القنبلة التي بشر بها أحد جهابذة السلطة في خطاب عباس الذي القي عن بعد في الجمعية العامة للأمم المتحدة لم تتعدى كونها “فتاشة باردة” لم تنطلق في الهواء وبقيت حيث نصبت. الخطاب لم يأتي بجديد على الاطلاق لا بل جاء ليؤكد النهج الاستسلامي المدمر لشعبنا الفلسطيني والقضية برمتها وإعطاء مزيدا من الوقت للتلاعب من جانب الكيان الصهيوني وما يسمى بالمجتمع الدولي الذي لم يكتفي بصم اذنيه وتغطية عينيه عن القضية منذ أن باعها الطرف القيادي المتنفذ فيما كان يسمى بمنظمة التحرير الفلسطينية وتحويلها الى عائلة منتفعة وسماسرة ارض وقضية لا أكثر بل (المجتمع الدولي) توغل في التآمر على القضية الفلسطينية ومنح الفرص الكافية للكيان الصهيوني بمصادرة وسرقة الأرضي وتهويد الجزء من فلسطين التاريخية التي احتلت عام 1967 الى الدرجة التي لم يعد فيها مجالا من الناحية الجغرافية لإقامة حتى سلطات بلدية ناهيك عن “حل الدولتين” هذا السراب والوهم الذي ما زال البعض يزحف من أجله في فضاء التيه لعقود ذهب البعض منهم الى العالم الاخر والبقية تنتظر دورها في مغادرة هذا الكوكب فقد هرموا.
تحدث عباس عن الانتخابات التشريعية والرئاسية وان ما حصل هو تأجيل هذه الانتخابات وليس الغائها وأنه حالما توافق الحكومة الإسرائيلية على السماح لأهل القدس بالتصويت ستتم هذه الانتخابات ولا انتخابات بدون القدس ودعا “المجتمع الدولي” بالضغط على الحكومة الإسرائيلية لكي “تسمح” لسكان القدس بالإداء بأصواتهم. لا نريد الخوض عن السبب الحقيقي “لتأجيل” او “الغاء” فالسبب الرئيس ما زال قائما وهو تراجع “شعبية” الرئيس وبحسب آخر الاستطلاعات فإن 80% لن يعطوا أصواتهم الى الرئيس عباس فيما إذا ترشح للانتخابات. وبما أن الكيان الصهيوني معني الى درجة كبيرة للإبقاء على عباس أبو المقاومة السلمية الشعبية ( مقاومةالكتكات) فإنها لن تقوم بالسماح لسكان القدس بالمشاركة في الانتخابات بالطريقة التي يرديها السيد عباس. هذا بالإضافة الى ان الكيان الصهيوني بعدم موافقته يرسل رسالة واضحة ان القدس ستبقى العاصمة الموحدة الأبدية لهذا الكيان وهي بهذا الموقف مدعومة من قبل كل الادارات الامريكية من الناحية العملية والتي لهما إدارة الصراع وليس حله.
وتحدث السيد عباس على ان السلطة قامت ببناء الدولة ومؤسساتها محاولا ان يقنع العالم بأن الخطوة الناقصة الان ما هي الا الانسحاب الإسرائيلي والاعتراف بالدولة الوهمية الفلسطينية ومؤسساتها التي ينخر فيها الفساد والمحسوبيات والتي تدار بشكل عائلي بإمتياز. هذا الوهم الذي يعشش في أذهان رموز السلطة وزبانيتها نابع من الألقاب التي اغدقت على البعض رئيس الدولة رئيس الوزراء وزير مستشار….الخ. حتى انه عندنا ما شاء الله قوات بحرية وكل هذا يدخل في مفهوم الفانتازيا لا أكثر من هذا. والمصيبة أيضا ان يذكر ان هذه المؤسسات قائمة على الديمقراطية والتعددية والشفافية وهو الامر الذي يضحك الطفل الفلسطيني لمعرفته بكبر الكذبة اللهم الا إذا كان المقصود بالتعددية أن كل من الزوج والزوجة والابن والبنت وإبن العم وإبن الأخت …الخ ان كل منهم ماسك وظيفة واحدة فقط وليس عدة وظائف في آن واحد. أما قضية الشفافية فحدث ولا حرج ولان الشفافية متواجدة وبدرجات عالية فإن الدول المانحة وعلى راسها الاتحاد الأوروبي طلب رسميا الاشراف على تدقيق الميزانية والمصاريف وإرسال المبعوثين للتأكد من تنفيذ المشاريع على الأرض بجميع مراحلها والتي قامت السلطة بتقديم طلبات لدعمها ماديا.
وتحدث الرئيس عن الديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الانسان وأنه أصدر المراسيم والتوجيهات…الخ. ينطبق عليه المثل أسمع كلامك اصدقك أشوف أفعالك استغرب. الصديق والعدو والدول المانحة تعلم جيدا ان هذا الكلام بعيد عن الصحة فمنذ القتل الميداني لنزار بنات وهو بالمناسبة ليس او من يقتل على ايدي زعران دايتون لأنه من الخطأ تسميتهم رجال الامن الى جانب الاعتداء على المتظاهرين السلميين بما فيهم العائلات والاعتقالات لم تتوقف للان. وبحب التقارير الدولية ومنظمات حقوق الانسان المحلية والدولية فإن أجهزة السلطة تمارس التعذيب والضرب المبرح وتقوم باعتقالات واسعة بين صفوف المعارضين ودون تمييز هذا بالإضافة الى التهديد لهم ولعائلاتهم الذي وصل الى حد التهديد بالاغتصاب. فأين هي يا “سيادة الرئيس” حقوق التعبير وحقوق الانسان في دولتك الوهمية. يجب الاعتراف بان من كتب لك الخطاب كاتب متمكن وخبير في قلب الحقائق على الأرض أو انه كاتب يوتوبيا.
أما قضية الكلاشيه “حل الدولتين” فقد كتب عنها الكثير ولا داعي للاجترار. وما زلا عباس متمسك بالرباعية والمفاوضات والجميع مدرك بلاوي الرباعية والمفاوضات. ربما “القنبلة” التي قد أشار لها جهابذة السلطة هي تهديد الكيان الصهيوني بأن امامه سنة “فقط” للانسحاب وقيام الدولة الفلسطينية وإلا فإن السيد عباس سيعطي التعليمات للذهاب الى محكمة الجنايات والعدل الدولية وعنها تتحمل إسرائيل نتيجة القرار. ما شاء الله ومنذ متى يعطي الكيان الصهيوني أي اعتبار لقرارات المنظمات الدولية او حتى الأمم المتحدة ومجلس أمنها؟ الامم المتحدة لم تستطيع ان تضغط على إسرائيل بالسماح لاي لجنة للوصول الى الأراضي المحتلة للتحقيق في ممارسات الاحتلال فهل يعقل يا رجل ان تقبل بقرارات ومخرجات محكمة العدل الدولية؟ الكيان الصهيوني ونخبه السياسية والدبلوماسية من المؤكد انهم يرددون قول الشاعر ” زعم الفرزدق انه سيقتل مربعا أبشر بطول السلامة يا مربع”.
كاتب وباحث اكاديمي فلسطيني