الأحد , 24 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

كتب د. الهذيلي منصر: معركة أوكرانيا تبدأ في 2023…

ما يُنجزه الرّوس في هذه المرحلة من تاريخ الإنسانيّة ليس هيّنا بالمرّة. كنت أتمنّى، غيرة وحرصا على قومي، رؤية العرب والمُسلمين ينجزون ما يُنجزه الرّوس أو بعضه ولكنّ للتّاريخ أحكامه ولله حكمته في ذلك وفي غيره. هم ببساطة يغيّرون بيئة جيوستراتيجية وثقافية كاملة يبنيها المركز الغربي منذ قرون ويسعى في تأبيدها منذ عقود أي منذ سقوط الإتّحاد السوفياتي.

ما نشهده عبر الرّوس أضخم تجلّ لقانون التدافع القرآني أي كما يفصّل فيه القرآن الكريم. الجماعة عندنا ربّي يهديهم ذكروا هذا القانون الرباني العظيم أيّام لقاء التكتاك والباجي ههه. هذه تكتيكات تافهة بمناطات بلهاء لا تليق بالله وسُننه والقرآن. لكن الله غالب، الواحد اذا اعتقد اصبح مالكا لمُعتقدِه متصرّفا فيه مؤوّلا له بما تهوى نفسه وتشتهي. وتصبح أيضا تجلّيات الله حكرا عليه. هو المؤمن والمؤمن الوحيد والبقية حشيش.

منذ سنوات أقرأ للروس واهتم بمخاضات روسيا التاريخية وأطّلع على براديغم فلاسفة روسيا وأخرج بخلاصات مفيدة. اهتمام زاد بعد أحداث أوكرانيا. في الجيوستراتيجيا، وهنا ألخّص، يسقط الروس نظرية الأساطيل ويستعيدون نظرية الأرض الثابتة. أمريكا التي اكتشفتها سفينة مدينة للبحر وبنت كلّ قوّتها على فكرة أنّ البحار ممرّ مضمون لكلّ غزو. حاملات طائرات، قواعد منتشرة بالمئات عبر العالم وانزالات مدجّجة على السّواحل وفرقاطات ومدمّرات. روسيا أرض والرّوس وجدانيّا صلتهم العميقة بأرضهم الواسعة التي تُغنيهم عن كلّ أرض وروسيا تاريخ متّصل وأصول متجذّرة وجيران من كلّ الأعراق والأديان والثقافات. منطق أمريكا: فرّق تسُد. منطق روسيا: تشبيك الجيرة استراتيجيا بالمصالح وفضّ النزاعات. من كان بأرض فهم أنّ الجار أبدي ولا خير الّا في توافق معه. أمريكا لا أرض لها وجدانيّا، الأرض عندها غنيمة حتى تلك التي عليها الآن. الفرق بين الإثنين كالفرق بين لقيط ومعلوم النّسب. هو فرق بين ذاكرة ونسيان.

على أهمّية هذا الانجاز أقدّر أنّ ما يسعى فيه الرّوس ثقافيا أهمّ. هي الدولة الوحيدة الآن التي تتحدّث عن النخبة العالمية وعن الحركة الشيطانية وعن الافساد في الأرض وعن اشاعة المثلية والدعاية لها بنيّة خلق انسان بلا ذاكرة ولا قيمة، انسان تقني روبوتي. حتّى دولنا الإسلامية تعجز حيث تنجح روسيا. هناك من لا يزال يفهم روسيا شيوعية كافرة تحدّث نفسها باحتلال افغانستان. وقف به حماره هناك. وزير شؤون دينية سابق زمن ثورتنا المجيدة طلع ليناصر اوكرانيا وديموقراطية أوكرانيا، انّما الديموقراطيون اخوة أو هكذا نيّته أن يؤصّل ويفتي. حتّى عند الوزراء وقف الحمار هناك.

بعد 2014 تحوّلت أوكرانيا هذه الى بؤرة لكلّ تآمُر وجوسسة وصهينة وفساد وانخرطت في مؤامرة ضخمة كان يُفترض أن تعوّض نظام الهيمنة عن خسارته في سوريا ولكنّ بوتين فهم وسبق الى المبادرة. بحساب القوّة النّارية يمكن للروس تدمير اوكرانيا خلال أيّام ومن دون الحاجة الى ترسانتهم النووية ولكن لا فالأوكرانيون جيران وليس القصد اثخان فيهم وإنّما صدّ مؤامرة توظّف رهطا منهم. جمع الرّوس اليوم وزيري الدفاع التركي والسوري وسعت أمريكا منذ سنوات لتكون بين الدولتين حرب لا تبقي ولا تذر. تقرّب روسيا بين الصين والخليج وتحوّل تركيا قاعدة ضخمة لتجارة الغاز وتتعاون في التكنولوجيات المتطورة مع الايرانيين وتسلّح الجزائر وتبني علاقات متينة بالأفارقة وتمتّن الأحلاف الإقتصادية النّاشئة وتقترح التبادل بعملات غير الدّولار مصّاص الدماء وترى ضرورة تغيير مقرّ الأمم المتّحدة. الكلّ يستفيد ممّا تمضي فيه روسيا وحتى شعوب الغرب تستفيد. متضرّر واحد وحيد: النخبة العالمية المتصهينة والمُمسكة بالقرار غربيّا أو الرأسمالية الغربية المتوحّشة والمتصهينة والمتحوّلة مافيا عابرة للحدود.

جيء ببوتين آخر مرحلة يلتسين ليحافظ على مصالح المستفيدين روسيا من سقوط الاتحاد السوفياتي وجيء به لأنه تكنوكراط وأمني لا علاقة له بفكر وأحلام ورُؤى. كان المطلوب منه مسك الوضع ليس أكثر ولكنّ ضمير الرّجل كان بمكان آخر وكان الى شعبه أقرب فتحوّل كابوسا حقيقيا لمن أتوا به وهو يؤرّق منذ فترة الغربيين. لمّا ظهرت تنظيرات أمريكية تفصّل في صراع الحضارات كان التوجّس من خطرين بلا ثالث: الكنفشيوسية الصينية والإسلام. قضى الله أن تخرج لهم الأرثدوكسية وأن يكون الصّراع داخل البيت المسيحي. مصير الأرثدوكسية التاريخي يشبه كثيرا مصير التشيّع. يجمع بينهما الهامش وازدراء المركز الديني لهما. بمعنى من المعاني فإنّ الكاثوليك هم سنّة المسيحية. حرب أوكرانيا لم تبدأ بعد ولا قيمة لهذه الحرب اذا كانت فقط حرب روس مقابل أوكرانيين. ستبدأ الحرب حقّا عندما تتجلّى وتظهر للبعيد قبل القريب أنّها حرب روسيا مع الحلف الأطلسي. وروسيا جاهزة لها وعندما تبدأ تلك الحرب لن يواجه الرّوس لوحدهم الحلف الأطلسي.

البعض يهتمّ ببعض مسيّرات ايرانية. من يتابع ويدرك أبعاد الصراع ومآلاته يفهم أنّ المسيّرات بعض بعض مهر قبل الزواج. وفي كلّ الأحوال لن يكون ذلك الزواج هو الوحيد في جبهات القتال. شعوب الشرق اكتوت طويلا بنار الإستعمار والصهيونية وقد آن الأوان. معركة أوكرانيا أخت توأم لمعركة فلسطين والمعركتان حتميّتان والنّصر فيها لن يكون حليف الشياطين. على الطريق أثمان والام ولكنّ مكر التّاريخ بدأ.

شاهد أيضاً

غزة وأوكرانيا ما بين التفاوض والحرب الكبرى .. هل ينتصر العقلاء ؟…بقلم م. ميشيل كلاغاصي*

شهد الربع الأول من القرن الحالي جملة أحداث ومعارك وحروب, بعدما انفرد الغرب بقيادة الولايات …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024