هناك حديث برز في الأيام الماضية، مع جرعة الذلّ المركّزة التي أشربها الكيان الصهيو نيّ عقب عملية طوفان الأقصى.. وتصاعَد أكثر مع انكسار سيوف العدوّ الخشبية مع الاجتياح البريّ.. يدور حول ما يسمّى “لعنة العقد الثّامن” التي تطارد الصهاينة، وكانت محور حديث في الأوساط الدينيّة والإعلاميّة والسياسية، وهي اللعنة التي طالما حذّر منها كثير من أحبار اليهود الرافضين لفكرة إقامة دولة يهودية، لأنّها ستكون وبالا على يهود العالم الذين يجتمعون فيها ليلقوا حتفهم ويشهدوا نهايتهم.
يستند رجال الدّين اليهوديّ وكثير من ساستهم في إبداء توجّسهم من هذه اللعنة إلى تاريخهم الذي شهد أفول دولة الحشمونائيم اليهوديّة بعد 77 عاما من نشوئها سنة 140 ق.م، بل ويذهبون إلى أبعد من ذلك بالإشارة إلى انقسام الدّولة التي أنشأها النبيان داود وسليمان -عليهما السّلام- 80 عاما بعد بنائها، ونحن لا نسلّم لهم بأنّ الدولة التي أنشأها النبيان كانت على دينهم المحرّف، لكنّ الذي يعنينا هو تفكّكها بسبب علوّ اليهود وابتعادهم عن دين الله بعد وفاة نبيّ سليمان عليه السّلام.
وقد استدعى رئيس الوزراء الصهيونيّ الأسبق إيهود في تصريحات له العام الماضي (2022م) هاتين المحطتين من التاريخ اليهودي، ليعرب عن مخاوفه من تكرّر التجربة، مع الكيان الحالي، مع اقتراب الذكرى الـ80 لقيامه.. أمّا رئيس الوزراء الحالي نتنياهو فهو لا يكاد يفوت مناسبة انتخابية أو حربا قائمة إلا وتحدّث عن لعنة العقد الثامن، وعن استعداده لتحدّي تلك اللعنة وسعيه لبلوغ القرن بكيانه، ولا يفتأ يقدّم نفسه على أنّه الوحيد القادر على رفع هذا التحدّي.. ومع أنّه قد اجتمع لديه من التأييد ما لم يجتمع لغيره، إلا أنّ توقيت طوفان الأقصى هذه المرّة جعله يشعر بالذعر ويفقد صوابه ويتصرّف كالثّور الهائج!
ولعلّ أكثر ما زاد مخاوف الكيان المحتلّ من حلول لعنة العقد الثامن، هو خطاب أبي عبيدة الناطق باسم كتائب القسّام الذي بثّ يوم السّبت الموافق لـ 28 أكتوبر الماضي، حين تعمّد صاحب الخطابات المزلزلة أن ينكأ الجرح الغائر في نفوس متديّني اليهود وساستهم، بربطه بين تحطّم أسطورة الجيش الذي لا يقهر والميركافا التي لا تدمّر وبين لعنة العقد الثّامن، حيث قال: “إن زمن بيع الوهم للعالم حول أكذوبة الجيش الذي لا يقهر والميركافا الخارقة والاستخبارات المتفوقة، كل هذا انتهى زمنه وقد كسرناه وحطمناه أمام العالم في غلاف غزّة وفي كل فلسطين”، وأردف قائلا: “زمن انكسار الصهيونية قد بدأ، ولعنة العقد الثامن ستحل عليهم، ولْيرجعوا إلى توراتهم وتلمودهم ليقرؤوا ذلك جيدا، ولينتظروا أوان ذلتهم بفارغ الصبر”.
أبو عبيدة، يعلم من دينه أنّ الغيب عند الله، وأنّه لا أحد في إمكانه الجزم بموعد محدّد لانكسار الكيان الصهيونيّ، ولكنّه خاطب إخوانه المسلمين بأمل طالما حدا المرابطين في غزّة، وحدا شيخهم أحمد ياسين الذي عبّر عن تفاؤله ببدء السقوط الصهيونيّ مع العام 2027م، وهو أمل لا يضرّهم أن يتأخّر تحقّقه، طالما أنّهم يتوكّلون ولا يتواكلون، ويعدّون العدّة ولا يركنون، ويحتاطون لكلّ الظّروف ويحذرون.. ولكنّ الحديث عن هذه اللعنة يعمل عمله في نفوس الصهاينة وحاخاماتهم وجنودهم، فكان من المناسب الإشارة إليها لبثّ الرعب في نفوس اليهود الذين يظهر أنّهم توجّسوا شرا مع أوّل شرارة من عملية “طوفان الأقصى”، ما جعلهم يلجؤون إلى خطاب المظلومية لاستدعاء الدّعم الغربيّ، لعلّه يحول دون حلول اللّعنة أو على الأقلّ يؤخّر حلولها!
صمود كتائب المرابطين في غزّة سيكون قاتلا لمعنويات الصهاينة، وكلّما تأخّر الاجتياح البريّ في تحقيق أهدافه -ولن تتحقّق بإذن الله- وتكسّرت سيوف العدوّ الخشبية على هامات ليوث الوغى، زاد ارتباك السّاسة والقادة والجنود الصهاينة.. ومهما كانت الفاتورة باهظة في أرواح المدنيين في غزّة، إلا أنّ تقدير المكاسب التي ستحقّقها الأمّة بعد اندحار الصهاينة، يقلّل من وطأة الآلام على النفوس.. دماء المسلمين التي تسيل في غزّة ليست رخيصة، بل هي غالية، ولكنّ عزاءنا أنّ أرواح أصحابها في قناديل الجنّة، وأنّها ستكون بإذن الله زيتا للقناديل التي تنير طريق الأمّة نحو التّمكين في الأرض المباركة.