لم تسقط الاتفاقات “الإبراهيمية” من فراغ، إذ أن أحد مصادرها كان الاتفاقيات والمعاهدات ما قبل “الإبراهيمية”، مثل كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة، التي أحدثت اختراقاً تطبيعياً مكشوفاً في المنظومة الرسمية العربية، بعد أن كانت العلاقات، قبل تلك المعاهدات، سرية. أما مصدرها الآخر فقد كان، كما أظهرت الأحداث لاحقاً، “الربيع العربي”.
أسهم “الربيع” المزعوم في التمهيد للتطبيع من ناحيتين، سياسية ومعنوية. أما الناحية السياسية، فتمثلت بحالة الاستنزاف والإنهاك التي أحدثها في الجسد العربي، لا سيما أنه تركز في البلدان العربية التي تمتلك إرثاً وطنياً وقومياً مناهضاً للاحتلالات الغربية والعدو الصهـيـ.ـوني، بعيداً عن الملَكيات المرتبطة تاريخياً بالغرب والمعروفة بعلاقاتها مع العدو الصهـيـ.ـوني. أما من الناحية المعنوية، فتمثلت بالاختراق الذي أحدثه “الربيع العربي” في الشارع العربي من خلال تشويه بوصلته ودفعه باتجاهات ليبرالية وإسلاموية تشكل صلاتها مع الغرب والحركة الصهـيـ.ـونية العالمية جزءاً من سجلها المثبت وتاريخها المعروف.
حول تعريف التطبيع:
التطبيع، كما عرفناه في في الفصل الأول من كتاب “في التطبيع وقضاياه الخلافية” (2014)، هو جعل العلاقات طبيعية بين طرفين ليست العلاقات بينهما طبيعية حالياً، سواءٌ كانت طبيعية سابقاً أم لا، وهو عملية وصيرورة دائبة وصولاً لتحقيق غاية، لا خطوة واحدة عابرة سريعة أو غير سريعة.
والتطبيع، بالنسبة لصراع الأمة العربية مع العدو الصهـيـ.ـوني، هو نهج وأداء وعقلية جوهرها كسر حاجز العداء مع العدو الصهـيـ.ـوني بأشكال مختلفة، سواء كانت ثقافية أو إعلامية أو سياسية أو اقتصادية أو سياحية أو دينية أو أمنية أو استراتيجية أو غيرها.
لكنْ، بغض النظر عن شكله، فإن فحوى التطبيع مع العدو الصهـيـ.ـوني يبقى واحداً، وهو جعل الوجود اليهـ.ـودي في فلسطين أمراً طبيعياً، إذ أن الصهـيـ.ـونية تتمثل بهدفين جوهريين: ديموغرافي وسياسي؛ أما السياسي فهو تأسيس دولة يهـ.ـودية في فلسطين؛ أما الديموغرافي فهو الهجرة اليهـ.ـودية إلى فلسطين، وبالتالي فإن الوجود اليهـ.ـودي في فلسطين، منذ بدء موشيه مونتيفيوري تأسيس المستعمرات في فلسطين في منتصف القرن التاسع عشر في ظل العثمانيين، بات جزءاً من مشروع صهـيـ.ـوني يتجاوز اليهـ.ـود الأفراد قبلها.
وعليه، فإن أي عمل أو قول أو صمت أو تقاعس يؤدي إلى التعامل مع الوجود اليهـ.ـودي في فلسطين كأمر طبيعي، أو يتعامل مع الكيان الصهـيـ.ـوني كدولة طبيعية، يحمل في طياته بعداً تطبيعياً.
حول ابتعاد “الربيع العربي” عن التناقض مع الإمبريالية والصهـيـ.ـونية:
لوحظ مبكراً أن ثورات ما يسمى بـ”الربيع العربي” ركزت على قضية الديموقراطية بالمعنى الغربي، الليبرالي، بمعنى الانتخابات والتعددية وتداول السلطة وما شابه، وأنها أهملت منذ البداية التناقض المركزي مع الإمبريالية والصهـيـ.ـونية، وقلنا منذ بداية ربيع العام 2011، في مقالات يسهل إيجادها على الإنترنت:
إذا بدأنا من فرضية أن الأساس هو الحريات الفردية، وأن كل من يعيق الحريات الفردية هو العدو، وكل من يسهّل نيلها هو الصديق، يصبح من السهل عندها أن نتعامل مع الولايات المتحدة وحلف الناتو والدول العربية التابعة لهما، لا على أساس مشاريعها في المنطقة، والاصطفاف القائم على الأساس القومي، بل على أساس الشعارات السياسية التي يرفعونها لتمرير مشاريعهم السياسية. وقد رأينا ما جرى في العراق، على سبيل المثال لا الحصر، ونعرف بالتالي أن المشروع الأمريكي في المنطقة هو مشروع: 1) هيمنة، و2) تفكيك، 3) بغلاف “ديموقراطي”.
أما إذا بدأنا من أولوية التناقض الرئيسي مع الإمبريالية والصهـيـ.ـونية، وهو التناقض الذي لاحظنا تغييبه إلى حدٍ بعيدٍ في الانتفاضات الشعبية الأخيرة، فإن الاصطفاف يصبح مختلفاً بالضرورة، وعندها تصبح الدول والقوى التي تشكل عائقاً أمام المشاريع الإمبريالية والصهـيـ.ـونية قوى صديقة بالضرورة، حتى لو كانت لنا ملاحظات كبيرة عليها، ولو كان تناقضها مع الإمبريالية والصهـيـ.ـونية نابعاً ببساطة من مخطط قوى العولمة في تكسير الدول المركزية، مثل يوغوسلافيا السابقة أو كوريا الشمالية، المعيقة لمخططاتها. في مثل تلك الحالة، لا نسقِط مطلب الإصلاح والتغيير طبعاً، ولا نسقِط مطلب الحقوق الفردية، ولكننا نشترط بالحد الأدنى ما يلي:
1) أن يكون صاحب ذلك المطلب غير مرتبط بأجندة خارجية أو بعلاقة مع الخارج الاستعماري المعادي
2) أن لا يكون جزءاً من مشروع تفكيك الوطن باسم “تغيير النظام”.
كذلك أشرنا في أكثر من مادة منشورة، منها مادة عن الحراك الشعبي في الأردن في شهر شباط عام 2011 (1) ، أن ثمة عوامل موضوعية متشابهة للحراك الشعبي العربي عندما بدأ في مصر وتونس، ومنها: 1 – ذلك المزيج المتفجر من بطالة الشباب وارتفاع مستواهم التعليمي في آنٍ معاً، 2 – إفقار الشعب بالترابط مع استشراء الفساد وتمتعه بالحماية السياسية على أعلى المستويات، 3 – التفريط بالثروات العامة وإخضاع البلاد لنهج اقتصادي ليبرالي متطرف لا يطبق حتى في الولايات المتحدة ذاتها، 4 – التبعية للخارج ورهن القرار السيادي بقوى الهيمنة الخارجية وممارسة التطبيع مع العدو الصهـيـ.ـوني، 5 – مصادرة القرار السياسي للمواطن وحقه في تقرير شؤونه العامة، إما بشكل قمعي مباشر أو من خلال واجهات شكلية، مثل مجلس نوابٍ لا يغني ولا يسمن وتم تفصيله على مقاسات الأجهزة الأمنية والسلطة التنفيذية…
لكنّ العوامل الموضوعية التي تخلق بيئةً قابلةً للانفجار لا تكفي بحد ذاتها للتهليل للانفجار الناتج عنها. فالحراك المفتقد للبرنامج الثوري والقيادة الثورية يصبح فريسةً سهلةً للاختراق والانحراف، وبالتالي يصبح قابلاً للتوظيف لمصلحة الإمبريالية والصهـيـ.ـونية، خاصة في الدول ذات النزعة المستقلة والإرث التحرري، إذا فقد بوصلة العداء للإمبريالية والصهـيـ.ـونية، ليصبح تالياً عرضةً للاختراق تطبيعياً، كما رأينا.
وقلنا، بعد اتضاح الصورة إلى حد الغثيان (2) ، في نهاية عام 2011: الديموقراطية في الغرب نشأت في الدول المركزية القومية المستقرة، بعد تكريس مفهوم المواطنة، على حساب الطوائف والأقاليم، وبعد الثورة الصناعية وعصري النهضة والتنوير. أما الانتخابات والتعددية التي تكرس الانقسامات الطائفية والعرقية والعشائرية والمناطقية فهي وصفة للدمار، ولتفكيك الدول والمجتمعات.
المشروع الديموقراطي الحقيقي بالتالي هو المشروع الوطني والقومي، مشروع التنمية المستقلة، ومشروع التحرر عن الإمبريالية، لأنه يحقق الشروط الموضوعية للمجتمع الديموقراطي، أما “الديموقراطية” في ظل الانقسام فتمهد للحروب الأهلية والدمار.
إذن قلنا إن التحرر القومي والسيادة هما شرطان ضروريان، غير كافيين، للديموقراطية في الوطن العربي، وبالتالي فإن أي مشروع ديموقراطي حقيقي، كنقيض للديموقراطية الليبرالية، لا بد أن يبدأ بأولوية الصراع مع الإمبريالية والصهـيـ.ـونية.
لكنّ ما حدث كان عكس ذلك بالضبط، إذ بدأت تظهر منذ أحداث تونس ومصر عام 2011 تقارير روسية وأمريكية(3) عن اختراق حكومة الولايات المتحدة والدول الغربية للحراك المسمى “ربيعاً عربياً”، وبدأت تظهر قسمات مشؤومة على وجه ذلك “الحراك” تجلى بعضها فيما يلي، مما سبق أن أوردته في ورقة بعنوان “تداعيات التدخل الأجنبي في الوطن العربي” وضِعَت في نهاية عام 2011 ، رصدت فيها بعض مظاهر التطبيع مع العدو الصهـيـ.ـوني منذ بداية حركة التمرد المدعومة إمبريالياً في ليبيا وسورية (4):
1) دور الإمبريالية والصهـيـ.ـونية الواضح في مشروع “إسقاط النظام” في ليبيا وسورية، من خلال دور الصهـيـ.ـوني برنار هنري ليفي مثلاً، واللوبي الصهـيـ.ـوني في الولايات المتحدة (انظر ورقة أليوت إبرامز حول “مشروع إسقاط النظام في سورية” المترجم على موقع الصوت العربي الحر)، أو من خلال المواقف المعلنة في وسائل الإعلام، أو من خلال مجلس الأمن الدولي، أو من خلال أقرب حلفاء الإمبريالية والصهـيـ.ـونية في المنطقة (مثلاً، موقف قوى 14 آذار في لبنان)،
2) انكشاف علاقات التنسيق والشراكة الاستراتيجية بين “ثوار” ليبيا وسورية، من جهة، وبين الإمبريالية والصهـيـ.ـونية من جهة أخرى، ومن ذلك العلاقة مع الصهـيـ.ـوني برنار هنري ليفي مثلاً، الذي عاد ليظهر مجدداً في غرب ليبيا في 26/7/2020،
3) ابتعاد “ثوار” ما يسمى بـ”الربيع العربي” عن طرح أي تناقض مع الطرف الأمريكي-الصهـيـ.ـوني، والتركيز على موضوعة “الإصلاح الدستوري والانتخابي”، من دون المساس ببنى التبعية والعلاقات مع العدو الصهـيـ.ـوني، ومن ذلك تصريحات راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإخوانية في تونس، في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، الصهـيـ.ـوني التوجه، بعد لقاءٍ للغنوشي في 30/11/2011 في ذلك المعهد قال فيه: أن “النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي” لا يعنيه، لأنه شأن الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، وأنه جاء للتحدث عن تونس ومصلحته الخاصة (هكذا!)، مضيفاً بأن حزبه لم يضعْ في برنامجه الانتخابي شيئاً يمنع إمكانية نشوء علاقة مع “إسرائيل”، ومؤكداً على التنسيق مع الناتو الذي لن ينقطع…
4) انكشاف حجم الاختراق عبر منظمات التمويل الأجنبي وشبكات “الديموقراطية” و”حقوق الإنسان”، وهو ما وثق له أكثر من كاتب في روسيا والصين، ناهيك عما كتبه بعض الكتاب المصريين(5)،
5) انكشاف التحالف الذي عقدته بعض قوى الإسلام السياسي في المنطقة مع الإمبريالية الأمريكية، ومن ذلك ما صرح به جيفري فلتمان، مساعد وزير الخارجية الأمريكية، لصحيفة “يديعوت أحرونوت،” والتي ترجمت منها صحيفة “العرب اليوم” مقتطفات في 9/12/2011، قال فيها إن ثمة تفاهماً مع حركة الإخوان المسلمين في مصر، وتنسيقاً وشراكة إستراتيجية مع السلفيين! وقد جاء الفيديو الذي كُشِف مؤخراً لخيرت الشاطر، في الحلقة 12 من مسلسل الاختيار 3 في 13/4/2022، وهو يتحدث عن دور “الإخوان” في مصر في منع توجه المصريين نحو الحدود، وطلبهم من خـ.ـالد مشـ.ـعل أن يصدر بياناً يثني المصريين عن مثل ذلك التوجه، ليؤكد مجدداً على هذه النقطة.
من هنا، لم تعد القصة قصة انحرافٍ عن جادة الصواب وخلطٍ للأولويات، بل تعدتها إلى ممارسة التطبيع مع العدو الصهـيـ.ـوني مباشرة، وليس التنسيق الأمني والعسكري والسياسي مع حلف الناتو فحسب، الذراع العسكرية للإمبريالية، حاضنة العدو الصهـيـ.ـوني وراعيته.
ولعل أبرز مثال على ذلك إعلان الإخوان والسلفيين في مصر “احترام معاهدة كامب ديفيد” في عز “الربيع العربي”. وكانت وسائل إعلام شتى قد نقلت في 18/2/2011 عن الدكتور سعيد الكتاتني، الناطق الإعلامي باسم جماعة “الإخوان” في مصر، في تصريحات له على قناة “سي أن أن” الأمريكية: “الجماعة عارضت اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، حينما كانت تناقَش، ولكن عندما تم توقيعها وأُقرت، أصبحت واقعاً ومعاهدة يجب احترامها”، مشدداً على أن “الجماعة تحترم جميع المعاهدات الدولية التى وقعتها مصر”.
وقد تكررت مثل تلك التصريحات مراراً، ومنها ما نقلته هآرتس في 28/11/2011 عن تطمينات قدمتها جماعة “الإخوان” في مصر لحكومة الولايات المتحدة حول عدم إلغاء معاهدة كامب ديفيد، وما نشره موقع العربية نت في 12/1/2012 عن د. رفيق حبيب، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة الإخواني، بعد لقائه مع مساعد وزير الخارجية الأمريكية وليام بيرنز في مقر الحزب، من أن “أن الدولة المصرية عليها التزامات وأن حصول أي حزب على أغلبية برلمانية فيهدم هذه الالتزامات والاتفاقيات غير وارد”. إلخ…
كذلك سار سلفيو حزب النور على نفس المنوال، كما كتبت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها في 21/12/2011: “أجرى يسري حماد المتحدث باسم “حزب النور” السلفي المصري مقابلة غير مسبوقة عبر الهاتف من القاهرة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي اليوم الأربعاء قال فيها إن حزبه “يحترم جميع المعاهدات” التي وقعتها مصر بما فيها اتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل عام 1979″.
ويشار إلى أن جماعة “الإخوان” في مصر وقفت ضد اقتحام السفارة الصهـيـ.ـونية في القاهرة في 9/9/2011 بالقول والعمل، وأنهم أعلنوا والسلفيون عدم المشاركة في جمعة “تصحيح المسار” وقتها، كما حاولوا منع المتظاهرين من اقتحام السفارة، تحت عنوان الأمن والنظام، في الوقت الذي انتقدوا فيه أي استغلال للأحداث للضغط على الحريات أو تأجيل الانتخابات، باعتبارها همهم الرئيسي…
وكان صدر الدين البيانوني، المراقب العام السابق لجماعة “الإخوان” في سورية قد أعلن منذ عام 2006 “أنَّه اذا تولت الجماعة السلطة في دمشق فستكون مستعدة لإجراء محادثات سلام مع اسرائيل”. وقد أعادت القناة الثانية “الإسرائيلية” في بداية شهر حزيران 2011 بث تلك المقابلة مع التلفزيون الإسباني، على حد قول الجماعة نفسها، (بعد المقابلة مع حليفه عبد الحليم خدام التي قال فيها إن ثمن “سقوط النظام” السوري هو الاعتراف بحق الكيان الصهـيـ.ـوني بالوجود)، والتي قال فيها البيانوني: إن “إسرائيل موجودة، وهناك قرارات الشرعية الدولية التي تطالبها بالعودة إلى حدود العام 1967 ونعتقد أنه إذا نفذت هذه القرارات يمكنها أن تعيش بسلام”.
ولا ننسى طبعاً الفيديو الذي ظهرت فيه بسمة القضماني، الناطق باسم “المجلس الوطني السوري” آنذاك، على التلفزيون الفرنسي مع ثلة من المثقفين “الإسرائيليين”، عشية الذكرى الستين لتأسيس الكيان الصهـيـ.ـوني. وكما ذكرت شبكة الوحدة الإخبارية في 21/2/2012 عن ذلك الفيديو: “استضافت الحلقة الحوارية على إحدى القنوات الفرنسية، عدداً من الكتاب “الإسرائيليين” واليهـ.ـود، وكانت قضماني الضيف العربي الوحيد غير اليهـ.ـودي في الحلقة. ولم تخفِ القضماني إعجابها بـ”إسرائيل والإسرائيليين”، حيث قالت القضماني إن العرب بأمس الحاجة لوجود “دولة إسرائيل” بجانبهم، وأضافت أن حديث طفلها مع زميله اليهـ.ـودي عن السلام كان لحظة عاطفية. وقالت القضماني إنها تهتم وترتاح أكثر عندما تتحدث مع شخص “إسرائيلي”. ويذكر أن القضماني عضو في المجلس السوري المقيم في باريس، والمطالِب بضرورة التدخل العسكري لإسقاط النظام السوري”.
ومن الواضح أن قضية التطبيع بدأت عند جماعة “الثورة السورية” قبل أمدٍ طويل من بدء تلك الثورة، كما نرى مثلاً من مثال مشاركة النائب السابق مأمون الحمصي في مؤتمر للأمن مع الناشطة “الإسرائيلية” فيانا نيرينستين في براغ عام 2007، بمشاركة الوزير الصهـيـ.ـوني السابق ناتان شارنسكي وآخرين.
لكن مؤتمر باريس الذي عقده الصهـيـ.ـوني الليكودي المهووس برنار هنري ليفي في فرنسا لمساندة “المعارضة السورية” في أوائل شهر تموز 2011، والذي أثارت المشاركة فيه خلافاً في صفوف تلك “المعارضة” نفسها، تم بمشاركة عدد من رموز مؤتمر أنطاليا وممثل جماعة “الإخوان المسلمون” في سورية ملهم الدروبي.
ومن المعروف أن ليفي ذاته كان قد لعب دوراً مركزياً فيما يسمى “الثورة الليبية”. وبالإضافة للعلاقة الوطيدة بين حلف الناتو و”الثورات” العربية، فإن شخصية ليفي ذاتها (6)، بكل ما تحمله من شحنة تطبيعية غير قابلة للجدل، ربما تكون التعبير الأمثل عن حقيقة ما يسمى “الربيع العربي”، لا سيما دوره في نقل رسالة الطمأنة التي تناقلت أخبارها وسائل الإعلام في 4/6/2011 من متمردي الناتو في ليبيا إلى بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهـيـ.ـوني آنذاك، بعد لقاء الأخير مع ليفي لمدة ساعة ونصف في القدس العربية المحتلة.
كان من المهم رؤية كل تلك المؤشرات منذ بداية الحرب على سورية، لأن ما حدث لاحقاً كان انكشاف الدعم الصهـيـ.ـوني المباشر للعصابات المسلحة الإرهابية في سورية في العلن في وسائل الإعلام الصهـيـ.ـونية والغربية(7)، حتى أن بعضها راح يتناول جدول الرواتب الذي يقدمه الكيان الصهـيـ.ـوني لبعض تلك العصابات في الجولان (😎 (9)، ناهيك من عشرات الغارات والهجمات التي شنها جيش الاحتلال الصهـيـ.ـوني على سورية دعماً للعصابات التكفيرية المسلحة، والهجمات التي شنها جماعة “الانتفاضة السلمية” منذ بداية الأحداث، لا سيما في جنوب سورية، على قواعد صواريخ أرض-جو والرادارات السورية الموجهة ضد العدو الصهـيـ.ـوني (تل الحارة أنموذجاً)، مما سهل على العدو الصهـيـ.ـوني شن غارات في الداخل السوري، بحسب موقع “والا” الصهـيـ.ـوني (10)، ومما قدم خدمةً أمنيةً جليلةً للكيان الصهـيـ.ـوني.
تونس: راشد الغنوشي يقدم أوراق اعتماده إلى اللوبي الصهـيـ.ـوني مجدداً
التوقيت: الجمعة الموافق 31/5/2013، في العاشرة صباحاً بتوقيت واشنطن دي سي.
المكان: مركز “صابان لسياسة الشرق الأوسط”، أحد مقرات اللوبي الصهـيـ.ـوني في الولايات المتحدة، كما وثق الكاتبان والت وميرشايمر في ورقة معروفة عن اللوبي الصهـيـ.ـوني عام 2006.
وقد سُمي ذلك المركز “صابان”، منذ إطلاقه عام 2002، بكلمة من ملك الأردن عبدالله الثاني أمام “نخبة مختارة من صناع السياسات في واشنطن”، تيمناً بالملياردير والإعلامي “الإسرائيلي” حاييم صابان، اليهـ.ـودي المصري.. أما مديرة مركز صابان فقد كانت وقتها السيدة اليهـ.ـودية الصهـيـ.ـونية تامارا كوفمان، أحد أعمدة اللوبي الصهـيـ.ـوني في الولايات المتحدة.
المهم، كان من قدّم زعيم حركة الإخوان التونسيين في مركز صابان مارتن إنديك، أحد أعمدة اللوبي الصهـيـ.ـوني في واشنطن، واليهـ.ـودي الصهـيـ.ـوني المعروف جيداً، وواضع سياسة “الاحتواء المزدوج للعراق وإيران” في التسعينيات.
بعد أن امتدح إنديك مؤهلات الغنوشي كـ”مفكر إسلامي فذ”، على حد زعمه، طفق الغنوشي يسوق لنموذج حركة النهضة في التوفيق بين الإسلام والديموقراطية، اقرأ: بين الإخوان المسلمين والمشروع الأمريكي-الصهـيـ.ـوني في بلادنا. وقد سوق الغنوشي النهضة كحركة ديموقراطية بالاستناد لقبوله التشارك بالسلطة مع حلفاء “علمانيين”، على حد قوله، ليسوا إلا ليبراليين في الواقع، هم الوجه الآخر للعملة الغربية ذاتها. وقد تركز حديث الغنوشي حول الوضع في تونس حصرياً، منتقداً “اليساريين المتطرفين واليمين الديني لمحاولة فرض آرائهم بدون احترام للقانون”… معتبراً السلفية نتاج نظام بن علي، لا النظام “الديموقراطي” الذي تقوده حركة النهضة، داعياً لاحتذاء حذو النموذج المصري الذي حوّل السلفيين من العنف إلى العمل ضمن إطار القانون، منهياً حديثه بالافتخار بأن “الربيع العربي” بدأ من تونس…
ولم يتطرق الغنوشي لقضايا أخرى مثل سورية أو الموقف من القضية الفلسطينية، وغيرها من القضايا الحارة في المنطقة، على أن يتبع يوم السبت 1/6/2013 حوارٌ مع الغنوشي تديره مديرة مركز صابان، تامارا كوفمان، كما قال إنديك.
وكل ذلك موجود بالصوت والصورة على موقع مركز بروكينغز، الذي يتبع له مركز صابان، على الإنترنت(11).
لقد كان “ربيعاً” حقيراً حقاً، غير أن من إيجابياته أنه أسقط كل أوراق التين دفعةً واحدة.
الهوامش:
(1) http://www.freearabvoice.org/?p=902
(2) http://www.freearabvoice.org/?p=1583
(3) http://www.nytimes.com/2011/04/15/world/15aid.html
(4) http://freearabvoice.org/?p=1558
(5) http://freearabvoice.org/?p=1126
(6) http://freearabvoice.org/?p=1167
(7) http://www.independent.co.uk/…/israel-giving-secret-aid…
(😎 https://www.haaretz.com/israel-news/1.796480
(9) http://www.newsweek.com/israel-secretly-paying-salaries…
(10) http://maannews.net/Content.aspx?id=592853
(11) http://www.brookings.edu/…/31-tunisia-democracy…
المصدر: – مجلة “الفكر السياسي”، اتحاد الكتاب العرب، العدد 81