أنتوان لاغارديا- نائب رئيس تحرير زاوية أخبار العالم في مجلة «إيكونوميست» الدولية الشهيرة نشر في العدد الخاص بالتوقعات المحتملة للعام الجديد 2019عنوانا مثيراً هو: «نهاية الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط» واختار له لوحة تتضمن ثلاثة جنود يقفون معاً وخلفهم العلم السوري وصورة الرئيس بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تعبيراً عن سقوط الهيمنة الأمريكية والهزيمة المعلنة لأمريكا في سورية بعد قرار ترامب سحب قواته منها، ويرى لاغارديا أن «الولايات المتحدة بدأت بالانسحاب من ورطتها في الشرق الأوسط, لكنها كانت من قبل قد استسلمت حين امتنع الرئيس السابق أوباماعن شن هجوم عسكري أمريكي مباشر على القوات السورية عام 2013 وقرر الانتقال مع ايران إلى اتفاق مع الدول الخمس بشأن موضوعها النووي، ويرى لاغارديا أنه على الرغم من قصف الرئيس ترامب بعض المنشآت العسكرية السورية بالصواريخ عام 2017, إلا أنه فضل أثناء تأرجح سياسته بين التهديد والانسحاب، اختيار الانسحاب.
ويؤكد في المقابل أهم اثنين من المحللين السياسيين في تحليل مشترك نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في21 كانون أول الجاري (أهارون ديفيد ميللير) نائب رئيس مركز أبحاث وودرو – ويلسون الأمريكي وكذلك (ريتشارد سوكولوسكي ) الذي عمل محللاً سياسياً في مكتب التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأمريكية من عام 2005 الى عام 2015 أن «ترامب لم يخسر سورية بل كان قد خسرها قبله الرئيس أوباما بسبب عجزه عن تغيير ميزان القوى العسكري والسياسي في الشرق الأوسط حين رجحت الكفة لمصلحة سورية وروسيا وايران، لكن قرار ترامب مؤسف لأنه اتخذه من دون تشاور مع حلفائه ومع الكونغرس، ومع ذلك يرى المحللان أن ترامب كان قد خضع لضغوط عدد من رجال إدارته حين تراجع عن القرار الذي أعلنه بالرغبة بالانسحاب من سورية في آذار الماضي، لكنه فضل هذه المرة عدم التشاور معهم لفرض قراره بهذا الشكل واستثماره في انتخابات الرئاسة عام2020.
ومع ذلك سيعد قرار ترامب الانسحاب انتكاسة كبيرة لـ «إسرائيل» بنظر مسؤوليها العسكريين فرئيس معهد (أبحاث الأمن القومي الاسرائيلي«INSS» الجنرال المتقاعد عاموس يادلين ذكر لصحيفة «يديعوت احرونوت» الإسرائيلية أن: (قرار ترامب سيثير المزيد من المتاعب على المدى الطويل» لـ «إسرائيل») بينما يرى الجنرال غادي آيزنكوت- رئيس أركان جيش الاحتلال في الصحيفة نفسها أن قرار ترامب سيحمل مضاعفات كثيرة على «اسرائيل» لأنها تواجه الجبهة السورية لوحدها منذ عشرات السنين، وبعد انتهاء الوجود العسكري الأمريكي في سورية ستجد «إسرائيل» نفسها أمام روسيا المتحالفة مع سورية.
وعن التنبؤ بأحداث العام الجديد 2019 يتوقع (لاغارديا ) أن تصمد ايران في مواجهة العقوبات التي فرضها ترامب، لكن ذلك لن يزيل خطر نشوب حروب جديدة حتى لو جرت عن طريق الخطأ وليس عن التصميم المسبق، فربما تميل «إسرائيل» إلى المخاطرة بحرب بموجب ما يتوقع أو تنجر تركيا إلى مواجهة مباشرة عسكرية مع الجيش السوري وحلفائه حين يبدأ باستعادة ادلب من المجموعات الإرهابية.. كما يتوقع أن يزداد النزاع الداخلي في بيت آل سعود على الحكم وتطول الحرب الباردة بين قطر وتركيا من جهة، والسعودية من الجهة الأخرى.
لكن احتمال أن تميل «إسرائيل» إلى شن حرب في العام 2019 سيظل ضئيلاً نسبياً لأن أحد الأسباب التي يراها معظم المحللين السياسيين الأمريكيين ولاسيما (ميللير– وسوكوليسكي) يعدون قرار ترامب بالانسحاب من سورية يعود إلى اختلال ميزان القوى في المنطقة لمصلحة التحالف السوري- الروسي- الإيراني بعد انتصاره على التنظيمات الإرهابية ومن كان يدعمها ولاسيما بعد تزايد قوة الجيش- السوري على جبهة الجولان المحتل وامتدادها الى قدرات حزب الله في جنوب لبنان، وهذا ما جعل آيزنكوت نفسه يصرح في مناسبات عديدة أن («إسرائيل» تفضل تجنب أي حرب شاملة على جبهتها الشمالية إلا إذا فرضت عليها) وحتى التوقعات في موضوع احتمال أن تشن «إسرائيل» حرباً في عام 2019 ضد قطاع غزة ستظل ضئيلة لأن نتنياهو سيفضل في أغلب الاحتمالات انتظار نتائج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية المقبلة في عام 2019 من دون أن يغامر بحرب قد تكلفه خسارة رئاسة الحكومة على غرار ما حدث لإيهود أولمرت بين عامي 2008و 2009 بعد أن أحبطت المقاومة في غزة أهداف عدوانه في كانون الأول عام 2008، وخسر حزبه مقاعد كثيرة.