ما يروّجه المغرضون عن إيران الإسلامية، من كونها تسعى إلى استعادة أمجاد الفُرْس، أو الصّفويين، أو أنها تريد أن تعيد الكَرّة على العرب لاحتلالهم، لا تَعدُو كوْنها دعاية رخيصة، وإتّهامات كاذبة، لم يثبت منها شيء، منذ نجاح ثورة شعبها، وتأسيس نظامها، ولو عُكِسَ الاتّهام على مصادره لتَبَيّن بهتانهم، الحقيقة التي يدفعها أعداء ايران بمختلف الدّعايات، هي أنها تعرّضت لعدوان غاشم وحرب ظالمة، استمرّت ضدّها ثماني سنوات بمشاركة عربية، وايعاز ودعم أمريكي غربي، فقدت فيها نصف مليون ضحيّة، فضلا عن المعوّقين، وخسائر مادية جسيمة، في البنى التّحتية والممتلكات العامة والخاصة.
فهل كانت إيران معتدية في سنة 1980، عندما بدأ العدوان العراقي المدعوم عربيا وعالميا عليها، وهي التي مازالت في بداية بناء مؤسساتها، وقواتها الامنية والعسكرية، منشغلة بإصلاح ما أفسده نظام الشاه؟ أيعقل أن يّرى الضحيّة جلّادا، وإيران الوحيدة من بين الدول الإسلامية، التي قامت بعد انتصار ثورتها مباشرة، بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، التي كان الشاه المقبور أقامها، وطرد بعثته، وغلق سفارته بطهران، وإعطائها لمنظمة التحرير سفارة دولة فلسطين؟
وهل تّرى أنّ ما قدّمته إيران لشعب البوسنة، في مقاومة عدوان الصرب في حرب البلقان، له أبعاد توسّعية؟ أم إنه استجابة لنداء الواجب الإسلامي، في ظرف بقي عامة العرب والمسلمين، في وضع المتفرج على المجازر والابادة، التي ارتكبها الصرب بحق مسلمي البوسنة؟
وهل ترى أنّ ما تقدّمه إيران لأهلنا وإخواننا في فلسطين، حركات مقاومة وأهلي متضررين، من دعم مالي وعسكري غير محدود، في مواجهة غطرسة وعربدة وعدوان الكيان الصهيوني، المتكرر على قطاع غزة، يُرى على أنه احتلال أو له غايات توسّعية، وأعلى ما خيل العرب حينها إزاء ما يجري، تنديد واستنكار، ثم صمت ومشاهدة؟
وهل ما تقدّمه إيران لفينزويلا مثلا، لتقوية صمودها وكسر معاناتها، من حصار أمريكي جائر مُطبق من أجل اسقاط نظامها البوليفاري الثوري – تماما كالحصار المضروب على كوبا منذ عقود – يُرى بغباء أعداء إيران، وما أغبى أعداءها عندما تعمى بصائرهم، عمل توسّعي ومقدّمة احتلال، ليْتهم التفتوا إلى حال تبعيّة انظمتهم المذلّ، ورُزْحَانِ دُوَلهم في أغلال هيمنة الدول الكبرى، وهي على أبواب احتلال اقتصادي، ينهي آمالهم في النّموّ، لا يبقى لشعوبهم أملا في حياة كريمة.
كان لا بدّ لِي من ذكر هذه الإشارات – واللبيب بالإشارة يفهم – قبل أن أنتقل للحديث عمّا يريد خبثاء السياسة، إيصاله إلى عقول بسطاء القوم، وحتى أنّ هناك شرائح مثقفة، سقطت في فخّ الدعاية الأمريكية الوهابية، بشأن إيران الإسلامية، في علاقتها مع الملفيّن السّوريّ واليمني، لعلّ غشاوة الضلال ترتفع عن بصائرهم، فيرجعون إلى الحق والقول الفصل، بشأن السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
سوء فهم ما جرى على أرض سوريا، ولا يزال يجري بكلّ أسف، جعل كثيرا من الناس يعتقدون خلافه – ثورة شعبية، سرعان ما كشفت عن وجه إرهابي قبيح – تأثّرا بالدعاية الأمريكية الغربية الصهيونية، ومن يدور في فلكها من إعلام أعمى، لا يرى إلا بالقدر الذي تراه لهم أدوات الحرب الاعلامية، للحلف المعادي لمحور مقاومة العدوّ الصهيوني، بينما يراه البعض الآخر بمنظور حزبيّ اخواني ضيق، أمّل كثيرا في أن تفرش لنظائرهم، طريق حكم دمشق بالسّجاد الأحمر.
أمّا ما رآه الشعب السوري، الذي اكتوى بنار فتنته، وتحمّل وطأة تداعياته، على مختلف أوجه حياته الأمنية، والسياسية والاقتصادية والإجتماعية والطائفية، فيختلف تماما عما غابت أعين الموهومين بالثورة عنه، من أحداث وأوضاع السوريين المستجدّة، الذين لم يكن يميّزهم عن اختلاف طوائفهم شيء من تعاملاتهم فيما بينهم، لا في مجاورتهم لبعضهم، ولا في تجاراتهم ولا في مصانعهم، ولا في مدارسهم، ولا في إدارتهم المدنية والأمينة والعسكرية، جميعهم في كنف حب الوطن، مواطنون متساوون يعيشون سلاسة التعامل، وأمن التوافق الاجتماعي.
الحرب القائمة في سوريا، هي أساسا عدوان عالميّ سافر، ومشروع تآمريّ كبير، غلّف بغلاف ثورة شعبية، بهدف اسقاط النظام السوري في مرحلة أولى، وإحلال نظام بديل عنه، يكون في مبادئه وأهدافه نقيضا لما سبقه، معاديا للمقاومة، ومطبّعا مع الكيان الصهيوني، ومفرّطا في الجولان المحتل، وفي مرحلة ثانية، قطع الصّلة بين المقاومة في لبنان وفلسطين، مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، السّند الفعلي لتلك الأحزاب والحركات والمنظمات، في مواجهة قوات الكيان الصهيوني، ثم في مرحلة ثالثة، الإستفراد بفصائل وأحزاب المقاومة، وفي مقدمتها حزب الله، ومحاصرتها خنقا لإمداداتها، من أجل القضاء عليها، وانهاء وجودها كتهديد جدّي للكيان الصهيوني.
وفي مرحلة رابعة وأخيرة، العمل على اسقاط النظام الإسلامي في ايران – وهي محاولات لم تنقطع إلى اليوم – بعد الفراغ من التخلّص من عناصر مشروعه المقاوم خارج قواعده، باستهدافه داخل أرضه، بواسطة داعش بعد اكتمال احتلالها للعراق وسوريا، وهي القراءة السليمة لكل الأحداث الخطيرة المتسارعة، التي ابتليت بها الشّام وبلاد الرافدين، وكادت المؤامرة أن تنجح، لولا التّدخّل الذي قامت به إيران، بطلب رسمي من حكومتي سوريا والعراق، وأمكن به أن تسهم بشكل فعال، بخبرائها ومستشاريها العسكريين المتطوّعين، في اسقاط راية داعش، وانهاء الحلم الأمريكي الصهيوني الغربي، في قيام دولة التوحّش البشري بعنوان إسلامي مزوّر، وبذلك تلاشي مخطط إنهاء مشروع مقاومة الكيان الصهيوني، الذي استهدف إيران وعناصر مقاومتها، وبقي الحذر واجب لأن العدوّ غدّار.
أمّا فيما تعلّق بالشّأن اليمني، فإن الدّول العربية التي تحالفت على العدوان عليه، كان هدفها الحقيقي، منع شعبه من استكمال مساره الثوري، لما يشكّله من خطر على مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي تنفّذه أمريكا لفائدة الكيان الصهيوني، وما تدّعيه دول الخليج التي يُشِرف تحالفها على التفكّك، بعد انسحاب أغلب دوله المشاركة، وإرتهان العدوان بدولتين مؤسستين، هما السعودية والإمارات، بما يخفيانه وراءهما من تحريض ودعم أمريكي صهيوني غير محدود، باعتبار أنهما أصحاب مصلحة أساسية، في إخضاع اليمن لمرحلة هيمنة جديدة، تستوجب قبل كل شيء إنهاء وجود حركة أنصار الله، وافتعال عدوان عاصفة الحزم، الذي شنته تلك القوى الظالمة، منذ ما يزيد عن خمس سنوات، بذريعة إعادة الشرعية، مدعاة للسّخرية من مبرر لا أساس له، لأنّ مرحلة حكومة منصور هادي مؤقتة، وثار عليها اليمنيون، من أجل ازاحته، وقد ثبتت عمالته وبانت بكل عوراتها ومساوئها.
يكفي لكل عاقل أن يرى شعار حركة أنصار الله اليمنية، ليفهم أبعاد الحرب العدوانية، التي يعاني منها اليمنيون، من شمال بلادهم إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، وما خلّفته من دمار وحصار، فاقد لأبسط معايير الإنسانية، من هذا المنطلق الإنساني، والهدف الذي تبنّته هذه الحركة القرآنية الثّورية المباركة، ذات الأهداف الإسلامية، المتطابق مع أهداف الجمهورية الإسلامية في إيران، رأت إيران أنه من واجبها الشّرعي الملزم، أن تقف إلى جانب الشعب اليمني المظلوم، وحركته الوطنيّة المقاومة الصادقة، استكمالا لأهدافه الوطنية والاسلامية، فعملت على تبنّي الدّفاع عنه اعلاميا وفي المحافل الدّولية، ووسته بمعالجة جرحاه وتقديم المساعدات الضرورية الإنسانية لأهله.
تلك هي إيران بمبادئها الإسلامية، والتزاماتها نحوها وحركتها الصادقة، من أجل تخليص الشعوب المظلومة، من مؤامرات أعداء تحررها، وهي تدفع ضريبة التزاماتها ثقيلة منذ 41 عاما، ليس مقدور غيرها من الدّول الاسلامية تحمّلها سنة واحدة، فَهِمَهَا من فَهِمَ أهدافها ومعاناتها، من أجل تحقيقها فذلك خير له، وأصرّ من اصرّ على مواقفه السّلبيّة منها تعنّتا ومكابرة، فذلك لن يغنيه من الحقّ شيئا، ” لِيهْلَكَ مَنْ هَلَكَ عن بيّنة ويَحْيَ من حَيَّ عن بيّنة”(*)
(*)سورة الأنفال الآية 42