ذلك اليوم التاريخي العظيم الذي شهد انتصارا سالت في سبيله دماء غالية عزيزة وبذلت تضحيات هائلة على أرض لبنان منذ نكبة فلسطين يتحول بانقضاء الزمن ومع مرور الأعوام إلى سيرة شعبية يتراجع وهجها الحقيقي والحي في ذاكرة ووجدان الأجيال الفتية والشابة التي لم تعايش اهوال الاحتلال الصهيوني ولم تشهد وحشية الحروب العدوانية المدمرة وما صاحبها من مجازر بحق اللبنانيين والفلسطينين في لبنان.
قيمة العيد الوطني هي إبقاء الفكرة حية عند جميع الناس رغم ان دماء المقاومين تحتفظ بوهجها وقد بذلت مجددا في ميادين الدفاع عن الشعب والوطن ولم يطو النسيان امجاد حرب الدفاع عن الوجود في صد الغزوة التكفيرية التي حركها الصهاينة انفسهم ثأرا لهزيمتهم امام المقاومة وشعبها وجيش الوطن وحلفائها الكبار في سورية العربية المقاومة وإيران الحاضنة والداعمة للمقاومة التي تدرك بدقة ان مجابهة الكيان الصهيوني هي طريق الحرية لشعوب الشرق وقضيتها المشتركة والمقدسة هي فلسطين.
من العار والمعيب ان يكون تكريس عيد المقاومة والتحرير قد استدعى معركة رد اعتبار وبالمعيار الوطني البسيط إن من واجبات الدولة وجميع مؤسساتها ان تقوم هي بما يقوم به إعلام المقاومة ضمن قدراته المتاحة وعبر منابره المحاصرة بالعقوبات وبتدابير المنع التي لم تبذل الحكومات المتعاقبة أي جهد لزحزحتها وهي تستطيع لو شاءت ان تجسد أبسط معايير السيادة الوطنية والاستقلال الوطني وحماية حرية الإعلام التي يطرب لتردادها سائر اعضاء النادي السياسي بنفاق يثير الإشمئزاز.
ما هو الجهد الحقيقي الذي بذل خلال ثمانية عشر عاما لتطوير خطاب وطني لبناني عام إعلاميا وثقافيا يسهم في إحياء الذاكرة وتخليد البطولات ومراكمة الوعي على مستوى مؤسسات الدولة وبالذات وزارتي الإعلام والثقافة ؟ الحاصل الفعلي المؤسف هو صفر مكعب لولا القليل من المبادرات اليتيمة والموسمية التي غلب عليها الطابع الاحتفالي واحيانا الاستعراضي.
إنها الحقيقة المأسوية التي يفرضها النظام السياسي الطائفي البائس وتمليها معادلات المساكنة بين محور المقاومة الاستقلال ومحور التبعية للاستعمار والهيمنة في بنيان الحكم اللبناني وبالتالي شراكة السلطة بين القوى الملتزمة بنهج المقاومة والقوى التابعة للخارج التي كانت طيلة عقود بمثابة الطابور الخامس الذي كرس جهوده للنيل من المقاومة والتآمر عليها وما بينهما من قوى وسطية غير واضحة في خياراتها ومواقفها.
متى تحسم تلك الازدواجية المقيتة التي تؤلم كل وطني شريف في لبنان ومتى تتهيأ الظروف لقيام دولة وطنية بنقاء المقاومة في هويتها وبوضوح التزام ودماء المقاومين والجنود الأبطال الشجعان الذين ضحوا بأرواحهم في معارك التحرير والدفاع عن الوطن؟ … بالضبط حين تولد حركة شعبية هادرة عابرة من أقصى لبنان إلى اقصاه لتفرض التغيير المحتوم والمؤجل بفعل العصبيات الطائفية والمذهبية.
عندها يمنع اعتراض خيار المقاومة باسم السيادة التي هي منشئتها بفعل التحرير ويمنع التحصن بالعصبيات المذهبية لمعاداة المقاومة بذرائع طائفية ومذهبية وباعتراضات تستثمر على التخلف الثقافي والسياسي وعلى ارتهان المواطنين لمنظومة الاستزلام والتنفع الفردي وللقصور التام عن إدراك المصلحة الوطنية.
السؤال هي يمكن تحقيق ذلك؟ بكل تأكيد هو ممكن لكنه مرتبط بما يجري داخليا ومن حول لبنان فانتصار محور المقاومة ونهوض سورية سينعكس على توازن القوى الإجمالي في المنطقة والعالم ولكن قبل ذلك وبعده يتوجب على القوى والمجموعات الوطنية التي تناهض النظام الطائفي إثبات جدارتها بالتكامل مع جهود المقاومة وإنجازاتها الوطنية العظيمة ومشاركتها النضال الوطني والاجتماعي والتأسيس لذلك التحول الكبير المأمول.
لقد أتاحت الانتخابات النيابية الأخيرة تكوين توازنات جديدة في المؤسسات الدستورية ومن قلب المساكنة التي أشرنا إليها وهي توازنات تزيد حصانة المقاومة ولا تحسم معادلة القرار الرسمي فدون تلك الغاية نضال وكفاح لن يكون مفروشا بالورود امام شراسة التكالب الاستعماري الصهيوني الرجعي ضد المقاومة ومواصلة السعي لمحاصرتها خيارا ونهجا وثقافة وسمعة.
التحية للشهداء والجرحى والأسرى منذ اغتصاب فلسطين إلى اليوم والمجد لجميع الأبطال والقادة الذين ساروا على درب المقاومة من القائد الشهيد معروف سعد قائد الفدائيين في حرب فلسطين إلى القائد الشهيد عماد مغنية ورفيقه الشهيد القائد ذوالفقار وجميع رفاقهم الشهداء من حزب الله ومن سائر الأحزاب والتيارات والفصائل اللبنانية والفلسطينية ومن الضباط والجنود اللبنانيين والسوريين رفاق السلاح الذين بذلوا التضحيات دفاعا عن لبنان أرضا وشعبا وسيادة.