في الاحتفال الأول للنصر على النازية، قال الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين: “إن الإيمان بالنصر العظيم يحتاج إلى مؤمنين عظماء”.
لم يكن أولئك المؤمنون العظماء سوى الناس العاديين والجنود والضباط الذين نلتقيهم في الشارع كل صباح ومساء. إنهم نحن عندما نستيقظ صباحاً لنخوض يومنا بأزماته ومعاركه، بنجاحاته وإخفاقاته، لنعود مساءً منهكين متبرمين من صعوبة الحياة التي بالكاد تسمح لنا بتقديم ما يحتاجه الأحبة، وليس ما نتمناه لهم. لنخلد إلى فراشنا متعبين وريشة الأمل تداعب قلوبنا بأننا سوف نستيقظ على غد أفضل.
عندما شنت ألمانيا هجومها على الاتحاد السوفييتي في أيار 1948 من خلال العملية «بارباروسا» اصطدمت جيوشها بدفاع ملحمي للجيش الأحمر والمواطنين السوفييت، رغم تقدمها السريع مستفيدة من تفوقها العددي والتسليحي وعامل المفاجأة، إلا أن الخسائر التي مُنيت بها القوات الألمانية كانت أعلى بكثير من المتوقع، والأهم أنها كانت أكبر بكثير من مجموع الخسائر التي مُنيت بها على جبهة أوروبا الغربية التي كانت تحتلها بالكامل تقريباً.
في أيلول 1941 وفي اجتماع هتلر بأركان جيوش «الوسط» خرج الجميع بقناعة أن مصدر ثبات الجيش والشعب السوفييتيين يأتي من ثبات القيادة في موسكو لذلك قرر هتلر أن «موسكو يجب أن تطوق على نحو لا يتمكن معه من مغادرتها جندي روسي واحد أو أي شخص كان رجلاً أو امرأة أو طفل».. كانت تلك لحظة انطلاق العملية «تايفون» لاحتلال موسكو.
في أيلول 2012 أعلن الرئيس التركي رجب أردوغان، أن “صلاته في المسجد الأموي في دمشق باتت قريبة”. جاء إعلان أردوغان على وقع القرار العربي والدولي بإطلاق يده في دعم الإرهابيين، الذين تدفق مئات الآلاف منهم على سورية عبر دول الجوار.
وكما تحطمت أحلام هتلر على أبواب موسكو، انهارت أحلام أردوغان على أبواب دمشق. وتكررت ملاحم ستالينغراد ولينينغراد في دير الزور وحلب على يد أبطال الجيش والشعب السوريين.
خلال الحرب الوطنية العظمى عانى الشعب السوفييتي من خسائر ضخمة في الأرواح قاربت 28 مليون قتيل، منهم 20 مليوناً من المدنيين. وأدت الحرب إلى ضائقة اقتصادية وصلت حد المجاعة، وتم تدمير البنية التحتية للبلاد ، إذ دمرت 1710 مدينة ، و70 ألف قرية ، و132 ألف منشأة صناعية ، و84 ألف مدرسة. لكن الدولة السوفيتية استطاعت خلال سنتين، ومن دون مشروع مارشال، أن تعيد بناء اقتصاد البلاد لتصبح ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة، تلك الجماهير المبدعة كانت التمثيل الحي لمقولة لينين: «إن في الجماهير طاقة ثورية، وإبداع ثوري، ومبادرة ثورية».
الجماهير المبدعة نفسها صمدت في دير الزور وغوطة دمشق وحلب، وصنعت انتصارات عظيمة، من خلال إصرارها على البقاء وممارسة الحياة داخل الوطن، ودفع الثمن المطلوب سلماً وحرباً، حصاراً وعقوبات اقتصادية. وما أن تلوح بارقة انفراج حتى تهرع لتعيد العمل في المصانع والمعامل والمزارع. شهدناهم في ساحات القتال رجالاً ونساء، ضباطاً وجنوداً لا يترددون في تقديم أرواحهم فداء للوطن. وتابعناهم في معامل حسياء وحلب، وأراضي السويداء وحمص عمالاً وفلاحين يقاتلون في سبيل لقمة العيش لا تثنيهم أزمة، ولا يمدون يدهم لعدو.
اليوم نقف على أبواب النصر، ننفض عن كواهلنا غبار المعركة العسكرية. أما العدو الذي هُزم في ساحات القتال فيجمع فلول عملائه، يحلمون “بتقسيم” سورية وخلق كيانات عميلة سواء في شمال شرق سورية، أو في إدلب. وما زالت أحلام “السلطان” التركي تداعبه بالاستيلاء على أجزاء من أرض سورية. يتهم هؤلاء الدولة السورية “بإعاقة” الحل السياسي للأزمة بإصرارها على وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية من جهة، وتمسكها بالثوابت التي خاضت الحرب على قاعدتها والمتمثلة بالاستقلال الناجز والسيادة الكاملة غير المنقوصة، والعداء للمشاريع الاستعمارية وفي مقدمتها المشروع الصهيوني في فلسطين.
يملأ الضجيج الفضاء الإعلامي، وتُعقد المؤتمرات الصحفية وغير الصحفية، ويتسابق المعلقون والمحللون السياسيون في وضع النظريات والسيناريوهات، وتمضي الدولة السورية بهدوء الواثق من النصر نحو تحقيق أهدافها. أما المواطن السوري فيستيقظ صباحاً، ليمضي الموظف إلى وظيفته، والعامل إلى مصنعه، والجندي إلى خندقه. يلقي تحية الصباح على صاحب البقالة في حارته، يتبادلان الشكوى من حال البلاد وغلاء الأسعار، يدعوان الله بالفرج وأن يحمي سورية وينصرها، وفي أعينهما يلتمع أمل بغد أفضل. هؤلاء هم المؤمنون العظماء الذين سيصنعون النصر العظيم.
* كاتب من الأردن