الصور التي نقلتها الميادين من البقاع شمال لبنان ومشاهد الفرحة التي رسمت على وجوه الناس المعترين ومنظر إمراة تركض وتؤشر بيديها والزهور التي استقبلت الحافلات لا يمكن الا ان يشعرك بفرحة لهذا الانفراج ولو بشكل جزئي في الوضع في لبنان نعم لبنان بحاجة ماسة الى المحروقات والأدوية والمواد الغذائية التي يمكن تحصيلها بأسعار عادية ولا شك ان هنالك المزيد من اشكال الدعم سيصل الى لبنان في الأيام والاسابيع القادمة. ولكن هذا ليس موضوعنا هنا.
القضية بالتأكيد أبعد بكثير من قضية وصول المازوت والتي لها دلالات ومعاني كبيرة والتي سيكون لها أثر كبير في تغيير الخارطة السياسية وبروز مستقبل جديد ليس فقط في لبنان بل وفي المنطقة ككل.
أولا هذه المحروقات وصلت الى لبنان متحدية العقوبات والإجراءات الغير قانونية وغير الإنسانية التي فرضتها الولايات المتحدة على الثلاثة دول التي تعاونت فيما بينها واتخاذها القرار السياسي على تحدي سياسة الغطرسة والتسلط الامريكية. وفي المقابل لم تسطع “اكبر وأقوى “دولة في العالم والتي صالت وجالت لأكثر من ربع قرن من الزمن وعاثت في الأرض فسادا غير مسبوق النظير ان تعترض هذه السفينة أو ان تعطل وصولها الى هدفها النهائي. والدلالة هنا الى ان توفر الاراد بالتحدي والتصدي مهما يكن لك من قدرات متواضعة انك قادر على تحقيق ما تصبو اليه وخاصة عندما تكون على صواب وتتصرف لتحقيق العدالة والدفاع عن حقوقك الطبيعية التي تكفلها كل الأعراف والقوانين الدولية والإنسانية وحقوق الانسان في العيش بكرامة.
ثانيا: وصول هذه الشحنة الى لبنان من المؤكد انه سيحدث تغير في المزاج والمناخ السياسي في الساحة اللبنانية وخاصة في الأوساط الخارجة كلية عن القاعدة الشعبية لحزب الله, ويضع كل الأحزاب والتيارات التي تعمل ضد حزب الله ليلا ونهارا في موقف حرج أمام قواعدها الشعبية ومؤيديها التي أصبحت تتساءل إذا كان حزب الله قادر ان يأتي بالمعونات من أصدقائه وحلفائه ومتحديا الإدارة الامريكية وقانون قيصر الجائر فلماذا لم تفعلوا نفس الشيء وتقوموا بالطلب من اصدقائكم وحلفائكم اللذين تتحدثون عنهم لنا ليلا ونهارا؟
والأكثر من ذلك فتح توزيع هذه المحروقات على جميع المناطق دون استثناء سيكون له ارتجاجات اجتماعية وسياسية لصالح الحزب وشعبيته فالإنسان العادي ما يهمه في نهاية المطاف هو ان يعيش بكرامة وتوفر له احتياجاته اليومية من غذاء ودواء وطاقة بأسعار تتناسب مع دخله ..الخ . وربما الأهم من ذلك ان الطبقة السياسية التي لم تتخذ القرار خوفا من ان تفرض أمريكا مزيدا من العقوبات ( لا ندري ماذا تبقى في جعبة أمريكا لفرضه) ستجد الان الجرأة في اتخاذ هذا القرار لأنها أصبحت تشعر بعد هذه الخطوة التي أقدمت عليها إيران وسوريا وحزب الله ان الخنوع والخوف من أمريكا ليس قدر وانه يمكن تحديها بالتوجه الى إيران أو روسيا أو الصين.
وإذا ما احسنت القوى الوطنية اللبنانية هذا الحدث وانتهجت طريقا للاستثمار السياسي لهذا الحدث والبناء عليه فإن لبنان لن يعود اسيرا لا لأمريكا ولا للأذناب المحليين والاقليمين مجتمعين وسيتحرر من هذا الرعب والخوف التي تحاول هذه القوى المعادية للبنان ولشعبه بثه وزرعه لدى الشارع اللبناني على مستقبل لبنان وتماسكه كدولة وانهياره التام إذا ما أبقى تعامله مع حزب الله كمكون أساسي سياسيا واجتماعيا وطائفيا من مكونات الساحة اللبنانية وتمثيله في الحكومات اللبنانية.
ثالثا: هذه الخطوة الغير مسبوقة في المنطقة ستعطي وتضرب امثولة لشعوب المنطقة ودولها الوطنية المتبقية ان أمريكا والكيان الصهيوني ليس قدرا وأنها قادرة على الصمود والتحدي مدركتا ان هنالك قوى في المنطقة ستقف الى جانبها مساندة في حالة التعدي عليها او محاولة تجويع شعبها. وهي أيضا ترسل رسالة واضحة الى كل الملتصقين بالبيت الأبيض والمطبعين ان الاعتماد على الولايات المتحدة لحمايتهم هو خيار خاطئ فها هي أكبر وأقوى وأعتى دولة في العالم لم تستطع ان توقف الناقلة التي توجهت الى سوريا ولبنان كاسرة للحصار المفروض على ثلاثة دول. ويجب الا ننسى ان هذه الخطوة سبقتها خطوة تحدي أخرى من قبل ايران وفنزويلا وهذه الأفعال التراكمية من شأنها أن تكسر شوكة الهيمنة والتسلط الأمريكي على شعوب العالم ودوله لتؤكد وتعكس التحولات على الساحة الدولية التي بمجملها كاسرة لأحادية القطب الامريكية.
هذه بعض من الدلالات والمعاني التي هي أبعد من المازوت الذي وصل الى لبنان.
كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني