حفيداتي وأحفادي، بناتي وأولادي، اخواتي واخواني، أبناء عائلتي، فلسطينيات وفلسطينيون عرب أقحاح
أكتب لكم اليوم في ظل مازرعوه من رعب وخوف ويأس من الحياة عبر ماصنعوه من فايروس أسموه ” التاج ” ، كورونا زرعوه في الغرب والشرق وفي بلادنا التي تتوسط الشرق والغرب ، وبلادنا مهمة للعالم لأن دونها لاصلة وصل بين الشرق والغرب ، وسيبقيان كما قال شاعر الغرب : الشرق شرق والغرب غرب ، ولن يلتقيا .
قصتي مع هذه الحياة رواية تسودها كل أنواع الأحاسيس ….. الألم والراحة والسعادة والحزن والخوف ، وأحاسيس ليست عامة ومتاحة لكل انسان كمواجهة الموت وانقضاضه عليك أو انقضاضك عليه ، في هذه الدنيا ومع مرور السنين ومع غزو الشيب وتنفخ المفاصل وبلوغ الانسان من العمر عتيا …. تبدو الأمور أوضح وأنصع ، فالانسان كتلة متوازنة كما هو العالم قائم على التوازن ، ويختل اذا اختل هذا التوازن …. قد يمرض وقد يخطئ وقد يضل ان هو فقد التوازن ، وكذلك العالم ستبدو الأمور مختلفة ان اختل توازن العالم ، فالطويل قد يبدو أطول أو أقصر ، والبعيد قد يبدو أبعد أو أقرب لكن اختلال التوازن لن يبقي أمور العالم على حالها .
فمابالك اذا أصاب الخلل الجاذبية ، أو سرعة دوران الأرض على نفسها أو دورانها حول الشمس ، وهذا العالم هو ذرة في عالم أوسع مليء بالمجهول الذي قد يكون توازنه قائم على أسس مختلفة عما يقوم عليه التوازن في أرضنا .
مهما كانت العوامل عاش الانسان على هذه الأرض تتحكم به قوانين الصراع للبقاء ، واختلفت هذه القوانين مع اختلاف تطور المجتمعات البشرية ، فمن الأسلحة الحجرية لمواجهة الوحوش ( سواء كانت حيوانات مفترسة أو بشر مفترس أو ظروف خارجية ) ، تحيل حياة الانسان الى بحر من الكوارث الطبيعية لكن تطور السلاح لدى البشر أصبح له غايات تختلف عن الدفاع عن النفس في وجه المفترسين ، فمنذ مايسمى بالغرب ” النهضة ” ، تحول السلاح بيد الانسان الى أداة ظلم واضطهاد وقتل واستغلال وتحكم ، واستعباد للبشر على يد البشر .
يتحدثون عن النهضة – أي التطور الاجتماعي الاقتصادي الذي أدى لنمو المجتمعات الصناعية وازدياد الحاجة الأولية والأسواق ، وهذا عنى ويعني ارتفاع مستوى التفنن في وسائل القتل والتدمير ليسهل احتلال أراضي الغير لاستنزاف ثرواتها ، واستعباد الشعوب لنهب قوة العمل فيها وفرض بضائعهم على أسواقنا .
تناسى هذا ” الغرب ” ، كل الحضارات التي قامت بتطورها نسبيا كل ماقام به الغرب (الفراعنة – وامة مابين النهرين واليونانيون والرومان والعرب والمسلمون ) ، ولا أستثني أحدا من هؤلاء من ارتكاب كل ماهو ظالم في معاركهم للسيطرة ، لكن علينا الاعتراف بما أسسوا وأضافوا من علم ومعرفة وتقدم لبني البشر .
البقاء للأقوى ، والغاية تبرر الوسيلة والأبيض هو العرق ” السيد ” ، والملونون هم أدنى من البيض … كلها مقولات اخترعها المجرمون ليبرروا جرائمهم ضد الانسان ، وقيمة الانسان وكونه قد خلق ” في أحسن تقويم ” ، ويحتقر هؤلاء العنصريون الجناة كافة الرسائل التي تحض على الخير والمساواة والعدالة والحق .
والتاريخ لايرحم المجرمين ، ولايسامح الذين سلبوا حرية البشر الذين خلقوا أحرارا فاستعبدهم المجرمون ( ولا طريق أمام الذين انتزع الغزاة المجرمون حقهم في الحرية والكرامة الانسانية وحقوق الانسان الا التمسك بقيمته كانسان) ، ….. أي التمسك بحقه في الحرية والكرامة الانسانية وحقوقه كانسان ، اذ مهما طال زمن الاستغلال والاستعباد والابتزاز والقمع والنهب الذي ترتكبه القوى المدججة بالقوة المسلحة ، فان هذا الظلم سينتهي مع صحوة العبيد ….مع ثورة الضحايا ، وسيرى الاستعماريون أي منقلب سينقلبون .
في زمن العهر الاستبدادي كانت دولة العنصرية التي أقامها الغرب على أرض جنوب افريقيا تقتل شعب جنوب افريقيا بالآلاف دون أن يتصدى لها أحد ، فالعالم الاستعماري كان يساند الطغمة العنصرية التي تحكمت في البلاد بقوة الولايات المتحدة واوروبا ” الاستعماريون ” وقاد نلسون مانديلا شعبه دون وجل من الموت ، ودون فزع من قوتهم الظالمة وطالب الشعب أن يتمسك بحقه بالحرية والكرامة الانسانية .
وأصبح نلسون مانديلا عنوانا لكل من ينادي بحرية البشر وحقوقهم الانسانية ، وتحول العالم ” شعبيا ” ، خاصة في الدول الاستعمارية الى داعم ومؤيد لنلسون مانديلا وشعبه …. وانتصر .
لقد كانت فرحتي عظيمة بخروجه من السجن ، فقد كان ذلك عنوانا لمرحلة جديدة مرحلة استعادة شعب جنوب افريقيا لحريته ، وهذه خطوة اولى لاستعادة كرامته الانسانية وحقوقه .
دعوني أقول لكم ان فرحتي دفعتني للقيام بعمل اعتبره بعض القيادات الفلسطينية مستحيلا جمعت فرحتي وقلت للقائد ابو عمار ” لابد من أن تكون فلسطين أول مهنئ لنلسون مانديلا ” ، فأجابني : وكيف السبيل للوصول اليه الآن ؟ لقد خرج منذ ساعة من السجن .
فقلت له : دعني أحاول ، وأنا متأكد أنني سأجده … فضحك بعض القادة ونظرت اليهم وقلت : هيك ما بتحرروا فلسطين ! الارادة والتصميم هما الطريق ” .
ورحت أجري اتصالاتي كان بعض رجال الصحافة من أصدقائي يغطون الحدث في جوهانسبرغ ، اتصلت بأحدهم وأخبرني أن هذا مستحيل لأنه خرج وتوجه الى سونيو ” الحي الفقير حيث بيته ” ، وأن لا أحد يعرف رقم هاتفه طلبت منه رقم رئيس الحزب أو نائبه فاعطاني رقما اتصلت به فقال لي لقد ذهب الى بيته ، فطلبت منه رقم زوجة مانديلا لأنها لا شك ستكون معه فأعطاني الرقم … اتصلت بها ، فردت لحسن حظي على الاتصال وكي لا أضيع ثانية قلت لها عرفات عرفات ” مرتين ” ، يريد أن يتحدث مع مانديلا قالت لي : أهلا سيد عرفات ” ، طبعا لم أنتظر أن أصحح لها بل انتظرت أن تصلني بنلسون مانديلا قالت : انه نائم لكنني سأوقظه لأنك عرفات الذي نحترم ونحب … شكرتها ، وتوجهت فورا لمكتب الرئيس ابو عمار وطلبت منه رفع سماعة الهاتف لأنني حولت الخط له ، وقلت له سيحدثك الآن نلسون مانديلا .
كانت الصدمة على وجوه القيادات التي هزأت قبل قليل من الفكرة ، وعدت لأساعد الرئيس في اختيار الجمل المناسبة بالانكليزية ، وكان اتصاله هو الأول من بين قادة العالم مع نلسون مانديلا ، وكانت فلسطين هي أول من هنأ نلسون مانديلا بالخروج من السجن .
أرأيتم ماذا تحقق الارادة ؟ أرأيتم ماذا يحقق الأحرار ؟ أرأيتم كيف تنتصر فلسطين ونضعها اولا واولا وثانيا وثالثا …. يسهل الاستسلام للصعب والاستهزاء من ارادة المصممين على خوض المعارك الصعبة لكن يصعب القتال لأنه يحتاج الى رجال لايعرفون العجز ، ولا يهزمون من داخلهم بل ينتصرون على العدو لأن قلوبهم منتصرة ، وايمانهم بالنصر من عند الله أكيد مثل هؤلاء الرجال هم الذين يصنعون التاريخ ، فالخوف من الموت هو الموت ومهاجمة الموت هي الحياة أو لا تؤمنون بأن الموت حق ، وانا لله وانا اليه راجعون .
المؤمنون تعتمر قلوبهم بنار الكفاح … نار هي برد وسلام على المؤمنين يعرفون أن الموت يأتيهم عندما يشاء الله ولو كانوا في بروج مشيدة ، ولذلك فان الجهاد في الميدان ومهاجمة وملاحقة الموت دفاعا عن الرسالة والمقدسات والأرض المقدسة والانسان وحقوقه وحريته هي الأكرم ، وهي التي تجعل الموت يرتعد ويهرب أمام الارادة والتصميم والايمان …. هذه تتحول كلها الى قذيفة من الشجاعة التي لاترى النور الا في الله تعالى .
يا بناتي وأبنائي : –
منذ 57 عاما انضممت لمجموعة من الشباب الجامعي للتدريب على السلاح كي نقاتل لانتزاع حريتنا وحرية أرضنا وشعبنا ، ومازلت أقاتل وأكافح ولن أتخلى طالما بقيت حيا عن ارادتي وتصميمي على انتزاع ما اغتصب منا ، فالاحتلال لايغتصب الأرض ويصادرها بغير حق بل يظلم وبوحشية همجية … انه يفعل اكثر من ذلك : –
انه يغتصب كرامة الانسان وشعوره بأنه كائن متوازن له حقوق كغيره من البشر ، ان الاحتلال يظهر لك ذلك الوجه لانسان همجي مفترس لاعقاب له سوى الاستئصال .
تدربنا وقاتلنا ، ومازلنا في هذه الرحلة الطويلة نستخرج دروسا وعبر من الصعب أن نستخرجها نظريا ، وقبل الشروع في المشوار الطويل ……دروس سأحاول ان أسجل لكم أهمها كي أساعدكم على تجنب الوقوع بها ، أو السماح لغيركم بأن يقع في مطباتها لأن نتائج مثل هذه الظواهر التي أفرزت دروسا قد تكون مدمرة ، ولكن على الأكيد انها تؤخر وتعرقل انتصارنا على عدونا ، وانتزاع حريتنا .
سوف أشرح لكم بعض هذه الدروس في الحلقة الثانية .
رأي اليوم