تنتحر الادارات الامريكية ويلفظهم التاريخ كحالة غيض طارئة يتم بعثرتها بقرابين تتلوا كلمات الله وبقرابين تزرع قدس الاقداس جذورا ضاربة في عمق التاريخ تربك الغزاة. وتثير تطفلهم.
كاريزما الإدارة الامريكية بهيكل ترامب لا تكتمل الا بكاريزما كوشنير الذي يطل علينا وكأنه أحد عناصر العصور الوسطى تعيش الظلام وتسكن القصور ويمتص الدماء وفوق هذا وذاك حاملا’’ صفقة القرن’’ ويقدمها للمرة الثانية كمشروع للعرب ولا نعرف من أي اندفاع ينطلق لاهثا لتحقيق هذه الفكرة التي يؤمن بها بمرارة ولا يستطيع تنفيذها وأكثر ما في استطاعته هو مسرح وارسو.
المتغيرات الدولية التي شهدتها الساحة العالمية في الفترة الأخيرة من خلال المؤتمرات في موسكو ووارسو وميونخ كشفت عن عدة عوامل محركة لسياسات وارادات متعددة وابرزت خلافا ليس فقط بين الولايات المتحدة الامريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية او بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية وانما كان هناك دائرة من عدم التفاهم انضم اليها الاتحاد الأوربي الذي تشترك معه باتفاقية دفاعية المعروفة بالناتو وهذا الخلاف اخذ منحا تنازليا أي من القمة الى الأسس وتمثلت سوء التفاهم هذا بعدة خطوات قامت بها الولايات المتحدة تجاه الاتحاد الأوربي من منطق القوة الذي تتعامل به :
• الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني حيث كان الاوربيين طرفا مهما فيه
• فرض عقوبات اقتصادية وتجارية على الصين وإيران وحتى روسيا بالتالي رمى بثقله على التبادل التجاري بين دول الاتحاد الأوربي وإيران والصين والبحث عن وسائل يتفادون بها العقوبات الامريكية.
• مطالبة ترامب لدول الاتحاد الأوربي بزيادة حجم الانفاق لحلف الناتو.
• استطرادا على ما سبق تم استشعار بداية تموضع استراتيجي اوربي بدأ يأخذ مفترق طرق عن الاستراتيجية الامريكية وخاصة في الشرق الأوسط. وتوضح ذلك في عدة مسائل أصبحت مواقف تمثل راي الاتحاد الأوربي منها:
تمسك فرنسا وألمانيا بالاتفاق النووي المبرم مع إيران.
اختلاف وجهات النظر بين الجانبين من اعلان ترامب لانسحاب من سوريا، حيث اعتبروه من ناحية يحرضهم ضد روسيا ومن ناحية يترك سوريا متحالفة مع روسيا.
وانسحابات الولايات المتحدة من اتفاقية المناخ وانسحابها من منظمة اليونسكو وانسحابها من معاهدة الصواريخ القصيرة والبعيدة المدى مع روسيا.
علاوة على ذلك، فان الملف العراقي والملف السوري , على ما حمله من تداعيات وجود داعش وتأثيره على الساحة العالمية وموقف الولايات المتحدة من الصراع الدائر في الشرق اظهر تموضعا اضعف هيبته الولايات العالمية كدولة عظمى بين دول العالم للنتائج التي ظهرت تباعا تفسر الخطوات الامريكية في الشرق الأوسط وبنياتها منها :
– تحطيم محور المقاومة الذي اخذ يتوسع بعد ان أصبح يوما بعد يوما تتلاقى عنده رؤى إقليمية وعالمية نحو هدف واحد وهو التصدي لسياسة القطب الواحد
– تواجدها المستمر في الشرق الأوسط ليس لأجل الطاقة فقط وانما للموقع الجيو سياسي والجيو استراتيجي الذي تتمتع به منطقة الشرق الأوسط وهذا ما يربطها بدول الخليج
– تامين الترابط الوجودي بين الكيان الصهيوني وبينها وما يحمله من ابعاد استراتيجية للطرفين.
– إعادة هيكلية التوازنات العالمية.
من هذه المنطلقات نستطيع ان ندخل على المتغيرات الدولية المؤثرة على الساحة الدولية لنفهم بالتالي تداعياته على احداث تغييرات في الساحة الامريكية والتي ستنعكس بصورة بديهية على الكيان الصهيوني.
حاولت الولايات المتحدة جمع كل خطواتها الانفة الذكر الى مؤتمر وارسو هذا المؤتمر الذي رافقته حملة إعلامية ضخمة للتغطية على الانحدار الأمريكي سواء على الصعيد الداخلي الذي ظهر جليا في الدين العام الأمريكي الذي بلغ ما يقارب ب 22 ترليون دولار وبمواقف مؤسسات الضغط التي ظهرت بصورة كوشنير وهو يحمل ملف صفقة القرن او على الصعيد الخارجي الذي تمثل في خلافات ترامب مع الصين وروسيا وايران ودول الاتحاد الأوربي ومؤخرا مع فنزويلا وبعض الدول الافريقية ولم يبقى من المستويات السياسية او الاقتصادية او العسكرية الا أصابها نوع من الخلل للأخلاقية النابعة من البيت الأبيض وحتى على مستوى المؤتمرات فهناك مقارنه في الأهداف على سبيل المثال بين ’’ مؤتمر سوتشي ’’ المنعقد بين روسيا ايران تركيا ذات الموقع جغرافي المتقارب ومؤتمر وارسو ’’ المنعقد في بولندا- التي دخلت في ازمة دبلوماسية مع الكيان الصهيوني – وبين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني بشخص نتن ياهو المتهم بقضايا فساد ودول الخليج الضعيفة الهشة والمكشوفة داخليا وخارجيا والغير قادرة على استيعاب وتطويع ما مكدس لديها من أسلحة متطورة , وبالتالي بهكذا أعضاء لا تستطيع الولايات المتحدة الخروج بأبعاد استراتيجية بقدر ما هي ابعاد محبطة فكيف بالشعار الذي حمله المؤتمر ’’ مواجهة ايران ونظرة كوشنير التائهة متى يطبق صفقة القرن ؟’’ امام حلف معظمهم شاركوا في حربهم ضد اليمن.
اما المسالة الأخيرة ’’ إعادة هيكلية التوازنات العالمية ’’ جوبهت بمؤتمر ميونخ هذا المؤتمر الذي ظم اقطابا عالمية شكلت تحديا بالنسبة للولايات المتحدة لان هذه الأقطاب كانت الفرصة مواتية لها ان ترد على الخطوات الامريكية المربكة على مستوى التجارة العالمية من أبرزها مطالبة وزير الخارجية الإيراني لدول الاتحاد الأوربي بتفعيل ’’ الية دعم التبادل التجاري ’’ بشكل أفضل لتحقيق استقلالية أكبر في التعامل بين كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا مع إيران بعيدا عن النظم المالية الامريكية باستخدام اليورو بدلا عن الدولار مما ينعكس على إعادة الثقة الى المعسكر الأوربي للاستقلال عن الولايات المتحدة هذا من جانب , من الجانب الاخر هذه التبعية لأمريكا اثقل هذه القارة اقتصاديا وسياسيا وخاصة من ناحية النزاع الأمريكي -الروسي ورفض الاتحاد الأوربي من استخدام أراضيه كمنطلق لتراشق امريكي ضد روسيا وهذا كان واضحا في كلمة ميركل عندما قالت ’’ نحتاج للناتو كعامل استقرار يحفظ الديمقراطية وليس للتحرر العسكري مما انعش مفهوم ’’اوراسيا’’ رقعة جغرافية مستقرة متصلة .
بالتالي فان مؤتمر ميونخ تمخض عن نتيجة مفادها ’’ زيادة في الانعزال الأمريكي’’ وما بنته الولايات المتحدة من تطلعات لترميم مكانتها العالمية في وارسو بالاعتماد على الكيان الصهيوني والسعودية كان ترميما هشا ما لبث ان انهار امام منطق الأقطاب الصاعدة في ميونخ.
*رئيس مركز الدراسات العربية – الاوروبية في باريس