لقد افلح الغرب الاستعماري في تفتيت الوطن العربي الذي احتله لعقود، فانشأ دويلات ليست لها مقومات الحياة، بل نجد هذه الكيانات تعتمد على المساعدات الزهيدة التي تمنحها بعض الدول او صندوق النقد والبنك الدوليين لتبقى اسيرة املاءات ومصالح الدول الغربية، كما ان هذه الكيانات القزمية لا تقوم بأية مشاريع انمائية انتاجية بل يمثل قطاع السياحة اهم ان لم نقل المصدر الوحيد لميزانية (الدولة)، في حين تقوم باستيراد كافة متطلبات المواطن ما يسبب لها عجز في الميزان التجاري، فإما الاقتراض من الخارج وفق شروط لا تتحملها اقتصاديات الدولة، واما اصدار سندات بالعملة المحلية ذات عائد مجد لأصحاب رؤوس الاموال، وفي كلا الحالتين فان الحكومة وللأسف تسعى لتلبية مطالب المودعين عبر فرض رسوم وضرائب اضافية تثقل كاهل المواطن.
نتحدث عن لبنان الذي اقتص من سوريا الكبرى التي كانت يوما مستعمرة فرنسية، يضم كافة المذاهب والطوائف والملل، واستحدثت تركيبة غريبة عجيبة في نظامه السياسي(المناصفة والمثالثة) وأطلق عليه الديمقراطية التوافقية، وبدعة الثلث المعطل ويسميه البعض الضامن، حيث يتعطل تشكيل الحكومة، وصل الامر في عديد المرات الى سنة ناهيك عن دولة بلا رئيس للجمهورية لما يربو عن العام.
لبنان اليوم تتجاذبه الاطراف الاقليمية والدولية، فهو بلد منزوع السلاح منذ تكوينه غير قادر على رد اي عدوان اجنبي (صهيوني)، خاصة وانه استقبل اكثر من مليون مهجر من فلسطين بعيد النكبة، ويحاول الغرب جاهدا لتوطينهم ما يشكل عبئا على الاقتصاد اللبناني.
اختلقوا له فتنة نشبت بين مكوناته استمرت لأكثر من عشر سنوات، حصدت آلاف القتلى والجرحى وتدمير الممتلكات الخاصة، وحدوث حالة من عدم الاستقرار الامني والغذائي ماساهم في هجرة ألاف الشباب الى الغرب بأجور زهيدة، ومنحهم الاقامة والجنسية لإبعادهم عن وطنهم ومن ثم عدم مساهمتهم في اعادة اعماره ليبقى الاقتصاد مشلولا .
لبنان اليوم يتحكم فيه ساسة من كافة الطوائف لا تهمهم سوى مصالحهم الشخصية والإثراء الفاحش بأيسر الطرق وأسرعها، بين الفينة والأخرى تعقد الدول الغربية مؤتمرات لأجل مساعدة لبنان، المبالغ المخصصة لا تفي بالغرض، ورغم قلتها إلا انها تذهب الى جيوب الساسة من خلال فوز شركاتهم بتنفيذ العقود المسماه (التنموية)، والنتيجة ان لا تنمية بل تراكم للديون فاقت المائة مليار دولار.
تحويل اصحاب رؤوس الاموال مدخراتهم الى خارج البلد ساهم في افلاس الخزينة العامة، خلال فترة وجيزة جدا وفي ظل حكومة تصريف اعمال، وتناحر الاحزاب المذهبية والطائفية والتي يطلقون عليها زورا السياسية، تضاعف سعر صرف الدولار لأكثر من 8 مرات.
لم يعد المواطن يملك ادنى سبل العيش الكريم، خروجه الى الشارع لن يجدي نفعا طالما استمر نظام المحاصصة، وعدم محاسبة من اثروا طوال العقود الماضية وذلك لن يتأتى إلا بقيام نظام ديمقراطي( لبنان دائرة انتخابية واحدة) المساواة بين افراده وإلغاء الطائفية السياسية.
لبنان اليوم يعيش حالة انهيار اقتصادي يتبعه تفكك مجتمعي قد يؤدي الى تدخل خارجي بهدف السيطرة على الوضع وعدم انفلاته، سويسرا الشرق الذي اراده المستعمرون منتزها لهم وموطئا لأقدامهم القذرة التي داست على رؤوس عظماء الامة ومثلت بجثتهم، في حاجة ماسة الى تكاثف جهود ابنائه الخيرين ومساعدة اشقائه العرب، لينعم بالحرية ورغد العيش، ويخرج من عباءة الاستعمار.