الحرب واقعة لا مفرّ منها بل هي مرغوبة من محور المقاومة وهي ضرورية للكيان الصهيوني لكي يسعى للقضاء على قدرات هذا المحور اليوم التالي للصلاة في المسجد الأقصى.
لا يكاد أسبوع يمرّ على صحافة العدو الصهيوني، أو مراكز أبحاثه أو حتى ما يمكن أن يصدر عن المسؤولين الأمنيين فيه، ولا تصدر عنهم دراسة أو مقالة أو تصريحات، تتحدث عن احتمالات وأبعاد ونتائج الحرب المقبلة. فالعدو، ومنذ النتائج الكارثية لحرب تموز / يوليو، وهو يعدّ العدّة لخوض حرب لا تعيد له قدرة الردع، بل كما يعلن هو تؤدّي إلى القضاء على المقاومة بشكل كامل. لأنه وصل إلى قناعة تقول إن أيّ إضعاف للمقاومة لا معنى له، ذلك أنّ التجربة أثبتت أنّها تستعيد قوّتها، بل تضاعف منها بدعم الحلفاء وبهمّة أبنائها.
التوقّعات لم تعد تنحصر باحتمالات وضرورات خوض هذه الحرب، بل إنّ العدو نفسه بدأ يتحدث عن تهديدات وجودية تواجه الكيان الصهيوني، وبالتفاصيل راح يتحدث عن القدرات الدقيقة لصواريخ المقاومة وقوتها التدميرية، التي تسمح لها بأن تدمر كلّ البنى التحتية بدقّة عالية، وبأن تسيطر حتى على مساحات من أراضي فلسطين المحتلة. ولذلك، بدأت قوات العدو بإجراء مناورات تحاكي عملية تحرير شمال فلسطين من قوات حزب الله، ما يعني اعترافاً ضمنياً بإمكان تحقّق ذلك. إذا ما أضفنا إلى الجبهة الشمالية لفلسطين ــــــ وهي جبهة جنوبيّ لبنان ـــــــ الجبهة الجنوبية لفلسطين وهي جبهة شمال غزة، التي أثبتت ليس فقط قدرتها على الصمود، بعد حروب صغيرة عدّة، ولكن مدمّرة شنّتها قوات العدو الصهيوني، بل إنها استطاعت لمرّات عدّة أن تفرض إرادة وقف إطلاق النار على العدو، من دون أن يستطيع تحقيق أهدافه، ما يُثبت قدرتها على الردع. كما أن استعداداتها التي يرصدها العدو ويعترف بها، تؤكّد قدرتها على شنّ عمليات هجومية نوعية وكبيرة على الجبهة الجنوبية. إذا أضفنا إلى ذلك، حجم ومتون التقارير التي تحدثت عن خطورة إعادة بناء الجيش العربي السوري لقدراته الدفاعية والهجومية، وحجم استعدادات محور المقاومة في سوريا، وما يقوم به هذا المحور لبناء مقوّمات وجود جبهة قوية وفعّالة، يمكن أن تشارك في أيّ حرب مقبلة، فإنّ ذلك يعني للعدو أنّ الجبهة السورية مرشّحة للمشاركة في أيّ حرب كبرى. ولذلك، لا يخفي واحداً من أهمّ أهدافه، من خلال الاعتداءات على سوريا، بأن يعلن أنّه يستهدف منع قيام هذه الجبهة، وبأنّ كلّ الضغوط الأميركية والعقوبات على سوريا تستهدف التخلّي عن مقوّمات القوة هذه، من خلال ما يقول عنه: بضرورة إخراج قوات الحلفاء في محور المقاومة من الأراضي السورية.
في المقابل، فإنّ المقاومة والمحور عموماً، لا يخفيان أهدافهما بالقضاء على الكيان الصهيوني وتحرير فلسطين من الاحتلال. هذه الأهداف معلنة في السياسة الإيرانية عامة، ومتجسّدة من خلال التزامها العملي بدعم قوى المقاومة في لبنان وفلسطين وسوريا، كما في استعداد القوّات المسلّحة في الجمهورية الإسلامية لمواجهة هكذا احتمال. أمّا المقاومة في فلسطين ولبنان، فهي لا تخفي بتاتاً أهدافها في التحرير الكامل، وبأنّها تستعدّ لخوض هذه الحرب الكبرى، وقد عبّر السيد حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، أكثر من مرّة عن هذه الأهداف والاحتمالات والاستعدادات، بل أكّد الجهوزية والقدرات التي تسمح للمقاومة بتدمير كلّ البنى التحتية للكيان الصهيوني، وبتدمير الفرق العسكرية التابعة له، وحتمية الانتصار والصلاة في المسجد الأقصى، كقناعة يقينية لديه، وقد عبّر عن رؤيته المطمئنة لها، بأنّه يرى الصهاينة يحزمون أمتعتهم ويعودون من حيث أتوا. بين تقديرات العدو وما تعلنه المقاومة ومحورها وتؤكّده، تكون لدينا الحصيلة التالية:
أولاً، أنّ الحرب واقعة لا مفرّ منها، بل هي مرغوبة من قبل محور المقاومة الذي يعمل على تحرير فلسطين، وهي ضرورية للكيان لكي يسعى للقضاء على قدرات هذا المحور، ومنعه من تحقيق أهدافه.
ثانياً: إضافة إلى قدرات المقاومة القادرة على خوض معركة الحرب الكبرى، هناك تحوّل كبير في البيئة الاستراتيجية التي شكّلت الحماية الأساسية، بل الدافع الأساسي لقيام الكيان ولاستمراره ولتفوّقه خلال العقود الماضية، ألا وهو موقف الاستعمار القديم، الذي ساعد وأسّس لقيام الكيان، وتحالف الكيان مع الإمبريالية الأميركية، التي ورثت مهامّ الاستعمار القديم في منطقة غرب آسيا، فدعمت الكيان وعزّزت والتزمت بتفوّقه، وخاضت الحروب، وخطّطت للمؤامرات والحروب الجانبية والعمليات السوداء التي تساعد على استمراره وتحافظ على أمنه.
إنّ هذه البيئة الاستراتيجية تتعرّض لزلزال كبير يقوّض قدراتها على المناورة وعلى الاستمرار في لعب دور الحامي الأول والأهم للكيان الصهيوني. فشلت الولايات المتحدة في كلّ حروبها التي شنّتها في العقدين الأخيرين، وكشفت محدودية القوة الأميركية، كما تصاعدت قدرات محور المقاومة في وجهها، من خلال المساهمة الأساسية في إفشال حروبها، وتوجيه الضربات العلنية لها، منها المباشرة وغير المباشرة، ما يجعل محور المقاومة العامل الأساسي في إلغاء القطبية الواحدة الأميركية، وفي كشف محدودية القوة الأميركية، وفي إجبارها على مغادرة الإقليم، تحت شعار إخراجها من غربيّ آسيا.
هذا التحوّل، هو الذي أشار إليه الأمين العام لحزب الله، عندما تحدّث عن ضعف «المركز» الذي يدعم الكيان. هذا الضعف الذي تسبّب به، هو هزيمته في حروبه المتعدّدة وأزمته الاقتصادية الحادّة وتفسّخ وحدته الاجتماعية التي شاهدنا، أخيراً، قمّة تمظهرها من خلال الصراعات العرقية والعنصرية أيضاً. ثالثاً: هناك يقينية وحتمية يؤكد عليهما محور المقاومة، وخصوصاً الأمين العام لحزب الله، بالنصر وبتحرير فلسطين وبالقضاء على الكيان، وعلى الصلاة في المسجد الأقصى، وذلك عبر الإشارة بشكل متكرّر إلى حزم الصهاينة لحقائبهم، كما الطلب لكلّ فصائل المقاومة بأن تسمح لهم بالخروج من فلسطين.
وهذا يعني أنّ واحدة من سياسات الحرب ونتائجها، قد حُسمت ولن يكون الانتقام من الصهاينة بالقتل ولا بالحصر من سياسات.
موقع إضاءات الإخباري