عادة ما يكون الشجاع والكريم والشهم، ومن يحمل صفة من صفات مكارم الأخلاق، صاحب صمت في حكمة، نأيا بنفسه عن الوقوع في محضور شبهة تسيء إليه، وعادة ما يكون الجبان والبخيل واللئيم، ومن يحمل صفة من صفات مساوئ الاخلاق، صاحب عربدة وصخب وبهتان، يوقعونه في محضور تهافت سخيف، لا يجني منه سوى الخسران المبين، الحال الأولى تنطبق على إيران الإسلامية الأصيلة، التي انتفض شعبها، وثار من أجل دينه وقيمه، وقدّم تضحيات جليلة قلّما قدّمها شعب آخر، بقيادة عالم رباني، أصلح ما أفسده فترات حكم استبدادي، خُتِم بالشاه بهلوي عميل أمريكا والصهيونية، وأقام بدلا عنه نظاما إسلاميا عتيدا، أثبت بعد مرور 42 سنة كفاءة وجدارة حقيقيين، فرضت هيبته من القوى الكبرى، وجلبت له إحتراما من دول العالم المحترمة.
أما الحال الثانية فتنطبق على أمريكا ولقيطتها إسرائيل، هذا الكيان الشاذّ المنبتّ، المغروس في قلب عالمنا الإسلامي ليُسَفِّهَ آماله، ويقضّ مضجعه في الأمن والسلام والإستقرار، دور تريد أمريكا ومعها مؤسسة هذا الكيان الغاصب وزعيمة الاستعمار الغربي، بريطانيا داهية سياسة الإستكبار العالمي، أن تضطلع به في عالمنا الإسلامي لسلب إرادته، في التحرّر من هذه القوى المعادية له دينا ودنيا.
من هذا المنطلق يجب أن ننظر إلى ما يحدث في منطقتنا الإسلامية عموما، بمنظار خارج عن السفسطة والكلام البعيد عن الواقع، تأثّرا بالحملات الدعائية المضللة التي تبثّها القوى الغربية، من أجل افساد عقول الشعوب، وحرفها عن إدراك حقائق ما يجري على الساحة الإسلامية، بحيث يكون موقفها سلبيا تجاه الأحداث، معاديا في أغلبه لحركات الإصلاح ومقاومة الباطل والظلم، فلا يعني لهم من ذلك شيئا إيجابيا، بل قد يصبح الإصطفاف إلى جانب أعداء الشعوب ومخططاتهم أمرا متوقعا، تحت الهجمة الإعلامية التي يعيشون تحت وطأتها، دون شعور بخطورتها على حياتهم مستقبلهم.
لنأخذ على سبيل المثال انتخاب السيد رئيسي، رئيسا لجمهورية إيران الإسلامية، أشعل من جديد نيران أحقاد أعداء إيران، فشنّوا عليها حملات دعائية مغرضة، برهنت على أنّ هؤلاء الذين إرتفعت أصواتهم بالصراخ والعويل، ليسوا سوى عملاء لأمريكا والصهاينة والغرب، هذا الحلف الذي لا يريد خيرا لإيران شعبا ونظاما وأرضا، كل همّهم العودة إلى مربع السيطرة عليها، واستغلال مواردها من جديد، بعد أن كانت قطعتها الثورة الإسلامية، وقننها الدستور الإسلامي، ليقطع أي أمل في عودة إيران في ثوبها الجديد، بعد ما تخلّصت من أسمالها القديمة المذِلّة، إلى مجال التبعية والعمالة، والإرتهان للقوى الناهبة لخيرات الشعوب المستضعفة.
التدخّل الأمريكي في الشؤون الداخلية للدول ليس جديدا، وهي التي امتدّت أذرعها شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، بحيث لم تخل قارّة من عبثها بسياسات دول، رأت من صالحها أن تبدّل فيها وتغيّر، بما يتماشى وحفظ مصالحها، ميزان المعرفة في هذا المجال، أنّ من شكرته أمريكا أو رضيت عنه من تلك الدول، فلتعلن شعوبها الحداد على حُكّامهم، وليقوموا بنزع فتيل تلك التعابير المُمِيتة قبل انفجارها بينهم، بما لا يمكنه أن يخلّصهم بعدها، من دفع ضرائب ثقيلة على إقتصادياتهم الضعيفة، وأغلب الدّول واقعة تحت ثِقْلِ قروض صندوق النقد الدّولي، الذي يتدخّل دائما في سياستها، ويفرض شروطا تعجيزية عليها، حتى لا تخرج من دائرة الإستدانة والإذعان له .
وفي هذا الشأن إشارة وتعبير عميق، قاله قائد الثورة الإسلامية الإمام الخميني: (إذا مدحتنا أمريكا أو رضيت عنا، فيجب علينا أن نراجع أنفسنا .. فاذا سمعت عن دولة ما .. أو حزباً ما .. أو تنظيماً ما .. تمدحه أمريكا أو نال الرضا من الاستكبار العالمي .. فيجب أن تعلم أن هناك خللاً في فكر هذا التنظيم أو هذه الدولة أو هذا الحزب) (1) والإستدراج الأمريكي للدّول التي تستجيب له بالرضا عن سياساتها، هو فخّ لزيادة الإيقاع بها في طريق تبعيّته، لذلك فإن مقالة الإمام الخميني جاءت محذّرة من لسلوك خاطئ، يجب على الدّول الوطنية تجنّبه، لفائدة كرامة وعزة شعوبها، ولا يمكن أن يتمّ ذلك بسهولة، بل لا بد له من تضحيات وصمود وصبر، والحرّية وحقوق الشعوب تُفتَكُّ ولا تُعطى، هكذا علّمنا التاريخ بحركاته الثورية الصادقة.
لقد تبيّن من خلال هذا الصخب المبالغ فيه، أن الحلف المعادي لإيران لا يريد أن يتوقف عند حد، فليس لأهدافه بُعد محدّد كلما أمسك بنتيجة لفائدته، مضى إلى ما بعدها حتى يستكمل خناقه على إيران، فيُحْيِ أمل وضعها تحت أحكامه من جديد، وتذعن بالتالي إلى إرادته طائعة أم مكرهة، وقد فهمت أمريكا وحلفها أن أي عمل عسكري ضد إيران، لن يعيد لها وضعها القديم في عهد الشاه، فلا شيء مضمون عند القيام به، وهو مجازفة غير مضمونة العواقب، بل خطر شديد على المصالح الأمريكية وحلفاؤها، في كامل المنطقة المحيطة بإيران وأبعد من ذلك، حتى لو استعمل هؤلاء سلاحا غير تقليدي ضد إيران، فإن الردّ من الجانب الإيراني سيكون أكثر إيلاما وقسوة، قد ينهي زمن الهيمنة الأمريكية على العالم، وهذا أمر يتوقعه عقلاء السياسة الأمريكية، على قلّة عددهم وقصور نفوذهم، ومنذ مدّة أصبحوا يحذّرون من عواقب أي مغامرة حمقاء، قد تدفعهم إلى ذلك بالتأثير الصهيوني، فتعود على بلادهم وحلفهم بالوبال.
إن أمريكا لم تحكم العالم بقيمة إنسانية مفيدة للبشرية، حتى تُرى في جانب الصّلاح، وإنّما حكمته بغطرسة قوّتين، قوة المال وقوّة التكنولوجيا العسكرية والأسلحة الغير تقليدية، وهي ما فتئت تلوّح بهما كورقة ضغط على دول العالم، فقد دخلت كوريا وافسدت شعبها فقسمته الى دولتين، ودخلت فييتنام فقتّلت شعبه تقتيلا، بعدما لقيت مقاومة شرسة منه ولم تخرج من هناك الا وهي مهزومة ذليلة، وكذلك فعلت في افغانستان وخرجت أخيرا تاركة عهدتها لحركة ارهابية (طالبان) لتبرهن أنها توأم للإرهاب وشريك له، وعاثت فسادا في العراق أخيرا، ونهبت ذهبه واستهانت بشعبه، أمّا من جهة قوة المال، فقد أَفِلَتْ سيطرة الدولار، وهو مرتهن اليوم بخطأ استراتيجي تقدم عليه أي إدارة أمريكية، لتتعرّى قيمة الدولار الحقيقية، وينكشف تزوير تضخّم قيمته(2)، ودعوة الدّول المتحرّرة منه منذ سنوات، إلى التخلّص من هيمنته الوهميّة على أسواق الإقتصاد العالمي، وليتهم يفعلون ذلك، قبل أن تحلّ كارثة عالمية بسبب سقوطه المُدوّي.
لقد تبخّرت آمال أمريكا وإسرائيل في كبح جماح إيران، ومن أظهر ضعفا فادحا في مواجهة مشاريعها التحررية في المنطقة الإسلامية، ولم يسعْه غير أسلوب الكذب والإدّعاء الرخيص الفاقد للمنطق والغارق في مستنقع الكذب والبهتان، والعاجز حتى على مواجهة قوى المقاومة إلا بأسلوب الغدر، فكيف به وهو في مواجهة قوّة لم يكتشفوا بعد أسرارها، وسرّها الأكبر الذي يجهلونه بالتأكيد؟ إنه زمن بشِر به الإمام الخميني زمن سقوط منظومة الإستكبار الأمريكي وتوابعها بقوله:
(نحن بدأنا بمقارعة الإستكبار العالمي وخصوصاً أمريكا بكل قوة وإقتدار وكلنا أمل أن يمضي أبناؤنا والأجيال القادمة بحمل لواء التوحيد والحرية في العالم بعد التخلص من هذا الخطر المحدق. ونحن متيقنون بأن أبناءها سيذوقون حلاوة النصر إذا ما واصلوا طريقنا وقاموا بواجبهم في محاربة أمريكا المجرمة والتصدي لغطرستها وعنجهيتها.)(3)
قديما فكرت أمريكا وخططت لشن عدوان إيران وباء بفشل لم يفهم خبراؤها العسكريون له سببا، وبقي ذلك عقدة في نفوسهم، وإيران اليوم ليست إيران الأمس وقد عبّرت على لسان قادتها العسكريين عن موقفها من أي عدوان محتمل بأنها ستلقن المعتدين درسا لن ينسوه أبدا(4)، فذلك الذي حصل في صحراء طبس، سيتكرّر كلّ مرة ذلك هو الله الذي يدافع عن أوليائه: (إنّ الله يدافع عن الذين آمنوا )(5) وهو الذي وعد بنصر من ينصره: (لينصرن الله من ينصره) (6) أمّا المكر السيء فقد قال فيه جلّ شأنه:(ولا يحيق المكر السّيء إلا بأهله)(7)
المصادر
1 – إذا رضت عنك أمريكا .. يجب أن تراجع نفسك .. بقلم : سماحة السيد محمد الطالقاني دام عزه .. النجف الأشرف https://iranalyoum.com/?p=10751
2 – الدولار الأمريكي: قصة الوهم الذي تم خداع العالم به
https://tipyan.com/usd-dollar-illusion-story-that-has-been-deceiving-the-world
3 – مبادئ الإمام الخميني (رحمه الله) في مواجهة أمريكا
4 – الحرس الثوري الإيراني يهدد إسرائيل
https://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2021/08/07/1426713.html
5 – سورة الحج الآية 38
6 – سورة الحج الآية 40
7 – سورة فاطر الآية 43