يخطئ كثيرون في تقدير الأمور والأحداث الجارية في الشرق الأوسط، وخصوصا الصراع الدائر بين الكيان الصهيوني، وقوى المقاومة في لبنان على وجه الخصوص، فينسبونها إلى الطائفية حينا، وإلى المغامرة الغير محسوبة العواقب، في أفعالها وردودها حينا آخر، ومن بين هؤلاء من عرّفوا أنفسهم بخبراء عسكريين وباحثين استراتيجيين، يرون في منظومة الشرف والعز والإباء ( حزب الله)، تابعا قلبا وقالبا لإيران، مؤتمرا بأمر قيادتها، قد بلغت قناعاتهم مبلغ الكشف الذي لا يخطئ أصحابه، تأثّرا بدعايات الغرب وأذنابه، وسُعاة التطبيع دعاة الذّلّ والرّضا بالدّون وتهافتهم عليه تهافت الذّباب على النّفايات.
قبل ظهور حزب الله لبنان، كانت الأنظمة العربية بجيوشها وجامعتها وأحلافها ولاآتها، تسعى جاهدة لكسب صُنع نصر حتى لو كان صوريّا، يزيح عنهم غائلة إخفاقاتهم وهزائمهم، ولما تيسّر لهم ذلك في حرب أكتوبر 1973، سارعت زعيمتهم مصر السادات، إلى عكس استغلاله، بفتح باب التطبيع على مصراعي الذّل والهوان، وبدأت مرحلة التنصّل من القضية الفلسطينية البيع بالثّمن البخس.
ولمّا انتصرت الثورة الإسلامية الإيرانية، بقيادة الإمام الخميني رضوان الله عليه، وبدأت أفكاره الثّورية تنتشر في عالمنا العربي والإسلامي، فتأسست على اثرها حركات مقاومة إسلامية بفلسطين ولبنان، وحلّت محلّ منظومة الإخفاقات القديمة، لتظهر على الساحة بالقيمة المادية والمعنوية، التي من شأنها أن تحقق معادلة التكافؤ في الصراع مع العدوّ الصهيوني، وبفضل الله سبحانه وجهود إيران الإسلامية، بلغت هذه المعادلة مستوى موازاة قوة الجيش الصهيوني، والتفوّق عليه في مواجهتين بلبنان، سنتي 2000و2006.(1) وردْعِه عن عرْبَدَتِه ثلاثة مرات في قطاع غزة (2)
هذا المنحى التّصاعدي في الإعداد والإستعداد للعدو، لا يزال مستمرّا بنسق حثيث وسرعة شكّلا مصدر إزعاج وقلق أمريكي غربي صهيوني، فكان مشروعهم المنتهية صلاحياته بسرعة بقصف رقبة وجوده، بمساهمة فعالة من قوى المقاومة الحشد الشعبي العراقي وحزب الله اللبناني، على الأراضي العراقية والسورية واللبنانية، وفي نقطة البوكمال من الحدود السورية العراقية 21/11/2017 أعلن الشهيد اللواء قاسم سليماني سقوط داعش(2).
وبانتهاء منظومة الإرهاب التكفيري، وسقوط ما كان يأمله أعداء هذه الأمّة، اتّجه مخطّطهم الجديد نحو الحصار الإقتصادي، وإنهاك الشعبين اللبناني والسوري بضائقة ضرورات الحياة، من محروقات وموادّ أساسية غذائية وطبّية، مستعينين في لبنان بطابور من العملاء المعروفين، من ذوي الأهواء والأطماع وبيع الأوطان، مكشوفي القناع ساقطي القيم والأخلاق، لم يعد يهمّمهم من أمر وطنهم لبنان شيء، قد فرّطوا فيه كما فرّط فيه آباؤهم من قبلُ، بلد تراخى فيه تيّاره الفاسد عن تشكيل حكومة، حتى أصبح العائق الأكبر، الذي يحول بين اللبنانيين وتصريف شؤون بلادهم، ووصل الأمر إلى عرقلة كل شيء ضروري للحياة، وكان استهداف نقص المحروقات ونفادها مقصودا، لتزداد نقمة اللبنانيين ليس على الحكومة وتقصيرها، بل من أجل أن يُحوَّل ذلك إلى نقمة على حزب الله، وجعله السبب الرئيسي في هذه الأزمة، وتحميله تبعا لذلك المسؤولية على ما آلت إليه الأوضاع داخل لبنان.
لإزاء الإنهيار الإقتصادي الذي خيّم بظلاله على كافة قطاعات لبنان الإقتصادية والمعيشية، تحرّك السيد حسن نصر الله، من باب الواجب الذي ناداه، ليسهم من جانبه في حلّ أزمة الوقود، تحدّى فيها كعادته كل من سعى لإسقاط الدولة اللبنانية، وتفكيكها بصراع داخلي، أُعِدّ له بدقّة، مستهدِفا نزع سلاح حزب الله خصوصا، وبقية حركات المقاومة عموما، حيث لا حلّ في مسار مخطط أمريكي، غير إرضاء الكيان الصهيوني بتفكيك حزب الله من الدّاخل، بعد أن فشلت محاولات تقصيب أجنحته من الخارج.
وكانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية كعادتها في الموعد عند الشدّة، فاستجابت لطلب تزويد لبنان بالمحروقات، وبدأت بإرسال ناقلاتها بسرعة، واضعة في حساباتها كل شيء، حتى الحرب من أجل أن لا تنتكس أعلام المقاومة، ولا يُذَلُّ الشعب اللبناني، المضحيّ من أجل قضيّة أمّته التحرّرية، وكان تعبير أمين عام حزب الله، أن الناقلات القادمة من إيران والحاملة للمحروقات إلى لبنان هي بنظر حزب الله أراض لبنانية، رسالته وصلت واستوعبها الكيان الصهيوني وأمريكا، وفهمت حكومتيهما منها، أنه من يجرؤ على المساس بها، سيلقى ردّا عنيفا لا قِبل له باحتوائه.
وستتالى رحلات حاملات الوقود الإيرانية، في تقديم ما يحتاجه اللبنانيون جميعا، دون استثناء أو محاباة بين طوائفهم، كما كان الشأن بالنسبة لفنزويلا حيث لم تجرؤ الإدارة الأمريكية على أي عمل يعرقل وصول الإمدادات الإيرانية إلى كاراكاس، ويبدو أن لغة التحدّي والقوّة هي اللغة التي يفهمها جيّدا الأعداء، فلا يتبادر إلى اذهانهم غير القبول بالأمر الواقع، ومن هنا تتملّك أحرار هذه الأمّة قناعة، بأن امتلاك أسباب القوّة، عنصر أساسي في تحقيق عزّتنا واستعادة كرامتنا، وما حصل من تحدّ جاء في وقته، يُعتبر درسا وعبرة لمن يعتبر.
لقد أصبحت أمريكا تدرك جيّدا – وهي تعلم ذلك من خلال شعورها الداخلي بالشيخوخة – أنّ اي مغامرة قادمة خصوصا مع هؤلاء العقائديين الاسلاميين، ستزعزع أركانها المنهكة، وتعطي للصين فرصة تبوّء مكانها في العالم، مع أنّ الصين الشعبية ليست بعقلية الاستكبار الأمريكي، وهذه الخشية تجعلها تفكّر ألف مرّة قبل الاقدام على أي عمل مباشر، اللهم مواصلة استعمال أسلوب الحصار والعقوبات، وهذا نفسه بدأ يستنفد قوّته، بانضمام إيران عضوا دائما في منظمة شنغهاي، فهل ستتحامق أمريكا بالإقدام على محاربة إيران، وهي تعلم أن أعداءها كثروا، بحيث لا تستطيع السيطرة عليهم بمفردها؟
المصادر
1 – انتصار تموز 2006.. نقطة تحول كشفت ضعف العدو الإسرائيلي وأجبرته على تجرع الهزيمة https://ar.farsnews.ir/viewpoint/news/14000523000009
2 – الحرب على غزة https://ar.wikipedia.org/wiki/
3 – قاسم سليماني يعلن نهاية داعش برسالة لخامنئي ويشكر الحشد وحزب الله والأفغان
https://arabic.cnn.com/middle-east/2017/11/21/solimani-letter-iran-isis