الخميس , 28 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

كتب د. وليد القططي: الحقبة الإسرائيلية والتطبيع المغربي

في لقاء جمعني والدكتور فتحي الشقاقي مطلع ثمانينيات القرن العشرين، وفي رد نوعي للمفكر الشهيد فتحي الشقاقي على سؤال هل الحركة الإسلامية تعيش مرحلة الاستضعاف المكية التي تقتضي الإعداد والتربية، أم مرحلة التمكين المدنية التي تقتضي الجهاد والثورة؟”، أجاب “لسنا نعيش المرحلة المكية ولا المرحلة المدنية؛ نحن نعيش في الحقبة الإسرائيلية”. كان ذلك السؤال آنذاك مُعبّراً عن أزمة الحركة الإسلامية التقليدية بخطابها ومفاهيمها المُقتبسة من كُتب التُراث القديمة، وحيرتها وعجزها عن الإجابة على السؤال الفلسطيني إسلامياً، وكانت تلك الإجابة مُعبّرة عن محاولة تجاوز الأمة بالتجديد في خطاب الحركة الإسلامية ومفاهيمها، والإبداع في الإجابة على السؤال الفلسطيني إسلامياً، فأثمر ذلك ثورة في الفكر والواقع، من تجلياته تجاوز مرحلتي الاستضعاف والتمكين بمرحلة (الحقبة الإسرائيلية).

الحقبة الإسرائيلية التي ذكرها المفكر الشهيد فتحي الشقاقي في اللقاء المذكور، وضحها في لقاءات وكتابات لاحقة، وأراد بها حالة الإفساد والعلو الإسرائيلي في الوطن العربي والإسلامي، كما جاءت في مطلع سورة الإسراء ” وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْن وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا “، فيرى أننا نعيش مرحلة الإفساد والعلو الثاني لبني إسرائيل، الذي بدأ بقيام دولة (إسرائيل) بعد النكبة الأولى، والعدوان الثلاثي، والنكبة الثانية المعروفة بالنكسة، لتصل (إسرائيل) بذلك إلى ذروة الإفساد والعلو، الذي كاد أن يتوّقف في حرب أكتوبر تشرين الأول، لولا اتفاقية كامب ديفيد بافتتاحها مساراً جديداً للإفساد والعلو الإسرائيلي بالسلام والتطبيع، ويؤسس لمفهوم (إسرائيل الكبرى) بالمعنى السياسي والاقتصادي والثقافي، ذلك المسار الذي كاد أنَّ يتوقف أيضاً بعد حرب لبنان الأولى عام 1982م، بفعل المقاومة الإسلامية اللبنانية والانتفاضة الفلسطينية الأولى، لولا اتفاقية أوسلو التي أعطت الكيان الصهيوني تأشيرة مرور فلسطينية إلى (الحقبة الإسرائيلية) الجديدة.

الحقبة الإسرائيلية الجديدة بعد اتفاقية أوسلو، بعنوانها البارز (التطبيع)، استشرف ملامحها المفكر الشهيد فتحي الشقاقي فور توقيع المنظمة مع الكيان على اتفاقية أوسلو عام 1993م، فكتب في ذلك الحين: “اليوم وعبر غزة أريحا يتدفق اليهود الصهاينة إلى العواصم العربية والإسلامية لنظام شرق أوسطي جديد حيث هم مركزه وسيده، وهذا يعني أنْ تبقى الأمة تحت نعالهم، إنَّ خطر التطبيع القادم مُذهل لو تخيلناه، لذا على الشعوب الصابرة المؤمنة أنْ تستعد لهذا الغزو الصهيوني الجديد.” خطر التطبيع مع العدو الذي تنبأ به الشقاقي برؤيته المستقبلية كخيال مُرعب، أصبح بعد أكثر من ربع قرن واقعاً أكثر رعباً من الخيال، فما يحدث اليوم تجاوز مرحلة التطبيع إلى التحالف بواسطة اتفاقيات أبراهام، الذي أصبحت (إسرائيل الكُبرى) محوره، والأمن الإسرائيلي جوهره، والحِقبة الإسرائيلية عنوانه. والاتفاق الأمني الإسرائيلي المغربي نموذجه. الاتفاق الأمني العسكري الإسرائيلي المغربي في إطار اتفاقية أبراهام للتطبيع الشامل بين الكيان الصهيوني والمملكة المغربية، هو العنوان الأبرز لمفهوم (الحقبة الإسرائيلية)، وهو ينسجم مع تاريخ النظام الملكي في المغرب بعلاقته المميزة مع ذلك الكيان منذ نشأته، والمساهمة في تقويته بضخ مئات آلاف المستوطنين من يهود المغرب في فلسطين، والسماح لهم بالاحتفاظ بالجنسية المغربية وزيارة المغرب، ودور النظام الملكي الأساسي في الوساطة والتحضير لاتفاقية كامب ديفيد التي أخرجت أكبر دولة عربية من الصراع ضد (إسرائيل)، ومبادرته لتكون المغرب أول دولة عربية تدخل من بوابة أوسلو نحو ممر التطبيع الذي تُوّج بتوقيع اتفاقية أبراهام نهاية عام 2020م، بغطاء إسلامي من الملك محمد السادس بن الحسن بصفته (أمير المؤمنين)، وبنكهة إسلامية من رئيس الوزراء سعد الدين بن العثماني بصفته الأمين العام لحزب إسلامي إخواني، والتي تطورت إلى اتفاق أمني عسكري غير مسبوق.

ذهاب النظام الملكي الحاكم في المغرب إلى التطبيع الأمني والعسكري مع الكيان الصهيوني مُناقضاً لإرادة الشعب المغربي العربي المسلم، لا يُمكن تفسيره إلاّ في إطار الحلف العسكري المشترك ضد عدو مُشترك للكيان والنظام، هذا العدو المشترك لم يتركه وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد للتخمين السياسي، فقد كشف النقاب عنه في تصريحه الشهير في الرباط وبجانبه وزير الخارجية المغربي بعد حفل التوقيع على اتفاقية التطبيع، فقال: “نحن نتشارك مع بعض القلق بشأن الجزائر في المنطقة التي باتت أكثر قُرباً من إيران، وهي التي تقوم حالياً بشن حملة ضد قبول إسرائيل في الاتحاد الأفريقي بصفة مراقب”. ولم يترك الأمين العام لحزب (جبهة التحرير الوطني) الجزائري الحاكم أبو الفضل بعجي لأحد التشكيك في ذلك عندما قال: ” الجزائر تقود محور المقاومة والممانعة للمخطط الإسرائيلي في المنطقة المغاربية والأفريقية”، وأكدت ذلك سياسة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون المناهضة لاختراق (إسرائيل) للمغرب العربي وأفريقيا عبر البوابة المغربية، واتهام الجزائر بالقرب من إيران في إطار رفض الاستعمار الصهيوأمريكي الجديد وتأييد الحق الفلسطيني لا يدع مجالاً للشك في أنهما المستهدفان من الاتفاق الأمني العسكري بين الكيان والمملكة.

الحقبة الإسرائيلية المُظلمة في عصر التطبيع المغربي، كنموذج للتحالف الاستراتيجي بين الأنظمة العربية الحاكمة والكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين والقدس، هو وضع شاذ في السياسة وعابر في التاريخ، فإنْ كانت هذه الأنظمة في الحقيقة الوجه الآخر المُشابه للكيان الصهيوني كإفرازٍ لمشروع استعماري غربي واحد ضد الأمة العربية والإسلامية، فإنَّ هناك حقيقة أخرى هي أنَّ الحقبة الإسرائيلية في مرحلة العد العكسي والأفول، بإيمان ووعي وثورة أحرار الأمة ومقاوميها، الذين يُبشرون بحقبة مُشرقة قادمة لتضيء سماء الأمة بنورها، لتمحو ظلام الحقبة الإسرائيلية، متقدمة نحو وعد الآخرة وتدمير الإفساد والعلو الإسرائيلي ومعه أنظمة التطبيع بنخبها الذليلة المُهانة… حقبة منطلقها الإسلام والعروبة بمضامينها الإنسانية والحضارية والثورية، وقبلتها فلسطين والقدس والأقصى بدورهم الموّحد للأمة، ومحورها المقاومة كوسيلة للتحرير، وطريقاً للخلاص، وعنواناً للكرامة.

شاهد أيضاً

7 تشرين …الاعلان عن فشل اتفاق اوسلو…بقلم ميلاد عمر المزوغي

ثلاثون عاما من الضحك على الشعب الفلسطيني وايهامه بانه ستكون له دولة والتحرر من العبودية …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024