ليست المرة الأولى التي نكتب فيها عن الأزمة الليبية فعلى مدار العشر سنوات الأخيرة والأزمة الليبية حاضرة في قراءاتنا وتحليلنا للمشهد العربي والإقليمي والدولي بل وحاضرة أيضا في قراءاتنا وتحليلنا للمشهد المصري المحلي باعتبار ليبيا العربية أحد أهم بوابات الأمن القومي المصري, وما يحدث على الأرض الليبية لا يمكن فصله وعزله عن ما يحدث من مؤامرة على أمتنا العربية في إطار مشروع العدو الأمريكي وحليفه الصهيوني المعروف بالشرق الأوسط الكبير أو الجديد, الذي يسعى لتفكيك بنية مجتمعنا العربي وتقسيم وتفتيت دوله التي قسمت وفتت قبل ذلك في مطلع القرن العشرين بواسطة القوى الاستعمارية آنذاك المتمثلة في بريطانيا وفرنسا في إطار مشروع سيكس – بيكو.
وعلى مدار سنوات الأزمة الليبية كانت رؤيتنا واضحة أشد الوضوح, وطرحنا في كل مرحلة كيفية الحل بعيدا عن القوى الاستعمارية التي تدير المشهد بالداخل الليبي لصالحها, وكنا دائما ما نذكر الأخوة الليبيين بأن الضربة الأولى كانت على يد قوات حلف الناتو وبدعم من الرجعية العربية الخائنة والعميلة تاريخيا والتي كانت تسيطر على الجامعة العربية في تلك اللحظة, وتمت الاطاحة بالقيادة السياسية, وتدمير البنية التحتية, وتفكيك مؤسسات الدولة, وجلب المليشيات المسلحة والجماعات التكفيرية الإرهابية لنشر الحرب الأهلية, وكانت النتيجة عبثية المشهد الليبي في ظل تشريد الشعب وسرقة ونهب ثرواته, وأكدنا أن هذه القوى الاستعمارية لا يمكن أن يكون هناك حل من خلالها, وعندما طرحت أخيرا حل الانتخابات الرئاسية الليبية في 24 ديسمبر الحالي قلنا أن هذه الانتخابات لا يمكن أن تحل الأزمة الليبية.
ومع فتح باب الترشيح شاهدنا العجب حيث تقدم 98 مرشح للمفوضية العليا للانتخابات ومع غلق باب الترشيح أعلن رئيس المفوضية عماد السايح في مؤتمر صحفي عقده في العاصمة طرابلس أنه تمت إحالة جميع أوراق المرشحين إلى النائب العام والمباحث الجنائية ومصلحة الجوازات والجنسية للتأكد من انطباق الشروط الواردة في قانون الانتخابات عليهم, وخلال فترة الطعون شاهدنا مهازل كبرى خاصة ما تم مع المرشح سيف الإسلام القذافي, واتضحت من خلال مرحلة التقديم وقبل الوصول ليوم الانتخابات أن المشهد يزداد عبثية, وأن الانتخابات لا يمكن أن تحل الأزمة, فهناك عدد ضخم من المرشحين تم الدفع بهم لتفتيت الأصوات وعدم حسمها من الجولة الأولى, لكن يبقى في المشهد ثلاثة مرشحين أقوياء يمكن أن يصل مرشحين منهم لجولة الإعادة هما سيف الإسلام القذافي وخليفة حفتر وعبد الحميد دبيبة, هذا بالطبع إن لم تحدث مفاجآت, لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هل يتمكن أي فائز من السيطرة وفرض النفوذ وإنهاء الأزمة وإعادة بناء مؤسسات الدولة ؟!
والإجابة التي نراها بوضوح أن الانتخابات لن تحسم شيء ولن تحل الأزمة, والحل الذي نراه وحيدا هو أنه من الضروري في البداية التأكيد على أن ما شهدته ليبيا على مدار العشر سنوات الأخيرة هو عدوان غربي سافر استهدف ليبيا العربية أرضا وشعبا ونظاما, بهدف تفكيك وحدتها والاستيلاء على ثرواتها, ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير, ونجحت المؤامرة على ليبيا في إشاعة الفوضى, وانتشار السلاح, وتفكيك مؤسسات الدولة, وضرب النسيج الاجتماعي في مقتل بإثارة النزعة القبائلية والمناطقية, وتم جلب المليشيات المسلحة مع الجماعات التكفيرية الإرهابية من كل بقاع الأرض للحرب بالوكالة على الأرض العربية الليبية, ولم تعد ليبيا تحت سيادة نظام سياسي وقيادة سياسية موحدة, فشهدنا برلمان وحكومة وجيش في الشرق, وحكومة ومليشيا مسلحة في الغرب, ونزاعات على السيادة والسلطة, هذا إلى جانب الاحتراب الأهلي.
وبحثا عن الحل وبعيدا عن ما يتم من تدويل للقضية فأي حل لابد أن يبدأ بالمصالحة الوطنية, وهنا يثار أي مصالحة وطنية نريد؟ والإجابة القاطعة أن المصالحة الوطنية التي نرغبها في ليبيا العربية هي مصالحة وطنية شاملة لكل المكونات الاجتماعية للشعب العربي الليبي دون أي محاولة لتجاهل أو إقصاء مكون من مكوناته, ولابد أن تتم هذه المصالحة تحت رعاية عربية بعيدا عن الرعاية الغربية المسبب الرئيس في المؤامرة على ليبيا, والمفترض أن تكون المصالحة تحت مظلة بعض الدول العربية التي يتداخل آمنها القومي بشكل مباشر مع الأمن القومي الليبي, وهنا تظهر مصر بثقلها الإقليمي ومعها الجزائر وتونس والمغرب.
وبإنجاز المصالحة الشاملة ننتقل للمرحلة التالية وهى المرحلة الأكثر إجرائية والمتمثلة في إعادة بناء مؤسسات الدولة وأول مؤسسة يجب إعادة تشكيلها هو الجيش الوطني الليبي الموحد الذي يكون هو وحده المنوط به حمل السلاح للدفاع عن التراب الوطني, خاصة مع إيماننا بأن الجماعات التكفيرية الإرهابية التي جاءت إلى الأرض العربية الليبية لن تخرج طواعية وعبر المسارات السياسية التي تطرحها المنظمات الدولية الغربية, لذلك لابد من جيش وطني موحد يخوض الحرب للقضاء على هذه الجماعات الإرهابية.
ومع إنجاز المصالحة الشاملة وتجفيف منابع الإرهاب على الأرض الليبية, تصبح مهمة بناء باقي مؤسسات الدولة سهلة ويسيرة, هنا يمكن الحديث عن المسار السياسي عبر توافق على دستور للبلاد, ثم إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية, وبذلك تعود ليبيا كما كانت دولة عربية موحدة وقوية وقادرة على مواجهة الأخطار التي تحيط بها, اللهم بلغت اللهم فاشهد.