الرياضة أداة للتغيير وسلطة لتوحيد الشعوب، وفيها تفاعل إنساني يجسد حقيقة تلاشي أي فوارق أو أفضلية، وهي علاج فعال ضد الخلافات السياسية ونبذ الفرقة التي تحدث بين الأشقاء. وهذا ما حدث في (كأس الفيفا للعرب) فكانت فرصة مميزة لجمع المنتخبات العربية بعد فترة غياب طويلة جدا، وبث روح الحياة والتنافس فيهم.
لقد كانت بطولة كأس العرب2021 أو رسميًا كأس الفيفا للعرب 2021 هي النسخة العاشرة من بطولة كأس العرب بمشاركة 23 منتخباً عربياً تحت تنظيم الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا. وكانت بداية جديدة لجمع الدول العربية في مناسبة خاصة بهم وبصورة منظمة، نجحت دولة قطر وبكل جدارة في تنظيمها في صورة أبهرت العالم، وأرسلت رسالة واضحة لكل شعوب الأرض بأن هناك أمة عربية قادرة على أن تنهض من جديد وتعيد تنظيم نفسها خاصة في ظل ما لديها من ثروات بشرية ومادية هائلة فقط إذا توفرت الإرادة السياسية لدى حكام أقطار هذه الأمة.
لقد كان إقبال جميع الدول العربية على المشاركة في هذا الحدث الرياضي المهم، رسالة سياسية مهمة وهي أنه من الممكن أن يتجمع العرب ولو على الرياضة والتي لا يمكن ابداً ان تنفصل عن السياسة، الأمر الذي أعطى لهذه الفعالية الأهمية الكبرى والشرعية الدولية باعتراف الفيفا بها، ووعدت بأن تعتمد اللغة العربية كلغة أساسية في الفيفا، وهو الأمر الذي يجب على الجميع العمل على تعزيزه مستقبلا من أجل استمرار الحدث على هذه الصورة، خاصة بعدما خرج جميع من شارك في هذه البطولة فائزاً بصداقات وعلاقات جديدة ستظل في الأذهان لعقود بغض النظر عن المكسب والخسارة في المنافسات الرياضية.
في كأس العرب كان العلم الفلسطيني هو الأكثر حضوراً، وكانت معظم الفرق الرياضية والمشجعين في المدرجات يحملون العلم الفلسطيني، ولم يغب العلم والكوفية (الفلسطينيان) عن احتفالات لاعبي المنتخبات العربية المشاركة في البطولة، خاصة منتخبي تونس والجزائر اللذان تأهلا للمباراة النهائية للبطولة، وبعد فوز الجزائر بكأس العرب قام مدرب الفريق الجزائري “مجيد بوقرة” بإهداء الفوز الى الشعب الفلسطيني والى غزة الصامدة على وجه الخصوص، في رسالة مهمة للساسة بأن فلسطين وقضيتها مازالت هي قضية الأمة العربية ومازالت في وجدان وقلب كل عربي، وبأنها الشغل الشاغل لمعظم الشعوب العربية، بل وأكثر من ذلك، فهذا دليلاً واضحاً ولا لبس فيه على الرفض الشعبي العربي ليس فقط “للتطبيع”، وانما يظهر ايضا اصرار شعبي واضح على دعم نضال الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة. وهي أيضا رسالة للقيادة الفلسطينية، أن توحدوا وانهوا الانقسام المجرم بحق قضية فلسطين، وكفى انقساما بالتأكيد سيؤدي إلى انفصال.
وستكون بطولة كأس العرب أفضل تحضير لدولة قطر التي استضافتها وجرت مبارياتها على ملاعب كأس العالم المونديال 2022، ولذلك يجب على كل العرب مشاركة قطر في إنجاح أكبر حدث كروي في العالم، والذي سيقام للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط. فهنيئا للأشقاء القطريين هذا النجاح المبهر ونتمنى لهم نجاحاً وتوفيقا في تنظيم مونديال 2022، وهنيئاً للشعب الفلسطيني وابناء غزة بالذات بهذا الوفاء العربي الاصيل.
*باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية