أبدعت مخيلة الخبراء والمخططين في فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا وصفات معاصرة ومتجددة لاختراق النخب واسترهان الشعوب بما يلاقي مظاهر المعاناة ووجوه الشكاوى ويحول الساخطين إلى احتياط مستجد في طوابير التجسس والانخلاع العاملة لتكريس الهيمنة والوصاية والنهب ولتجديد هياكلها وشبكاتها.
أولا أطلقت على نسق متناغم حملات إعلامية تحت عنوان مكافحة الفساد تتركز موضوعاتها على بلدان العالم الثالث التي تعلمت نخبها الحاكمة فنون السمسرة والعمولات في باطن الصفقات الكبرى مع الشركات الغربية وتحت رعاية الحكومات الأجنبية التي تستر فجورها بادعاء العفة والرسالية وهي تنظم لصوصية اباحية لسرقة الشعوب والبلدان المستتبعة ودائما تخدم الحملات الدعائية عمليات تنصل حكومات الغرب من مسؤولية إفقار بلدان العالم الثالث والتسبب بالمجاعات والأزمات والحروب ومنظومات العقوبات والحصار المالي والتقني وغيرها من أدوات توليد وتفعيل المشاكل الاقتصادية الاجتماعية الخانقة للدول المستتبعة المنهوبة واعدام فرص النمو والاستقلال الحقيقي وينصب اهتمام الغرب على مطاردة بوادر التمرد ورفض الهيمنة الغربية النهابة والمفارقة العجيبة ان دعاة الإصلاح في العالم الثالث من المسؤولين الغربيين يتربعون على منظومات سرقة وتربح تستتر بالصفات والحصانات ورغم التكتم والسرية فقد تسربت الروائح الكريهة التي وصلت حد الاتجار بالبشر وبأعضاء أجسادهم المستأصلة خلسة وبدماء مجمعة خلسة في مأثرة فرنسية مثيرة للقرف والاشمئزاز سجلتها الملفات الصحافية المخنوقة في السنوات الأخيرة.
ثانيا العمالة والعمولة هي ثنائية الفساد في دول العالم الثالث حيث يقع الساسة في فخ الارتهان للاستخبارات الأجنبية لحماية مواقعهم ومصادر قوتهم في السلطات المحلية والتنعم بامتيازاتهم تحت الحماية الغربية وهكذا يتورط الساسة المحليون ويقعون ضحايا أطماعهم في تحصيل الفتات من صفقات كبرى مع شركات أجنبية عملاقة وعابرة للبلدان تسعى للظفر بامتيازات وصفقات ضخمة تحصد عبرها ثروات طائلة وتلقي بالفتات لسلسلة الوكلاء والوسطاء المحليين من ساسة ورجال أعمال في العالم الثالث وقد شهدنا في لبنان امثلة ونماذج كثيرة منها ما عرف ومنها ما اخفي عمدا لحماية المتورطين منذ عهد الاستقلال إلى اليوم والمفارقة ان فرق الاعتراض والاستعراض المتعاقبة تحاشت ذكرها أو تناولها وما يجدر وضعه في الاعتبار أنه لم تقم يوما علاقة بين جهات محلية والغرب بمؤسساته وشركاته وأجهزته وبعثاته إلا واستبطنت علاقة استتباع وتجسس وهيمنة وانطوت على صرف نفوذ وتنفع وتوسل حماية لتنظيم خدمات مستترة للكيان الصهيوني ربيب الغرب وقاعدته الاستعمارية وكما لا يحمي القانون المغفلين فالوطن لن يغفر للمخلعين المتورطين بأي ذريعة كانت.
ثالثا من مصنفات الثقافة الانخلاعية المعاصرة تسفيه الوطنية والوطنيين عبر تلطيخ السمعة واستعمال معيار الفساد اخلاقيا ومعنويا في تنحية ثنائية وطني أو عميل لاستبدالها بثنائية فاسد وغير فاسد التي تستبطن فسادا معياريا خطيرا عندما تبيح الارتباط بالأجنبي فما أظهرته بعض المعلومات والتقارير المتوافرة عن موازنات المساعدة الأميركية الأوروبية لما يسمى بالمجتمع المدني في لبنان يقدر بمليارات الدولارات التي كان يمكن ان توفر شبكة من المرافق المنتجة وفرص العمل لآلاف الفقراء المهمشين بينما صرفت بطاقات سفر ونفقات استضافة واجتماعات في عواصم الغرب يتنعم بها مترفون من النخبة “الانجيئوزية” المخلعة وتافهي الصحافة المتطفلين والطارئين المصنعين حديثا في مختبرات الغرب للجاسوسية بلبوس الحداثة وأقنعتها.
إن أبرز خداع انفصامي تنطوي عليه هذه اللعبة المشبوهة استخباريا هو تصنيع الحصانة المعنوية لشخصيات ومواقع تنتدب للتصدر والظهور في المشهد الإعلامي لتحجب أقنعتها الزائفة عن الرأي العام حقيقة ارتباطها وما تخدمه من مصالح أجنبية في كل ما تروجه وتدعو إليه وهو جذر فساد خطير في نسيج الثقافات المعاصرة.