ليست المرة الأولى التي نكتب فيها عن العدوان الصهيوني على سورية، ففي كل مرة يتكرر فيها العدوان نعود لنؤكد أنه منذ بدأ الحرب الكونية على سورية العربية قبل ما يزيد على عقد من الزمان بالطبع من يدرك ويعي الواقع الاجتماعي العربي بتفاصيله المختلفة لا يمكن أن يجمل الحديث عن هذه الأقطار مجتمعة، تونس ومصر وليبيا فلكل مجتمع خصوصيته البنائية والتاريخية, وهو ما يجعل المتأمل في الحالة الثورية العربية يقف كثيراً قبل محاولة إطلاق تعاميم على هذه الأقطار مجتمعة.
وبغض النظر عن موقفنا مما حدث وتوصيفنا له, وهل بالفعل ما حدث داخل بنية هذه المجتمعات يرقى إلى مستوى الثورة أم لا؟ فإننا يمكن أن نؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الثورات لا يحكم عليها إلا بنتائجها, وإذا كان تعريفنا للثورة هي إحداث تغيير جذري في بنية المجتمع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية لمصلحة الأغلبية العظمى من المواطنين, فإن النتائج التي أفضت إليها الثورات المزعومة في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية تؤكد فشل هذه الثورات بغض النظر عن أسباب انطلاقها التي تختلف بين قطر وآخر.
ولا يمكن لكل متأمل فطنٍ أن يغفل دور القوى الاستعمارية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية في التدخل السريع على خط ما يسمى “الثورات العربية ” في الأقطار المختلفة لتحقيق أكبر استفادة ممكنة، وبالطبع هذه الاستفادة لا يمكن أن تكون لمصلحة شعوب هذه المجتمعات لكن دائماً تكون لمصلحة هذه القوى الاستعمارية وحلفائها في المنطقة، وفي مقدمة هؤلاء الحلفاء يأتي العدو الصهيوني الذي يمكننا الآن التأكيد من دون أدنى شك أنه المستفيد الأول من وراء كل ما حدث داخل مجتمعاتنا العربية عبر العشر سنوات الماضية.
لقد تراجعت وبشكل حاسم مفاهيم ظلت قائمة ومتصدرة المشهد السياسي المحلي والإقليمي والدولي لسنوات وعقود طويلة من قبيل الصراع العربي – الصهيوني، حيث أصبح الواقع يقول إن الصراع قد أصبح “عربياً – عربياً”, وأصبح العدو الصهيوني خارج حلبة الصراع, وتراجعت القضية الفلسطينية بقوة مقابل تصدر الأزمة السورية واليمنية والليبية المشهد العربي بشكل ملحوظ.
ولا يمكن لأحد الآن أن ينكر دور الولايات المتحدة الأمريكية والعدو الصهيوني في دعم المشكلات الداخلية لاستمرار عدم الاستقرار داخل المجتمعات العربية خاصة في مصر وسورية, فمن المعلوم تاريخيا ومنذ إعلان العدو عن كيانه المزعوم أنهم يسعون إلى تصفية الجيوش العربية, حيث أكد بن غوريون «قائدهم المؤسس» أن إسرائيل لا يمكن أن تعيش آمنة إلا بالقضاء على ثلاثة جيوش عربية “المصري والعراقي والسوري”, وإذا كان الجيش المصري قد تم تحييده ( مؤقتاً بعد اتفاقية كامب ديفيد) باعتباره الأكبر والأقوى تمهيداً للانقضاض عليه في وقت لاحق, فإن الأمريكي قد تدخل بنفسه مباشرة لتخليص العدو الصهيوني من الجيش العراقي وتمت العملية بعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003.
وعندما برزت على السطح بوادر ما يطلق عليها “الثورات العربية” المزعومة كانت الجماعات التكفيرية الإرهابية تلك الأدوات الاستعمارية المزروعة داخل مجتمعاتنا العربية جاهزة لخوض معركة شرسة مع الجيشين المصري والسوري, وكانت دائماً الحماية الأمريكية والسلاح الأمريكي جاهزين, هذا إلى جانب التمويل الخليجي الذى يحلم بأن يحل محل المصري والعراقي والسوري كمتصدر وقائد للمشهد العربي.
وبنجاح الجيش المصري في الإطاحة بالجماعات التكفيرية الإرهابية من سدة الحكم ، التي استولت عليه في لحظة فارقة من عمر المؤامرة على مصر, كان لابد على العدو الصهيوني أن يبحث عن وسيلة جديدة لاستنزاف الجيش المصري حتى لا يكون على استعداد لمواجهته في أي لحظة, وبما أن «كامب ديفيد» مازالت قائمة فإن أي تدخل صهيوني مباشر سيكون غير ممكناً, لذلك تم دعم الجماعات التكفيرية الإرهابية على جبهات مصر الحدودية ( الجبهة الشرقية مع فلسطين المحتلة, والجبهة الغربية مع ليبيا المغدورة, والجبهة الجنوبية مع السودان المنحورة), وبذلك يؤجل العدو الصهيوني مواجهته المباشرة القادمة لا محالة مع الجيش المصري.
أما سورية فموقفها مختلف إلى حد كبير، فهى الدولة العربية الوحيدة التي عجز العدو الصهيوني من النفاذ إليها عبر البوابة السياسية، فلم يتمكن العدو من تحييد جيشها ولو مؤقتاً, كما لم يتمكن الأمريكي من جعلها دولة تابعة له اقتصادياً أو عسكرياً أو حتى ثقافياً, لذلك ظلت هي العقبة الحقيقية في وجه المشروع الصهيوني, لذلك عندما برزت موجة ما أطلق عليه” الثورات العربية “تمت تغذية الجماعات التكفيرية الإرهابية الكامنة في الداخل وأرسل إليها المدد مزيداً من التكفيريين الإرهابيين من كل أصقاع الأرض, وبصلابة وبسالة وشجاعة الجيش العربي السوري تمكّن من التصدي لها, وكلما شعر الأمريكي والصهيوني بأن أدواته الوكيلة على الأرض تهزم جنّ جنونهما.
لذلك لا عجب عندما نجد اعتداءً واحتلالاً أمريكياً للأراضي العربية السورية, ولا عجب بالقطع أن تتكرر الاعتداءات الصهيونية على سورية العربية خاصة على المواقع العسكرية للجيش العربي السوري، فهو المستهدف الأول من هذه الحرب الكونية ، لذا يجب أن ندرك ونعي أن العدوان الصهيوني المتكرر على سورية لن يتوقف بل هو بداية لمواجهة مباشرة مع الجيش العربي السوري، الذي يظن العدو أنه منهك من طول المعركة مع الأدوات التكفيرية الإرهابية, وبعدها سوف يتفرغ العدو الصهيوني لمعركته الأخيرة مع الجيش المصري, وهنا وإن كنا لا نعول كثيراً على الموقف العربي المخزي من العدوان الصهيوني على سورية, فإننا لا يمكن أن نقبل الصمت المصري لأن المعركة مشتركة، ومن بدأ بسورية حتماً سيثني بمصر، اللهم هل بلغت.. اللهم فاشهد.
كاتب من مصر
الوسومالجيش العربي السوري العدوان الصهيوامريكي محمد سيد أحمد
شاهد أيضاً
واخيرا سقطت دمشق مضرجة بالدماء من اجل أمّتها…بقلم ميلاد عمر المزوغي
لا حرب بدون مصر ولا سلام بدون سوريا, سارع الغرب الى اسقاط مصر عسكريا عبر …