من الطبيعي أن ينجذب مناصرو المقاومة والوطنيون والقوميون إلى متابعة الانتخابات في كيان الاحتلال بخلفية الرغبة برؤية فشل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ومن الطبيعي أن يرغب البعض بصورة عفوية وبريئة لو يشارك الناخبون الفلسطينيون بإسقاطه، لكن هذه مشاعر وليست سياسة، ولا هي تعبيرات محسوبة بقياسات مبادئ وقيم تتصل بالحق بفلسطين ورفض كل مشاركة بتشريع كيان الاحتلال وتحويل قضية الفلسطينيين إلى قضية تحسين أحوال في ظل كيان الاحتلال. والأكيد أن سياسات الكيان العدائية والعنصرية تجاه الفلسطينيين خصوصاً في الأراضي المحتلة عام 48 لن تتغير مع تغيّر رئيس حكومة الاحتلال، ومثلها لن ينال طلاب دولة فلسطينية ضمن صفقة تسوية مرادهم، ولن ينعم قطاع غزة بالأمن، ولا اللاجئون سينالون فرصة لتعامل مختلف مع حقهم بالعودة.
النقاش الجدّي يبدأ من نقطة مختلفة كلياً، وهي أن محور المقاومة ومعه الكتل الشعبية المؤمنة بالمواجهة المفتوحة مع مشروع الاحتلال ومشروع الهيمنة الأميركية من ورائه ومشروع التخريب التفتيتيّ والإرهاب التكفيري الذي ترعاه دول الخليج تحت مظلّتهما، معنيون بمواكبة ما يجري في السياسة وفي الانتخابات، لكن من زاوية مختلفة، هي زاوية المعركة التاريخية التي أسست لها المقاومة طويلاً برد معركة كَيّ الوعي التي بدأها كيان الاحتلال والمشروع الإمبراطوري الأميركي وأدواتهما، لزرع معادلات في وعي شعوب المنطقة، عنوانها، أن 99 من أوراق اللعبة بيد أميركا، وأن لا أمل لمن يتمرّد على مشروع الاحتلال ويرفض مشروع الهيمنة الأميركية، وان الأنظمة التي تحظى بالرضا الأميركي والمباركة الإسرائيلية هي قدر لا يرد، وهي الأضمن لأمن الناس وصيرورة حياتها الطبيعيّة. وقد نجحت المقاومة بتفكيك هذه المنظومة من المفاهيم، وها هي أميركا و«إسرائيل» وحكام الخليج في حال ضعف وعجز، يتلقون صفعات محور المقاومة، ولا حول لهم ولا قوة حتى على القيام برد يحفظ ماء الوجه.
نجح محور المقاومة بنقل معركة كيّ الوعي إلى داخل الكيان ومن خلفه إلى داخل الرأي العام الأميركي، ومعهما إلى داخل المؤسسات الحاكمة والنخب والرأي العام في الخليج. فصارت الأسئلة المطروحة في التداول تطال الخطر الوجودي الذي يستشعره المستوطنون حول قدرة كيانهم على البقاء، والشكوك حول قدرة جيش الاحتلال، وقدرة الردع التي كان يتباهى بها، والأميركيون يتساءلون عما إذا كانوا دولة عظمى، وحدود قدرة جيوشهم وأسلحتهم وأموالهم على صناعة السياسة العالمية، وحدود مصلحتهم في خوض حروب وإنفاق أموال وخسارة أرواح، لخدمة دور في السياسة الدولية، وفي الخليج أسئلة حول جدوى التبعيّة للسياسات الأميركية، وحدود الحماية التي ينالها الخليج بسبب هذه التبعية، وتساؤلات حول مكانة الخليج السياسية والاقتصادية بتحوله إلى أداة أميركية إسرائيلية ومجرد كيس أموال، بينما العالم يتغيّر من حوله والحقائق صادمة.
معركة الثقة في قلب معركة كي الوعي تؤتي ثمارها اليوم، وهي مرحلة نوعية ضمنها، وعنوانها قادتكم ليسوا إلا منافقين وتجاراً وجبناء. وهذا هو مضمون رسالة المقاومة في عملية أفيفيم ورسالة إيران في إسقاط الطائرة الأميركية التجسسية العملاقة، ورسالة اليمنيين في عملية آرامكو، وها هي النتائج تثمر في كيان الاحتلال، ليس فوزاً لبني غايتس الصهيوني المجرم، بل بسقوط بنيامين نتنياهو الحاكم الصهيوني الحالي والمجرم، ولعل دونالد ترامب أول مَن يقرأ بدقة المعاني أو يقرأون له، عسى أن يكون بين حكام الخليج مَن يقرأ!
المستوطنون يفقدون الثقة بقادتهم، ومثلهم سيفعل الأميركيون عندما يجددون لترامب ولاية ثانية لأنه تراجع عن المغامرات وتعامل بواقعية مع المتغيرات، أو عندما يحجبون عنه أصواتهم لأنه فعل العكس، ومثلهم يتوه الخليجيون تحت ضوضاء مكابرة حكامهم بتزيين الهزيمة والتراجع، ويسألون إلى متى؟