ساذج من يعتقد ان توقيت العقوبات الامريكية على ايران، ضرب من ضروب الصدفة، او ردة فعل امريكية لازمة معينة، فهذه العقوبات اتت على اثر ثورة كبيرة اضطلعت بها ايران في المنطقة، اسقطت من خلالها اكبر حلم لأمريكا عبر التاريخ، وهو تقسيم الشرق الأوسط كليا والاستحواذ على خيراته، منها السيطرة على اكبر مخزون احتياطي نفطي في العراق، وممر الثروة العالمية المقبلة (الغاز) في سوريا، والاهم ضرب محور المقاومة المناوئ للكيان الصهيوني.
ان إيران أسقطت أجندة أعدتها الدوائر الاستكبارية العالمية منذ عشرات السنين للسيطرة على العالم كليا عبر بوابة الشرق الاوسط، لهذا فان العقوبات الأمريكية لم تكن عقوبات على خلفية البرنامج النووي الايراني، بل هي عقوبات لما صنعته ايران من انقاذ للمنطقة، وعقوبات لنجاح ايران في حسر النفوذ الأمريكي فيها، وبراعتها في إدخال الدب الروسي إليها ومنافسته لأمريكا .
ان إيران صنعت خارطة جديدة في العالم، أنهت من خلالها قوة القطب الأوحد الذي يحكم العالم، واستطاعت بفضل قدرتها وبراعتها وخبرتها الدبلوماسية ان تكون طرفا قويا في هذه المعادلة، وان تكون زعيمة المنطقة، بحيث لا احد يعبث بها دون المرور عليها .
وبهذا استطاعت ايران ان تجرد امريكا من التعامل بالدبلوماسية، في عهد الرئيس ترامب، ولم يبق لديها سوى لغة العقوبات رغم انها لم تعد مجدية .
الا ان حتى هذه الخطوة التي خطتها امريكا بفرض العقوبات على ايران، أتت نتائجها بخلاف حساباتها، لانها لم تكن تتوقع بان تخسر المعركة الدبلوماسية مع ايران، ولم تكن تتوقع ان تنجح إيران بان تستحوذ على القرار الأوربي، ولم تكن تتوقع ان تنجح ايران بان تجعل الاتحاد الأوربي يتمرد على ترامب ويعيد حساباته السياسية مع امريكا، ولم تكن تتوقع ان تنجح ايران بان تولد رغبة للاتحاد الاوروبي ببناء قوة جديدة لمواجهة امريكا.
ما جنته ايران هو التأييد العالمي الواسع ضد العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وحتى أن الأوروبيين يحاولون إيجاد طريق للتواصل الاقتصادي والنفطي مع إيران، اذ أن هذه العقوبات سترتد سلبا على الولايات المتحدة قبل أن يكون لها تأثير مباشر على الاقتصاد الإيراني.
ان الدول الأوروبية مصرة على إيجاد حل ما للواقع الجديد، ولطالما أن الولايات المتحدة هي حليف للدول الأوروبية، أما إيران فهي مكان للاستثمار، من جهة أخرى تعلم الدول الأوروبية أن القرار ليس في يد الحكومات أصلا، بل بيد الشركات الأوروبية التي تنشط في إيران، وإذا تعرضت أي شركة لعقوبات أمريكية، فسيكون حسم هذا الأمر بيد الشركة بالحسابات الدقيقة، مهما كان موقف حكومة الدولة التي تنتمي إليها هذه الشركة، لذلك فالأوروبي يعلم أن العقوبات الأمريكية تطاله بالدرجة الأولى ربما قبل أن تطال طهران.
– الرد الايراني الصارم
ما يلفت النظر ان التعامل الايراني مع هذه لعقوبات رغم قساوتها لم يكن تعاملا ضعيفا، بل تعامل من منطلق قوة قل نظيرها. فبغض النظر عن الاداء الدبلوماسي العال الذي مارسته ايران، كانت هناك ردود إيرانية أخرى نابعة من حالة الوعي الراسخة التي تتمتع بها إيران، بان الهدف الأمريكي هو اعادة السيطرة على المنطقة عبر ضرب إيران (القوية) المهددة لوجود الكيان الصهيوني .
ومن جملة هذه الردود هي الردود بكشف النقاب عن انتاجاتها العسكرية المتطورة التي اذهلت العالم، منها منظومات الدفاع الجوي التي تضاهي منظومتي روسيا وامريكا، وكذلك صناعتها لطائرة مقاتلة متطورة، وانتاجها لغواصات عسكرية، وكذلك مدمرات بحرية عملاقة، فضلا عن كشفها لكثير من الصواريخ القادرة على عبور البحار والمحيطات.
– كيف انتصرت ايران في نهاية المطاف
عندما توجهت ايران الى اوروبا، فانها لم تكن تريد ان تتخذ من دول الاتحاد الاوروبي كغطاء لها في مواجهة هذه العقوبات، انما انها تعلم جيدا حجم الاحراج الكبير الذي وقعت به اوروبا، التي تملك شركات استثمارية عملاقة تعمل في ايران كما اسلفنا، وان خسارة هذا الامر يعني تراجع الاقتصاد الاوروبي وربما انهياره في عدد من الدول فيها، وهذا الامر من شانه ان يضعفها اقتصاديا وسياسية.
السلاح الثاني الذي تملكه ايران هو السلاح الجغرافي، وسيطرتها على المياه الاقليمية في المنطقة، وهذه المياه تكاد تكون الممر الوحيد لاكثر الدول انتاجا للنفط وهي الدول الخليجية (الحليفة لامريكا)، ولو اشتد الامر على ايران فانها قادرة على منع وصول اي قطرة نفط للدول المستهلكة للنفط في العالم ومنها امريكا نفسها.
لهذا فان سلاح العقوبات الامريكية لابد له ان ينتهي قريبا، وان تعلن امريكا خسارتها للمعركة الاخيرة مع ايران.
* الغدير