عندما تعجز امريكا على الوقوف في وجه دولة تلجأ إلى أساليب قذرة في التشويه والكذب، فتستغل أيّ حادث ولو كان عرضيا لتشعل فتيل فتنة جديدة، ولا تهمّها النتيجة أيّا كانت.
إنّ أسوأ ما يكتبه عادة، من يعتبرون أنفسهم عرفاء، ومطّلعون على شؤون السياسة وعالمها، ما تضمّن نقدا لحدث أو فكرة ما، لا يجاوزان إطار قناعاتهم الخاصّة، التي عادة ما تكون نتيجة افكارهم ومعتقداتهم، وما عداها فهو جدير بإلصاق أي شيء بها تشويها لها وإساءة إليها، وتلك عادة من حاد عن الصّواب، وذهب بعيدا في تعصّبه، فلم يلتفت أنه تجاوز حدّه، في مغالطة من سيقرؤون له مطمئنين إلى جانبه، وفي إعتقادهم أن رُكْنهم الذي لجأوا إليه وثيق، لا تشوبه شائبة شك، فيما يُملِيه عليهم يقبلونه في مقام التصديق .
وفيما أطلق الكاتب (نوفل سلامة) جماح تباينه مع النظام الإسلامي في إيران، وهي فرصة أتيحت له ولكل من رآها مواتية له، ليبث فيها مغالطاته، قد رأيت من واجبي التنبيه إليها، لأنها تصبّ كلّها في محصّل تحقيق أهداف الغرب والصهيونية رؤوس أعداء هذا النظام، من أجل تشويهه وإظهاره مظهر الفاشل في قيادة بلاده، بالمنظار الغربي الصهيوني، الذي لم يعد يرى للدين عموما، وللدين الاسلامي خصوصا مكانا في عالمنا، وبالتأكيد كل من مشى في ركابهم من عملاء وكتّاب مأجورين، دفع بهم الحقد الأديويلوجي على إيران، ليتطوّعوا ضمن جوقة الإفتراء عليها، ما هم سوى أدوات تفتين وتخريب علاقات بين الشعوب والدّول.
مقال نوفل سلامة بعنوان (إيرانيات ضد السلطة: دولة العقيدة وإشكالية الحريات) على صحيفة (الصريح) الإلكترونية، يدعو بما احتواه من مغالطات، يستدعي النظر فيه والرّدّ عليه، إنارة للرأي العام العربي عموما والتونسي خصوصا، فادّعاؤه بأن ما جرى أخيرا في إيران من احتجاجات ليست الأولى كما قال(فقد لا تمرّ سنة، دون أن تعرف المدن الإيرانية احتجاجات ومظاهرات، تنديدا أو رفضا أو مطالبة بحق من الحقوق) الجديد عند (نوفل سلامة): (أن الإحتجاج الأخير جاء بسبب إمرأة وتقوده فئة من النساء ساندن بقوة الثورة الإيرانية، في أواخر سبعينات القرن الماضي ضد حكم الشاه ونظامه الديكتاتوري اليوم نجدها تخرج إلى الشارع ضد نفس النظام الذي ساندنه للتعبير على رفضهن تطبيق تعاليم الاسلام بالقوة والإكراه وذلك على خلفية مقتل الشابة “مهسا أميني ” ذات العشرين عاما على يد عناصر من شرطة ‘حماية الأخلاق’ أو ما يسمى بدوريات الإرشاد على إثر اعتقالها واقتيادها إلى مركز الشرطة، أين تعرضت إلى الضرب الشديد على مستوى الرأس..) (1)
قد لا يُعاب على من لم يكن متابعا، ولا مطّلعا على تاريخ الثورة الإسلامية الإيرانية، فيما تأثّر به من دعايات وإخبارات الدول الغربية، المعادية للإسلام مبادئ وأفكارا وشعوبا، فمحاولة هؤلاء الأعداء الكثر بواسطة وسائل ومؤسسات إعلامية، ذات قدرات كبيرة على تزييف الحقائق، وهي التي بيدها نشرها بين الشعوب على نطاق واسع، لكن العيب يُلقى على من قرأ عن الثورة الإسلامية، من كتابات أعدائها وصدّق ما فيها، والعيب أيضا يلقى على من عرفها حق معرفتها، ثم انقلب عليها وهو مدركٌ تماما، أنّ ذلك موقف يلتقي فيه مع أعدائها.
وكأني (بنوفل سلامة) نسي وهو منسجم مع مواقف الغرب الدعائية المغرضة، أن عمر الثورة الإسلامية اليوم بلغ 43 سنة، بما يعني أنه لا توجد إمرأة واحدة ضمن المحتجّات، شاركت في الثورة، ولو بالمساندة من بعيد، فأقصى ما يمكن تقديره لأكبرهنّ عُمرا، لن يصل بحال إلى 43 سنة، وبالتالي أين رأى (نوفل سلامة) مشاركة هؤلاء النسوة في حدث سجّله التاريخ للجيل الماضي، مُعلِنا قيام نظام اسلامي، اعتمد منذ البداية على مصادره التشريعية، وبدأ في تطبيق أحكام الله، وبنى شرعيّته من الشعب الذي اختاره بنسبة 98.2%.
تأثرُ (نوفل سلامة) كان ظاهرا، من خلال اعتماده على الرواية الغربية بشأن (مهسا أميني) مدّعيا بأنها قتلت بيد شرطة الآداب، في أحد مراكز طهران، بينما الحقيقة أظهرت خلاف ذلك تماما، وما سجّلته كاميرات المراقبة بالمركز، أثبت أن الفتاة ماتت بسكتة قلبية – وقد نشر الفيديو لمن كان يبحث عن حقيقة ما جرى- لعله من جراء حقدها الدفين على النظام الإسلامي ورفضها لأحكامه، التي كانت مجبرة على الخضوع لها، ولو بنوع من التمرّد عليها، بلباس فيه مخالفات غير مقبولة في القانون المعمول به في إيران، صونا لسلامة المجتمع وعفّته وكرامته.
تناول نوفل سلامة للإحتجاجات الأخيرة، على أنها لم تقم على أساس مطالب اجتماعية، أو معيشية أو سياسية، مدّعيا أنها انتفاضة نسائية للمطالبة بحقوق النساء، (خروج المرأة الايرانية إلى الشارع للمطالبة بحقوقهن ورفضهن أسلوب الإكراه الذي يمارس عليهن لتطبيق تعاليم الدين في علاقة بفرض السلطة الإيرانية إرتداء الحجاب على النساء والفتيات في الفضاءات العامة فما يحصل اليوم يكتسي خطورة كبيرة على النظام الإيراني الذي يعرف لأول مرة رفضا شعبيا لتطبيق تعاليم الدين الفكرة التي قامت عليها الجمهورية الإسلامية بطريقة علنية وبصوت عال ودون خوف) (2)
ما نسيه أو تجاهله (نوفل سلامة)، وكل كاتب رضي بأن يكون ببغاء، يردّد ما يجود به عليهم الإعلام الغربي، أنّ القوانين الاسلامية التي جاء بها القرآن الكريم، وبيّنها النبي من خلال أحاديثه وسيرته، هي جملة من الأحكام الأخلاقية والإجتماعية والجزائية، لا تنفكّ بعضها عن بعض، منظومة إلهيّة متكاملة، هدفها الأساس إعادة الناس إلى الله وإصلاح شأنهم، وبناء مجتمعاتهم على أساس من البِرّ والتّقوى، وأحكام الإسلام بخصوص المرأة من حيث لباسها وظهرها الخارجي ملزمة، وليست في مجرى اختياري، حتى تتعالى أصوات من بيننا، لتأخذ منها موقفا معاديا، يدعو إلى التساهل فيها، نزولا عند رغبة من يريد الإلتزام بها ومن لا يريد.
وذلك مما لا يتعارض مع قوله تعالى لا اكره في الدين، بمعنى عدم اجبار الناس على اعتناق الاسلام واكراههم عليه، أما الأحكام والتشريعات الإسلامية فعلى أساسها تسمّت الدولة وقامت بناء عليها، فلا يمكن بأي حال تركها على هوى الناس في تطبيقها، لأن أيّ تساهل في إنفاذها، سيؤدي إلى تسيّب وانفلات أخلاقي، ممّا سيعود بالضرر على المظهر العام للمجتمع، في عدم الإلتزام بالأحكام، وما سينجر عنه من ممارسات غير أخلاقية، والأمثلة على ذلك قائمة في جميع البلدان المحسوبة على الاسلام، لكنها غير ملتزمة باحكامه، وبالنتيجة فالحاصل في مجتمعاتها خصوصا في الجانب النسوي منها، كاف ليدلّل على بطلان دعوى حرّية اللباس لهنّ.
وتحت عنوان سقوط دولة العقيدة كتب نوفل سلامة (أن الإيمان والاعتقاد والالتزام بالتشريعات الدينية لا يمكن أن تفرض بالقوة وأن دعوة الناس للالتزام بتعاليم الدين في دولة تتبنى الإسلام لا يمكن أن يكون بالإكراه وبالغصب وإلا خرج الناس على هذه التعاليم وعلى الدولة التي تفرضها.. الدولة لا يمكن أن تفرض على جزء من مواطنيها ومن لا يدينون بعقيدتها الالتزام بتعاليم دينها بالإكراه … المهم اليوم فيما يحصل في العالم الإسلامي وما تعرفه الكثير من الحركات الإسلامية من تبنى للقيم الديمقراطية ومن مراجعات بخصوص ضخ جرعة إصلاحية في الخطاب الديني نحو تبني أنظمة حكم ديمقراطية اتضح اليوم أنها هي وحدها على هناتها وكل ما فيها من مآخذ الضامن الوحيد للتعايش السلمي والتعايش المشترك والقبول بالآخر المختلف وأنها النظام الوحيد الذي يضمن الحريات الفردية والشخصية للمؤمن وغير المؤمن.(3)
أخيرا وتذكيرا لنوفل سلامة وغيره، ممن آثروا ركوب دابة تزوير الحقائق بشأن إيران، أقول لهم لعلهم نسوا أن هذا البلد الذي عانى من حصار مطبق، استمر اربعة عقود كاملة، أنه أعلن عداء غير قابل للمراجعة، حيال المنظومتين الإستكبارية بزعامة أمريكا والصهيونية ومثالها الكيان الغاصب لفلسطين، وما أسفر عنه من حرب صامتة، استعمل فيها هذان العدوان جميع ما لديهم من إمكانات ووسائل، من أجل افشال مشاريع إيران الإسلامية داخليا وخارجيا، وتشكيك بقية العالم الإسلامي في حسن نواياها، وأن تيسر الأمر إلى إسقاط نظامها، فلم تفلح في بلوغ شيء من ذلك، وباءت جميع مخططات اعدائها بالفشل الذريع، وهيهات أن يسقط نظام قام بالله وتوكل عليه.
المصادر
1 –2 –3 – إيرانيات ضد السلطة: دولة العقيدة وإشكالية الحريات
https://www.assarih.com/ utm_source=projectagora&utm_medium=contentdiscovery