الحديث الذي أدلى به سماحة السيد حسن نصر الله عبر قناة الميادين يمثّل بيانا استراتيجيا لمحور المقاومة، ويطال في مضمونه مختلف القضايا الراهنة والمهمة في الصراع، الذي تخوضه شعوب الشرق العربي وحركات التحرّر والمقاومة في مواجهة الحلف الاستعماري الصهيوني – الرجعي.
أولا: تضمّن الحديث عرضا لمجموعة من المحاور والأفكار المتصلة بإدارة الصراع في المنطقة والنضال في سبيل إلحاق الهزيمة بالهجمة الاستعمارية الصهيونية الرجعية، التي تستهدف المنطقة العربية في مختلف الساحات الرئيسية، وخصوصا في لبنان وفلسطين وسورية والعراق واليمن، استنادا إلى ما بلغته قوة المحور ووحدته السياسية والميدانية.
أكد السيد نصر الله على الطبيعة الاستراتيجية للمواجهة الدائرة، كاشفا وقائع ما يحشده الحلف الأميركي الصهيوني الرجعي من الإمكانات والقوى، وما يدبّره من خطط للنيل من قدرات محور المقاومة، الذي استطاع أن يطوّر كفاءاته السياسية والعسكرية رغم الحروب والمعارك المستمرة منذ ما يزيد على الخمسة عشر عاما. فقد تواصلت منذ حرب تموز 2006 جولات النار والدم على مساحة الشرق العربي، وسط تصميم أميركي – صهيوني على تكرار محاولات التخلّص من أطراف محور المقاومة في حروب وغزوات متعدّدة، شملت بلدان المنطقة منذ غزو العراق واحتلاله والحرب على سورية واليمن وحرب تموز وغزوة التكفير في العراق وسورية ولبنان. إن ما نشهده في هذه المرحلة يأتي في سياق الصراع وسجاله الدائر بين محور المقاومة والحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي وأدواته على مساحة المنطقة. وهذا السجال الاستراتيجي بين المحورين يجتاز في السنوات الأخيرة فصولا حاسمة، فرض فيها محور المقاومة انعطافة كبيرة، وحقق سلسلة من الإنجازات والتراكمات، التي ضاعفت من ذعر وتقهقر الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي.
ثانيا: من الواضح لمن يدرس سياق المعارك والحروب المتنقّلة على مساحة الشرق العربي أن تراكم الفشل الاستعماري يتصاعد ويتسع مداه. وأهمّ العلامات الفارقة أن محاولة استعمال الغزوات التكفيرية المتنقلة ضد بلدان محور المقاومة لتدمير القدرات الهجومية والدفاعية التي بناها وامتلكها المحور، قد وصلت الى الطريق المسدود، واستنفذت قدرتها وطاقتها الهجومية. وليس تحطيم غزوة التكفير ووقف اندفاعها وإرغام قواها على الانكفاء بالإنجاز البسيط نظرا لطبيعة التخطيط الاستعماري الأميركي الغربي والصهيوني ولحجم الإمكانات وشبكات العملاء، بما فيها الحكومات التابعة في المنطقة.
وإذا نظرنا الى الوراء قليلا نجد أن ما حقّقه محور المقاومة خلال السنوات الأخيرة في التصدّي لغزوة التكفير الإرهابي هو إنجاز تاريخي عظيم لا يُقاس بالسنوات أو بالتضحيات. فقد مُنع خطر رهيب ووجودي عن شعوب المنطقة وبلدانها، كان مقدّرا له الدوام لعقود متواصلة. فقد أحبطت قوى محور المقاومة مجموعة من مشاريع الحروب الأهلية والاقتتال الدموي المتنقّل في بلدان المنطقة، بالقضاء على وحوش الإرهاب والتكفير، ونجح محور المقاومة بتثبيت معادلات الوحدة الوطنية والشعبية في بلدان المنطقة في مجابهة الحروب التي أشعلها الأميركيون بواسطة وحوش الإرهاب وشبكات القتل الجماعي. وعلى امتداد السنوات الماضية كانت مقاومة التكفير في الشرق إحدى أخطر فصول التصدي للحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي. وقد انتصر محور المقاومة على هذه الغزوة بفضل تماسكه وقوته وحجم الوعي عند سائر قواه وفصائله، التي قدمت تضحيات هائلة بلا تردّد.
ثالثا: إن المعارك التي يخوضها محور المقاومة في سورية واليمن والعراق ولبنان لتصفية ذيول الغزوة الاستعمارية وأذنابها من التكفيريين والرجعيين، هي ملحمة وطنية وقومية شاملة. والدور الذي تؤديه فصائل المقاومة والجيوش المشاركة في هذه الملحمة، هو دور تاريخي، لأننا في معركة مصير ووجود وتحرّر وطني وقومي، لا يملك بلدٌ من بلداننا بمفرده القدرة على حسمها، مثلما أن الحلف المعادي يرمي بكل إمكاناته السياسية والمخابراتية والعسكرية، وبقدرات طائلة بواسطة الحكومات العربية العميلة في سبيل حسم الصراع لمصلحته. إن نجاح القوى المدافعة عن الشرق من جيوش وفصائل المقاومة في فرض التوازن الحالي يمثّل إنجازا تاريخيا عظيما بالقياس الى تفاوت الإمكانات والقدرات. فمقابل الإمكانات الذاتية لقوى المحور التحرّري تجنّدت إمبراطوريات عظمى على رأسها الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الغربية والكيان الصهيوني والأنظمة العربية العميلة. وبالتالي فإن التوازن الراهن الذي حركه الصراع، يشهد لمحور المقاومة بالنجاح في صدّ الغزوة الاستعمارية الصهيونية الرجعية، وفي تحقيق إنجازات مهمة من هذا الموقع الدفاعي الاستراتيجي. والنقطة الراهنة في مسار التوازنات تفتح الأفق واسعا أمام فرض ّتحوّل تاريخي في مدى السنوات القادمة، يكرّس تحرير بلدان الشرق العربي، ويفسح المجال أمام اتحادها بالتحالف مع إيران في إقامة منظومة حرّة خالية من النفوذ الاستعماري على أرض بلداننا العربية المشرقية. وهي ستكون مهيأة للتحوّل الى كتلة نامية وقوية على مساحة المنطقة. وهذا ما يرعب الدوائر الاستعمارية ويقضّ مضاجعها، وهي تحاول بشتى الوسائل استباق هذه النقلة على مسرح المنطقة والعالم، لأنها ستعني انبثاق جبهة مشرقية مُهابة الجانب إيرانية عربية، تفرض احترامها في العالم، وتنتزع الشراكات المتكافئة لمصلحة شعوب الشرق، والغد لناظره قريب.
الحقيقة التاريخية التي تفرض نفسها في هذا المشهد هي أن تكامل حكومات وقوى المقاومة، الذي قطع شوطا كبيرا، يحمل بصمة تاريخية لقائد المقاومة السيد حسن نصر الله ورفاقه، الذين لعبوا دورا تاريخيا في رسم الاتجاه ونسج الشراكات وتذويب الفوارق وردم المسافات بين قوى المحور، فكانوا دائما قوة الجمع والريادة، كما هم مع رفاقهم في حزب الله نموذج التضحية والمبادرة منذ اليوم الأول لانبثاق المقاومة الإسلامية.