخ سيكونون أكبر الخاسرين فيه، إذا استمروا في التعامل بعقلية استعمارية.
قمة باريس مثل قصة الثعلب الذي جاء ناصحا الدجاج بأنّه صديق، فلا الثعلب غير من طبعه العدائي، ولا الدجاج اطمأنوا إلى دعوته.
المصادر
1 – 2 – مشكلة ديون الدول النامية في 5 نقاط
3 – https://m.facebook.com/groups/947334823204851/
permalink/955784802359853/?mibextid=Nif5oz
4 – ميثاق مالي عالمي جديد.. محاولة لإعادة تشكيل النظام الاقتصادي
https://www.dw.com/ar/65997360