أثبتت الدراسات أن جل الأدفاق السياحية تتشكل في بلدان العالم المتقدم حيث يرتفع مستوى عيش السكان وتتجذر التقاليد السياحية بهذه البلدان وتتركز أهم وكالات الأسفار العالمية التي تسهل العملية السياحية. يتأثر الطلب السياحي في بلدان الانطلاق سلبا بالأزمات الاقتصادية والسياسية وانعدام الأمن (الحروب والإرهاب…) في العالم، لكن ماهي العوامل الإيجابية المساهمة في تشكل الأدفاق السياحية؟
1- توفر وقت الفراغ شرط ضروري للسياحة
بدون وقت فراغ، لا توجد سياحة. في الواقع، للقيام برحلة طويلة الأمد، من الضروري أن يكون لديك وقت. شهدت جل البلدان الغربية بعد الحرب العالمية الثانية تنامي دور الحركات العمالية والنقابات في الضغط على أرباب العمل (الدولة والخواص) للحصول على عدة حقوق عمالية منها تمديد الإجازات مدفوعة الأجر، خاصة في القطاعين الصناعي والخدمي، وقد ساهم ذلك في إطالة أمد وقت الفراغ وزيادة كبيرة في حجم السياح المحتملين. وعلى العكس من ذلك، فإن وتيرة العمل في بعض القطاعات مثل الزراعة، تجعل من المستحيل تخصيص فترات طويلة من الوقت للترفيه أو السياحة.
2- العوامل الاقتصادية
يساهم ارتفاع مستوى الدخل في تحسن مستوى العيش الذي ينعكس إيجابا على تخصيص جزء من الدخل إلى السياحة، فقد أثبتت الدراسات أن سكان البلدان الغنية أصبحوا يخصصون جزء من دخلهم للنقل والترفيه والسياحة ماانفك يتزايد على حساب النفقات الأساسية للغذاء واللباس والسكن. كما أصبحت الدول ووكالات الأسفار والجمعيات المهنية تنظم حملات دعائية للسياحة تكلفها أحيانا مبالغ هامة. كما تسعى بعض البلدان النامية، في نطاق المنافسة في السوق السياحية العالمية، لاستقطاب أعداد هامة من السياح فتخفض من قيمة عملتها بالنسبة للعملات الأجنبية قصد التخفيض من تكلفة السفرة السياحية.
3- العوامل الديمغرافية والاجتماعية
ساهم تسارع نمو عدد السكان في العالم خاصة بعد الحرب العالمية الثانية في توسيع القاعدة السكانية التي تتجه نحو السياحة خاصة الطبقات الوسطى. غير أن نمو الطلب السياحي لا يشمل السكان بصفة متجانسة، حيث ترتفع نسبة المترددين على السياحة لدى الشباب والكهول أكثر من الشيوخ الذين تقل حركيتهم مع التقدم في السن. كما يتفاوت الطلب السياحي حسب الانتماء المهني، حيث تقل نسبة إقبال الفلاحين على السياحة نظرا لضرورة الحضور المسترسل للفلاح في أرضه، في المقابل يجد العاملين في المهن الحرة وفي الصناعة الوقت للسياحة. كما أثبتت الدراسات تباينا بين الوسطين الحضري والريفي في استهلاك الخدمات السياحية ويفسر إقبال الحضر على السياحة أكثر بعدة عوامل نذكر منها ارتفاع مستوى الدخل في المدن وعمق تأثير الدعاية. حتى بين أحياء المدينة يتباين إقبال سكانها على السياحة، حيث يرتفع هذا الإقبال في أحياء الميسورين.
4- عوامل التنقل السياحي
وفقًا للمسح الديمغرافي الدائم حول الظروف المعيشية الذي تم إجراؤه في فرنسا في عام 1999، تبيّن أن خمس عدد السكان لم يذهب في إجازة وقد ذكروا أنه كان اختيارًا متعمّدًا. تختلف نسبة غير المغادرين حسب الاختيار حسب العمر: فهي أقل من المتوسط بين 20-39 عامًا (10 ٪) وأعلى في الأعمار الأكبر (31 ٪).يتحدث الأشخاص الذين لم يغادروا في أغلب الأحيان عن أسباب مالية، حيث أثبت المسح الفرنسي أن العامل المالي أجبر 37٪ من السكان من السفر. الأسباب الأخرى المقدمة في حالة عدم المغادرة هي القيود العائلية (18٪) والصحية (10٪) والمهنية (8٪)، مع وجود اختلافات قوية حسب العمر.تتطلب السياحة موارد مالية لا تتوفر عند كل الطبقات الاجتماعية. على الرغم من دمقرطة السياحة، إلا أنها ليست في متناول الجميع. في كثير من الأحيان، لا تزال النفقات المخصصة لتلبية الاحتياجات الأساسية (الطعام والمسكن والملبس) تستأثر بالجزء الأكبر من الدخل. ساهم توفر وقت الفراغ عبر الإجازات السنوية خالصة الأجر وضغوط الشغل الصناعي وارتفاع مستوى عيش السكان في البلدان المتقدمة في تجذر التقاليد السياحية بهذه البلدان وتوجه السكان المنتظم نحو السياحة في البلدان السياحية القريبة منهم (جنوب المتوسط مثل تونس والمغرب الأقصى) في مرحلة أولى خلال السبعينات والثمانينات، ثم نحو الوجهات البعيدة بآسيا والقارة الأمريكية وأقيانوسيا منذ التسعينات، تزامنا مع مزيد تطور النقل الجوي في العالم.
* أستاذ باحث في الجغرافيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة، جامعة سوسة