في مؤتمر منظمة “إيباك” الصهيونية الأميركية السنوي في عام 2016 عرضت «القناة العبرية 12» جزءاً من خطاب ألقاه جو بايدن قال فيه:«قمت بزيارة لتل أبيب بعد حرب حزيران 1967 والتقيت فيها غولدا مائير بصفتي عضواً في الكونغرس فقالت لي وهي تسير إلى جانبي: لدينا سلاح سري في صراعنا ضد العرب سأكشفه لك.. فظننت أنها ستطلعني على سلاح في غاية السرية فإذا بها تقول لي: ليس لدينا مكان آخر نذهب إليه». والحقيقة هي أن أكثر من مليونين ونصف من اليهود الصهيونيين الذين قامت بريطانيا الاستعمارية بنقلهم إلى فلسطين منذ عام 1920 ذهبوا إلى أوطانهم التي جاؤوا منها في أوروبا أو هاجروا إلى الولايات المتحدة وكندا خلال العقود الثلاثة الماضية بموجب الأرقام الصادرة عن وكالة التهجير اليهودية الصهيونية.
وهكذا يحمل بايدن كرئيس جديد للولايات المتحدة صفة الرئيس الأخير الذي التقى غولدا مائير وديفيد بن غوريون وموشيه دايان قبل أكثر من خمسين عاماً حين كان في التاسعة والعشرين من عمره في ذلك الوقت وهو سيناتور عن الحزب الديمقراطي، لكن السؤال الطبيعي عند استلامه دفة الحكم رسمياً في 20 كانون الثاني المقبل هو: هل سيتبع سياسة مختلفة عن سلفه ترامب في معاملة الكيان الصهيوني؟
لا أحد من المتتبعين للسياسات الأميركية ومصالحها الإستراتيجية يتوقع ذلك برغم أن بايدن امتنع حين كان بمنصب نائب الرئيس أوباما عن حضور خطاب نتنياهو في عام 2015 أمام الكونغرس والذي انتقد فيه نتنياهو أمام أوباما والكونغرس توقيع الولايات المتحدة على «اتفاق خمسة زائد واحد» النووي مع إيران.. وبرغم أنه -أي بايدن- أعلن عن استيائه من نتنياهو عام 2010 حين كان يزور تل أبيب كنائب للرئيس الأميركي، إذ قام نتنياهو بالإعلان أثناء زيارة بايدن عن بناء 1200 وحدة استيطانية في مدينة القدس المحتلة. وفي النهاية لم يغير لا بايدن ولا أوباما هذه السياسة الاستيطانية واستمر العدوان الاستيطاني على هذا المنوال.
ويبدو أن السؤال الذي يتوجب علينا الإجابة عليه عندما يبدأ بايدن بتنفيذ سياسته الخارجية في المنطقة هو: كيف ستعد الدول والقوى والأطراف المناهضة لسياسة الهيمنة الأميركية ودعمها اللامحدود للكيان الصهيوني نفسها لمواجهة سياسة بايدن.. وكيف ستعمل لزيادة قدراتها وتوسيع تحالفاتها في هذه المواجهة المحتمة طالما أنه ليس من المتوقع أن يلغي بايدن “قرارات” ترامب حول الجولان السوري المحتل والقدس ونقل السفارة الأميركية إليها؟ فجدول العمل الذي سيحدده بايدن في أغلب الاحتمالات سيستند إلى إطلاق سياسته من نفس ما فرضه ترامب من سياسات عدوانية على سورية وفلسطين، وربما يرى البعض أنه سيقوم بطريقة ما بتعديل قرار انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران.
ومن المتوقع أن يستخدم بايدن هذه الخطوة لإعادة العلاقات الأوروبية- الأميركية التي تراجعت في ظل سياسة ترامب إلى مسارها الذي ساد في عهد الرئيس أوباما، وفي هذا الحال سيعمل بايدن على الاستقواء بهذه السياسة الأوروبية– الأميركية لتوليد المشاكل لروسيا وللصين، كما أنه من غير المحتمل أن يجمد العقوبات التي فرضتها ترامب على روسيا بل يعدها أوراق قوة في أي مفاوضات مع موسكو إضافة لورقة “العقوبات” العدوانية التي فرضها ترامب على سورية وحلفائها في المنطقة.
وأمام مثل هذه الاحتمالات من المتوقع بشكل مواز أن تشتد متانة التحالفات التي تجمع بين سورية وإيران وحزب الله من جهة، وبين روسيا والصين من جهة أخرى، لأن دولاً أوروبية ستستغل وجود بايدن لتوسيع المصالح المشتركة مع الولايات المتحدة بعد أن تضررت في عهد ترامب وسياسته الخارجية الأحادية في منطقة الشرق الأوسط.
ولا شك أن اصطدام السياسة الخارجية الأوروبية– الأميركية بسياسة قوى محور المقاومة الهادفة للمحافظة على انتصاراتها ومنجزاتها المحلية والإقليمية سيشكل أول مواضيع جدول العمل التي ستتبناها دول الغرب المُنهكة من مضاعفات وباء كورونا اقتصادياً واجتماعياً، بينما ستحافظ قوى محور المقاومة على سياستها بدعم من الحلفاء لأن الجميع ستستهدفهم سياسات بايدن– أوروبا في أول سنوات العقد الثالث من هذا القرن.
ويبدو من الواضح أن موسكو وبكين على المستوى الدولي وقوى محور المقاومة أخذوا يعملون منذ هذه اللحظة على زيادة قدرة تحركهم واستعداداتهم لمواجهة ما سوف يعده بايدن لاستعادة عوامل وأوراق القوة الأميركية التي تراجعت في عهد ترامب ولم تنجح في تحقيق أهدافها ضد القوى الإقليمية الصاعدة في المنطقة وحلفائها في العالم.
* كاتب من فلسطين